يرى خبراء وسياسيون أن تأكيد حكومة الانقلاب التزامها بعدم تمديد حالة الطوارئ وإنهائها فى 15 نوفمبر الجارى وفق الموعد المحدد، خطوة تكتيكية وشكلية للاسستهلاك العالمى والعمل على توظيفها لاستقطاب الرأى العام الدولى، والزعم بأنها تطبق القانون وتلتزم به، بهدف تحسين وتجميل صورة الانقلاب وكسب تأييد ما من الغرب لعله يخرجها مما تعانيه من عزلة دولية. وأكد الخبراء والسياسيون ل"الحرية والعدالة أن العبرة ليست بالتصريحات والقرارات بخطاب الانقلاب على خلاف الواقع الذى أثبت أن الانقلاب بذاته تجاوز جميع القوانين وانتهج سياسات قمعية أهدرت جميع حقوق الإنسان والحريات العامة والإجراءات الاستثنائية وعمليات الاعتقالات الواسعة، فالانقلاب يسير وفق قانونه الخاص، متوقعين الأسوأ واستمرارية القمع والذى لا يحتاج لقانون طوارئ أو غطاء حظر تجول وغيرها من المسميات الواهية، وإن كان الانقلاب يسعى جاهدا لسرعة إيجاد غطاء قانونى جديد يتمثل فى قانون التظاهر الجديد. وأوضحوا أن ذلك يكشف أن الانقلاب يعانى مقاومة شعبية كثيفة لم يكن يتوقع استمراريتها لأربعة أشهر ومستمرة، فشلت خلالها جميع الحلول الأمنية لأزمة سياسية، مشيرين إلى أن ميليشيات السيسى قائد الانقلاب ارتكبت أكبر وأبشع المجازر ضد مؤيدى الشرعية قبل إقرار قانون الطوارئ وذلك فى مذابح الحرس الجمهورى والمنصة وفض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة وغيرها من المجازر فى المحافظات، وهو ما يؤكد أن الانقلاب الدموى لا يحتاج إلى قانون طوارئ حتى يرتكب أبشع الجرائم فى حق الشعب المصرى الأعزل الذى يخرج بسلمية تامة للدفاع عن شرعيته وحريته وكرامته. خطوة شكلية فى البداية، أكد الدكتور عصام عبد الشافى -أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإسكندرية- أن ممارسات الانقلاب العسكرى الدموى الفعلية تجاوزت كل القوانين القمعية، ولن يؤثر عمليا مسألة رفع الطوارئ من عدمه، فالانقلاب أسوأ فى سياساته وقانونه الخاص من أى قوانين والقادم فى ظل الانقلاب سيكون الأسوأ بمزيد من القمع والانتهاكات للحقوق والحريات العامة، فالسلطة الانقلابية بالأساس لم تراع أى قوانين ولم تتقيد بأى قوانين لأنها انتهكت كل القوانين القائمة وألغت السلطات المنتخبة الشرعية وجمدت دستور البلاد الشرعى. وأوضح عبد الشافى أن حالة الطوارئ سيتم رفعها شكليا من قبل سلطة الانقلاب ولكن فعليا ستستمر حالة الطوارئ بالشوارع؛ بمعنى أن قوات الانقلاب ستستمر فى الوجود بالشوارع ولن تترك الأماكن التى تتحصن فيها وستستمر الإجراءات الأمنية المتشددة فى مواجهة الجميع سواء بمظاهرات أو غيرها تحت مسمى الحفاظ على الأمن والاستقرار. وأضاف أن الانقلاب سيبحث عن بدائل، وهناك البديل الآخر المتمثل فى الإصرار على الانتهاء من قانون التظاهر الذى يتيح لسلطة الانقلاب ممارسة ما تراه دون رابط أو ضابط أو رقيب. للاستهلاك العالمى من جانبها، تقول الدكتورة نرمين عبد السلام –أستاذ بكلية الإعلام بجامعة القاهرة– إن قرار وقف حالة الطوارئ يأتى فى أعقاب اعتراضات لمسئولين بأمريكا وأوروبا على استمرار حالة