وبذلك فالثورة ليست فى حالة عداء مع الجيش أو الشرطة كمؤسسات دستورية، ولكنها قامت فى 25 يناير 2011 ضد بلطجة الشرطة وفسادها الممنهج والمنتشر بين القيادات والأفراد، وقامت موجتها الثانية تحت عنوان الشرعية والكرامة منذ اعتصام 28 يونيو 2013 ضد تدخل الجيش فى السياسة وقيام بعض قياداته بالخيانة وحنث اليمين وتعطيل المسار الديمقراطى ومؤسسات الدولة وتقسيم الشعب والبحث عن السلطة. لقد اعتنى الرئيس الشرعى المختطف محمد مرسى بدعم المؤسستين العسكرية والأمنية، فى محاولة لتصحيح المسار، ولكن يد الغدر الانقلابى كانت أسرع مفعولا بسبب المناكفات السياسية وبقايا مبارك المتحالفين مع الانقلابيين والرافضين للتغيير، ولعل هذا الاعتناء هو الباعث وراء ظهور أنباء عن القبض على شرطيين لهم مواقف مساندة للثورة والشرعية ورافضة للانقلاب، واعتقال عسكريين كذلك للأسباب نفسها. وفى المقابل كان الانقلابيون، منذ 11 فبراير 2011، مرورا بالعام الأول من عهد الرئيس المختطف، حتى الآن، لجئوا إلى أساليب عدة لاستمرار خطف المؤسستين وإسقاطهما فى قبضة من لا يراعى الوطن ولا المواطن ومنها: أولا: شيطنة إعلامية ممنهجة للإخوان المسلمين، وقوى التيار الإسلامى والثورة الحرة، فى مقابل تقديس خاطئ للمؤسسة العسكرية ونشر مزاعم عن فوائد وضرورة أن يكون الجيش فوق الدولة والدستور، وهو ما ظهر جليا فى مبادئ السلمى وفيديو السيسى الخاص بالأذرع الإعلامية. ثانيا: إصرار القيادات الشرطية الفاسدة التى لم يتم التعامل معها ثوريا وقانونيا على إبعاد الشرطة عن حضن الثورة، ونشر مزاعم عن انعدام فوائدها وإعلاء "الأنا" الشرطية، ومناهضة القانون، وارتكاب حوادث تؤكد ذلك، وترويج "إجازة ال4 سنين" بين المواطنين بعد نجاح مرسى. ثالثا: إصرار القيادات العسكرية التى ظهرت خيانتها عقب 3 يوليو على الحصول على وضع آمن بالقوة والإكراه يمنع الكشف عن المستور، وهو ما ظهر فى التسريبات الأخيرة لقائد الانقلاب، ويقنن أطماعهم السياسية ويحفظ لكامب ديفيد مكانتها المغلوطة ويخدم حلفاءهم فى الكيان الصهيونى والبيت الأبيض، دون مبالاة بخطورة تمدين الجنود والضباط على المستقبل التدريبى العسكرى، وإجبارهم على صنع عدو داخلى وهمى. رابعا: التركيز على أسر الضباط والجنود فى المؤسستين العسكرية والأمنية، وتقزيم خطوات الرئيس محمد مرسى لدعم أعضاء المؤسستين بكل وطنية ونزاهة، عبر فزاعة "الأخونة" الإعلامية، ونشر مكاسب مغلوطة عن ضرورة بقاء الوضع على ما هو عليه قبل ثورة 25 يناير. خامسا: استغلال تأخير خطوات التطهير للمؤسسة الأمنية وبطئها، فى تحريض قطاعات الشرطة على العصيان والمشاركة المبكرة فى الانقلاب، والقيام بما يمكن أن نسميه "تكتيف السلطة الشرعية" للعمل دون قوة أمنية تدعمها للإنجاز. سادسا: استغلال القيادات العسكرية التى ظهرت خيانتها عقب 3 يوليو لحسن النية المفرط الذى وقع فيها الثوار فى 11 فبراير 2011، واعتبارهم أن الجيش شريك فى الثورة، وقيادة حملة وقيعة واسعة نجحت بين شركاء الثورة من القوى السياسية المختلفة، والإصرار على الحكم من خلف الستار، وظهر ذلك جليا، فى الإعلان الدستورى المكبل الذى أصدره المشير طنطاوى بالمشاركة مع الفريق عنان وأحبطه الرئيس مرسى وأثبت الفريق السيسى فى تسريبه الأخير عظمة هذا القرار فى حماية الجيش من خطر التسييس والتمدين. ولقد أحسن الثوار صنعا عندما هتفوا "الجيش المصرى بتاعنا.. والسيسى مش تبعنا"، ورفعوا صور الشاذلى والجمسى وأبو غزالة، وسطروا مفاهيم جديدة بالنزول فى 6 أكتوبر الماضى، وهو ما يجب البناء عليه لكسب جولة جديدة فى الثورة المتصاعدة بضم صور اللواء الشهيد محمد البطران وشهداء الشرطة فى المهام الوطنية المشرفة والتحرك. إن جرائم الانقلابيين فى الجيش والشرطة تستلزم علينا ضبط النفس، والتمسك بالسلمية، ومحاصرة المتورطين بكل السبل القانونية والثورية، بل الاتجاه إلى ملاحقتهم عائليا وفق الأساليب العرفية الشعبية، بعدما ألغى الانقلاب القضاء والعدل وسيادة القانون، حتى يأتى النصر الكامل الحاسم الذى سيطيح برءوس فاسدة ظنت أن فى استخدامها المؤسسات الأمنية والعسكرية كستار لجرائم قد يجدى أو ينفع. إن الثورة تهدف إلى مستقبل وطنى جديد للمؤسستين العسكرية والأمنية، يستمد فيها الجيش روح نصر أكتوبر ونبل قياداته ويسترد الشعب جيشه العظيم، وتستلهم الشرطة روح الفداء التى سطرت فى الإسماعيلية وخلدت عيدا، ويجد الشعب مؤسسة أمنية أمينة على الأمن والأمان بعيدا عن عديمى المروءة والرجولة الذين يعتقلون الحرائر ويعتدون عليهم بالضرب. قد يكون الدواء مرا، ولكن يجب على المريض أن يتجرعه، وأن الدماء الطاهرة التى سقطت ولوثت أيدى عدد كبير من أبناء المؤسستين العسكرية والأمنية، يجب أن يتم القصاص لها، ومن ثم فلا يجوز التستر على قاتل، ولا ينفع الاستمرار فى الدفاع عن باطل أو الوقوف فى موقف خطأ، ودواء الثورة مر، ولكنه الشفاء للمؤسستين، وفى ذلك فليتفكر الأحرار بعيدا عن عصابة "الفكاكة"!. ________________________ منسق حركة "صحفيون من أجل الإصلاح"