استبق الجيش السوداني قطف ثمار ثورة الشارع وقام بالانقلاب على الرئيس المخلوع عمر البشير، اليوم الخميس، بعد أربعة أشهر من الحراك الشعبي المستمر، وأصبح الأمر يثير الحيرة هل من أسقط البشير الذي دام حكمه 30 عاما الجيش أم الشعب، تمامًا كما فعلها من قبل الجيش المصري مع المخلوع مبارك. لعبة العسكر في السودان أخذ لها الشارع جرعة مناعة مما جرى في مصر، حتى عندما قرأ وزير الدفاع السوداني عوض بن عوف البيان رقم واحد، قائلا بنبرة تشبه نبرة عسكر مصر: “أُعلن أنا وزير الدفاع عن اقتلاع النظام والتحفظ على رأسه بعد اعتقاله في مكان آمن”. ولا تلعب الصدف وحدها في ملعب السياسة العربية، فوزير الدفاع عوض بن عوف كان مديرًا للمخابرات العسكرية، ثم وزيرا للدفاع، ثم قائدا للانقلاب الحالي في السودان، وهو ذاته سيناريو تنقل جنرال إسرائيل السفيه السيسي في المناصب، حيث كان هو الآخر مديرا للمخابرات الحربية، ثم وزيرا الدفاع، ثم قائدا للانقلاب في مصر، كما أن تغطية قنوات الثورة المضادة (العربية وسكاي نيوز وفضائيات السيسي) لما يحدث في السودان تثير كثيرًا من الأسئلة، وتُذّكر نوعًا ما بانقلاب 30 يونيو، فهل عوض بن عوف نسخة أخرى؟، وهل الحصيلة هي انقلاب عسكري يتربص لمدة عامين ويستبرئ لمدة ثلاثة أشهر من الطوارئ؟! تعبيراً عن احتجاجهم لقرارات الجيش السوداني ثوار #السودان يسحقون سيارة عوض بن عوف وزير الدفاع الذى القى بيان القوات المسلحه منذ قليل #شعب_السودان pic.twitter.com/96gMpM2mAq — ثورة 25 يناير 2011 (@sawra11) April 11, 2019 لعبة المجلس العسكري استمرار العسكر على أنفاس السودانيين معناه عدم محاسبة أي فاسد منهم، بل استمرارهم بتغير الوجوه فقط. وقادت سياسات حكم الحزب الواحد والزعيم الأوحد التي أقرها البشير، السودان إلى أزمات سياسية خانقة واقتصاد مشلول وارتفاع في معدلات التضخم وصلت إلى 64%، وانهيار في العملة، وغياب للبنى التحتية، أما السجل الحقوقي فتخيم عليه ممارسات قمعية متواصلة. مجلس عسكري في السودان لمدة عامين قد تقبل التمديد، يعني انقلابًا عسكريًّا بثياب وطنية، ويعتقد مراقبون أن الشعب السوداني ذكي، ولن تنطلي عليه خدعة العسكر، وهو الذي ذاق ويلاتهم على مدى عقود، ويعدّ السودان من أفقر الدول في العالم، فهو يحتل المرتبة 167 في مؤشر التنمية البشرية الصادر عام 2018، وذلك من مجموع 188 دولة حول العالم، أما معدل التضخم فقد بلغ 63,86 في يونيو الماضي، فيما بلغ معدل البطالة بين السودانيين 20%، بحسب بيانات رسمية، مع تنبؤات بأن مؤشر النمو لن يزداد هذا العام بأكثر من 0.5% عن العام الذين سبقه، حين سُجلت نسبة 3.2%. ويعاني البنك المركزي السوداني من نقص في العملات الأجنبية، الأمر الذي جعله يُخفض قيمة الجنيه السوداني خلال 2018 أربع مرات، ما جعل أسعار السلع الأساسية ترتفع بشكل كبير، الأمر الذي أثر سلبًا على القدرة الشرائية للسودانيين. تقول الناشطة السودانية أماني يوسف: “زعلنا زعل.. استهوان واستخفاف كبير بأمخاخنا وبثورتنا.. أنا ما جريت في المظاهرات عشان كدا.. أنا ما استحملت الاعتقالات والإهانات اللفظية عشان الخطاب الركيك دا.. والسبب الأهم الشهداء اللي ماتوا مننا أكيد ما يستاهلوا بيان خالي من المنطق اللي دفعوا حياتهم عشانا”. وتقول الناشطة السودانية منى حوى: “الفريق عوض بن عوف كهل