الطوارئ، ومطالبات برفعها، مما يجعل قرار رفعها استجابة لهذا الخط الأجنبى الرافض لوجود حالة طوارئ، وتظل العبرة بالممارسة، وما جرى هو خطوة تكتيكية للاستهلاك العالمى ولكسب مزيد من المؤيدين للانقلاب من الدول الأجنبية بالغرب، وواقعيا على مستوى الداخل لن نشهد أى تغير إيجابى بأى حال بل ممارسات سلبية. وأضافت أن قرار الانقلاب بوقف حالة الطوارئ يأتى فى إطار محاولة سلطة الانقلاب لتحسين صورته بالخارج فى رسالة بأن الأوضاع الحقوقية ستشهد تغيرا ما، وهى رسالة تعكس مجرد ادعاء على غير الواقع، فبينما تريد السلطة توجيه خطاب للرأى العام العالمى بأنها تستجيب لمطالب وقف الطوارئ تقوم بوضع قوانين أخرى أكثر سوءا. وأوضحت "عبد السلام" أن حكومة حازم الببلاوى الانقلابية لم يعد يشغلها إلا تحسين صورتها لدى الغرب واتضح ذلك بقوة فيما نشرته قناة الجزيرة الإخبارية من عقد بين هذه السلطة وبين شركة أمريكية هى "جلوفر بارك" والتى يعمل فيها إسرائيليون من أجل تسحين صورتها فى الولاياتالمتحدةالأمريكية ولدى الرأى العام الأمريكى والمنظمات الحقوقية، ويعد وقف الطوارئ قرارا يمكن ربطه بقرار تعاقد "جلوفر بارك" فى إطار خلق صورة جديدة لدى الغرب وأمريكا عن الانقلاب، كذلك نربطه بسرعة إعداد صيغة نهائية لقانون التظاهر والإعداد لقانون مكافحة الإرهاب، فالانقلاب يوقف الطوارئ وبالوقت نفسه لديه بديل جاهز، فيسوق الانقلاب لنفسه خارجيا بعدم تمديد الطوارئ وأنهم ملتزمون بالقانون. وتابعت: "بينما الواقع يؤكد أن ما نتوقعه هو استمرار السلطة بنفس سياساتها القمعية، وستستمر كل الإجراءات الاستثنائية ولن تكون هناك أى كفالة أو ضمانة لحرية الرأى والتعبير، وستستمر الاعتقالات كما هى ولن يحكمها قانون، وسنعانى من السياسات نفسها تحت الادعاء بإجراء تعديلات ما بقانون التظاهر والشروع فى قانون الإرهاب كغطاء بديل لحالة الطوارئ". ونبهت أستاذة الإعلام إلى أن العبرة بالممارسة وليست بالقوانين، ودليل ذلك أننا فى أيام نظام المخلوع مبارك كان لدينا ترسانة قوانين لحماية الحقوق والحريات وحرية الرأى ولم يكن ينفذ منها شىء، فالعبرة فيما ينفذ على أرض الواقع، مشيرة إلى أن ممارسات الانقلاب لن تتغير تجاه المعارضين والرافضين له، أما الهدف كما أجمع كثيرون فهو فقط لتحسين وتجميل صورة الانقلاب تجاه الرأى العام العالمى، وكسب تأييد دول معارضة للسلطة القائمة. محاولات إعلامية وترى "عبد السلام" أن تصريحات الانقلاب بشأن وقف الطوارئ والالتزام بالقانون موجهة للداخل أيضا كما هو للخارج، وذلك حتى يستغلها إعلام الانقلاب فى تحسين الصورة داخلياً على خلال الحقيقة، مشيرة إلى أن هذه التصريحات والأكاذيب الإعلامية التى ستروج للانقلابيين ليس لها قيمة ما دام أن جوهرها يخالف التطبيق العملى لها، فلن نعتنى بخطاب سواء استهدف رأى عام داخليا أو خارجيا، ما دام أنه يخالف السياسات والتطبيق الفعلى. وأشار إلى أنه خلال الفترة الماضية، الكل يعلم أن خطاب سلطة الانقلاب وإعلامها ينقل صورة إعلامية وذهنية مغايرة للواقع، ومثال ذلك ما نشهده من روايات متعلقة بالحراك الطلابى بالجامعات، ومنها ما حدث مؤخرا بجامعة المنصورة، حين نرى رواية الطلاب التى تنقلها قنوات داعمة للانقلاب وبين رواية الجزيرة نجدها روايات متناقضة تماما. وأشارت "عبد السلام" إلى أن الإعلام أحد أهم أدوات الانقلاب فى تحسين صورته والترويج له بالداخل، ويعتمد عليه فى تشويه المعارضين وتدعيم الانقلاب، ويعتمد على شركة دعاية هى جلوفر بارك بأمريكا للخروج مما يشعره من عزلة دولية ويبحث عن تأييد دولى ما للخروج من عزلته باستقطاب شعوب دول العالم سواء بزيارات أو عبر وسائل الإعلام أو بقرارات لتأييد ما يحدث بالداخل. اللادولة واللاقانون بدوره يرى الدكتور مجدى قرقر -الأمين العام لحزب الاستقلال والقيادى بالتحالف الوطنى لدعم الشرعية ورفض الانقلاب– أن ما تم خلال الأربعة شهور الماضية من سلطة الانقلاب يتجاوز أى قانون بما فيها أسوأ القوانين ومنها قانون الطوارئ، فالانقلابيون لا يخضعون لقانون أو دستور، ونحن نعيش فى اللادولة، وكل ما يقومون به يثبت ذلك من تلفيق الاتهامات وعمليات الاختطاف والاعتقالات، ويكفى القرار الخاص بتمديد فترة الحبس الاحتياطى غير محدد المدة، وهذا التعديل غير موجود بأى قانون ولا يوجد حتى بقانون الطوارئ نفسه. وقال "قرقر": "هؤلاء الانقلابيون جعلوا الحبس الاحتياطى للأبد وبتوقيع من المستشار عدلى منصور، وهو يوقع على القوانين المخالفة للدستور بالرغم من أنه تم تعيينه رئيس المحكمة الدستورية العليا من سلطة الانقلاب، بينما يخرق الدستور بالتوقيع على قوانين سيئة السمعة ومخالفة للدستور". وأضاف أن مصر تعيش أزمة سياسية يجب علاجها سياسيا أما المعالجة الأمنية فستكون علاجا فاشلا، وهى إدارة بأسلوب مخالف لطبيعة الأزمة بل سيزيدها تفاقما، فسلطة الانقلاب ظنوا أنهم سرقوا الوطن وأن الانقلاب قادر على حسم القضية لصالحه فى أسبوع واحد وحين قام بفرض حالة الطوارئ لم يكن يظن أن حركة مناهضة الانقلاب ستستمر أصلا والانقلاب فى ورطة بسبب سوء تقديراتهم للواقع. وكشف القيادى بالتحالف الوطنى، أن ما حدث هو أن الانقلابيين اعتقدوا خطأ أن اغتصاب وسرقة السلطة سيتمان فى غضون أيام قليلة عندما وضعوا الإعلان الدستورى ووضعوا حدا أقصى لحالة الطوارئ 3 شهور لا يجوز تمديدها إلا بالرجوع للشعب فى سياق إعلان استفتاء مارس 2011 ولكن الانقلابيين لم يتمكنوا من اغتصابها بسبب ما وجدوه من مقاومة شعبية قوية وصامدة فى الميادين امتدت لأكثر من 4 شهور ولم تهدأ أبدا على عكس ما توقعوا وستستمر حتى كسر الانقلاب، أى أن حالة الطوارئ لا يمكن مدها إلا باستفتاء شعبى والشعب يرفض الانقلاب والطوارئ، ومن ثم وقعوا فى مأزق حقيقى سيجردهم من سلاح الطوارئ، ولأنهم يريدون بديلا ففكروا فى قانون التظاهر وقانون مكافحة الإرهاب إضافة إلى ترسانة قوانين سيئة السمعة ومنها قانون الاشتباه وبعض المواد بالقانون المدنى والجنائى. وأشار "قرقر" إلى أن الغرب متواطئ ويبارك هذه الممارسات القمعية، بل إن سلطة الانقلاب والغرب كلاهما يحاول تجميل صورة الانقلاب أمام الشعب، بل إن زيارات مسئولين كبار من الغرب تأتى دوما لمصر قبل الأزمات الحادة فيها من أجل خداع الشعب.