آخر من #الكيزان مقرب من البشير، تدرب عسكريا في مصر، تقلّد مناصب أمنية وعسكرية عليا في السودان، من أشد المتحمسين لمشاركة الخرطوم في حرب اليمن بقيادة السعودية، تكررت زيارته مؤخرا لدولة الإمارات، من المتهمين بجرائم درافور.. الطريق مرّ وصعب وطويل يا وطن”. الآن شعارات مناهضة لوزير الدفاع عوض بن عوف من أمام مقر القيادة العامة للجيش السوداني#السودان pic.twitter.com/xs92dYFyzb — الجزيرة مباشر (@ajmubasher) April 11, 2019 إسقاط “بن عوف” أَعلن بن عوف عن تعطيل العمل بالدستور وتشكيل مجلس عسكري لفترة انتقالية لعامين، وهنا فضح العسكر أنفسهم، وبات السؤال: هل يحتاج الانتقال السلمي لسلطة مدنية كل هذه المدة الزمنية؟، وغلف عوف انقلابه بمسحة ثورية وقال إن نظام البشير كان يعاند و”يردد الوعود الكاذبة ويصر على المعالجة الأمنية” للتظاهرات، واعتذر عن سقوط قتلى في الحراك، مترحما على من قضوا فيه!. وعلى الفور ردد ناشطون معتصمون هتافات تدعو لإسقاط بن عوف؛ ردًّا على البيان الذي تلاه عبر التلفزيون الرسمي، وفق شهود عيان، وأعلن تجمع المهنيين وتحالفات المعارضة السوداني، عن رفضهم لبيان الجيش “جملة وتفصيلا”، ومواصلة الاعتصام حتى تسليم السلطة لحكومة مدنية انتقالية، وتعبيرا عن احتجاجهم قام عدد من ثوار السودان بسحق سيارة عوض بن عوف وزير الدفاع. وأعلنت المعارضة السودانية، المتمثلة في قوى “إعلان الحرية والتغيير”، عن رفضها للانقلاب العسكري، الذي يعيد إنتاج ذات الوجوه والمؤسسات التي ثار شعبنا العظيم عليها، مؤكدة أن الغرض منه سرقة كل قطرة دم وعرق سكبها الشعب السوداني العظيم في ثورته التي زلزلت عرش الطغيان. ودعت الشعب السوداني للمحافظة على اعتصامه الباسل أمام مباني القيادة العامة للقوات المسلحة وفي بقية الأقاليم، والبقاء في الشوارع في كل مدن السودان لحين تنفيذ طلبات المتظاهرين، وتسليم السلطة لحكومة انتقالية مدنية تعبر عن قوى الثورة. جاء ذلك في بيان مشترك نشره التجمع وتحالفات المعارضة، على صفحة التجمع ب”فيسبوك”، وقال البيان “نفذت سلطات النظام انقلابًا عسكريًّا تعيد به إنتاج ذات الوجوه والمؤسسات التي ثار شعبنا العظيم عليها”، وأضاف “إننا في قوى إعلان الحرية والتغيير نرفض ما ورد في بيان انقلابيي النظام، وندعو شعبنا للمحافظة على اعتصامه الباسل أمام مباني القيادة العامة للقوات المسلحة بالخرطوم وفي بقية الأقاليم”. وحسب مراقبين، لم يمارس “بن عوف” القيادة إلا على مستوى الفروع الأمنية والأسلحة، وليست لديه الخبرة السياسية الكافية لقيادة البلاد، كما أن تطابق الرؤى ووجهات النظر بينه وبين البشير، جعل الأخير يقربه منه، وهو ما يصطدم برفض شعبي ومطالب بتسليم السلطة لمجلس انتقالي. وبحسب تسريبات موقع ويكيلكس، تناولت برقية القائم بأعمال سفارة أمريكا في السودان، أواخر 2008، اسم عوض بن عوف مدير الاستخبارات العسكرية آنذاك، كمرشح محتمل لخلافة البشير، يقول الدكتور حاكم المطيري: “لقاء السيسي مع عوض بن عوف بعد اختياره نائبًا للبشير قبل شهر، وبرفقة صلاح قوش، يؤكد أن أمريكا وراء ترتيب المشهد في السودان، وقطع الطريق على الثورة عبر الجيش كما جرى في مصر”. تعرّف على أهم ما جاء في بيان وزير الدفاع السوداني عوض بن عوف pic.twitter.com/wKugRnc6Im — عربي – الآن TRT (@TRTArabi) April 11, 2019
