“لا أروج لهم، إنما أدافع عن حقهم بالمشاركة السياسة للخروج من مأزق الحرب على الديموقراطية الذي حرمني وحرمك الحرية”، تلك العبارة نطق بها الصحفي والكاتب السعودي جمال خاشقجي قبل أن يغدر به محمد بن سلمان ويقتله في القنصلية، كان خاشقجي يرى أن جماعة الإخوان كمكون من جسد هذه الأمة لها الحق كما لغيرها في المشاركة السياسية، ولم لا وقد اختارتها شعوب عربية بالانتخاب للتصدر المشهد ولتقود تلك الشعوب التي تخلفت على يد عصابة العسكر؟! وليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يصوب فيها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان نيرانه ضد الإخوان المسلمين أو على من ينصفهم. الرجل يريد صناعة عدو جديد يسهل الانتصار عليه، ويمكن المرور فوق جثته إلى قلب إسرائيل والعالم الغربي، وبعد أن فشل في حملته عاصفة الحزم التي ساق فيها بلاده إلى مهلكة اليمن، وغاص في أوحالها، ولم يجد أمامه من عدو سهل يصرف إليه معركته الجديدة التي قد تعوض خسارته الكبيرة في اليمن سوى الإخوان. بعد أن ساعد أباه وعمه في الانقلاب عليهم إثر وصولهم إلى السلطة في مصر عبر الصناديق التي أرعبت حكام المملكة، والتي فتحت أبواب ونوافذ الحرية أمام الشعب السعودي وغيره من الشعوب المستعبدة تحت حكم أسر لا تعرف معنى الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة شأنها في ذلك شأن حكم العسكر.
التغريدة الأخيرة وكتب خاشقجي آخر تغريدة له، قبل إنها سكبت البنزين على النار، ومنحت القاتل بن سلمان سببًا آخر لاستباحة دماء الرجل، وقالت التغريدة: “غرد عن الحرية أنت إخوان.. عن الحقوق أنت إخوان.. عن مواطنك المعتقل إخوان.. عن المشاركة والكرامة إخوان.. ترفض الاستبداد طبعا إخوان.. عن غزة وسورية إخوان بالتأكيد.. يا كارهي الإخوان، لقد جمعتم كل المكارم فيهم، فعملتم لهم أفضل دعاية”. وعلى الفور اشتبك معه الدكتور عبد الخالق عبد الله، أحد أذرع السفاح ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، قائلاً: “لا أحد يقوم بالدعاية للإخوان في السر والعلن ولا أحد يروج لهم في العواصم العالمية وفي مقالاته وتغريداته أكثر منك رغم أن جماعة الإخوان مصنفة كجماعة إرهابية من قبل حكومة بلدك.. فأين الانتماء للوطن ولمن الولاء حقا يا صاحبي”. ويرد خاشقجي بالقول: “لا علاقة للوطن والانتماء له وهذا “ثابت” مع سياسة حكومة “متغيرة”.. بالأمس كانوا حلفاء واليوم خصوم وستأتي حكومة قادمة وتتخذ موقف مختلفا.. فهل يتبع العاقل مواقف متغيرة؟ حاليا أنا ملتزم بالنظام، فلا أتبرع لهم أو أنتمي لهم فهذا مخالف للنظام”، ويعاود ذراع بن زايد الهجوم، بالقول: “لكنك تدافع عنهم وتروج لهم كما في مقالك الأخير في واشنطن بوست وفِي كل محفل تحضره ومن يروج لجماعة مصنفة من قبل حكومته الراهنة كجماعة إرهابية لا أقول إنه إرهابي لكنه حتمًا يعرض نفسه للمساءلة القانونية والقضائية كما يحدث حاليا لزملاء لك في السعودية. هذا قانون البلد الذي تحمل جنسيته”!. تصريح بالقتل وهنا تأتي اللطمة على وجه ذراع بن زايد، إذ يقول خاشقجي رحمه الله: “لا أروج لهم ، إنما أدافع عن حقهم بالمشاركة السياسة للخروج من مأزق الحرب على الديموقراطية الذي حرمني وحرمك الحرية”، وهنا يجن جنون ذراع بن زايد، ويتملكه الغضب وتظهر نواياه الخبيثة لتوريط خاشقجي قائلاً:” كيف لك الدفاع عن جماعة مصنفة إرهابية في بلدك وفِي عدة دول عربية. هناك سبل أخرى للدفاع عن الحرية والديمقراطية غير الدفاع عن حق الإخوان في المشاركة وكأن الديمقراطية والحريّة لا تتحق بدونهم. لا افهم هذا المنطق الحتمي. كيف توصلت لهذه الحتمية التي لا تختلف عن الحتمية المادية”. هنا يتوقف خاشقجي أمام هذا النموذج الصارخ للظلم، الذي لا يرى لجماعة سياسية إصلاحية كالإخوان حق في الحياة، بينما يرى أن أسياده أبناء زايد وبقية العصابة المكونة من بن سلمان والسيسي وحفتر، لهم كل الحق في أن ينهبوا من ثروات الأمة وخيراتها، بل ويقتلوا ويعتقلوا ويعذبوا ويختطفوا من شاءوا من العباد، بما أنهم أولياء الأمر وأوصياء الله على خلقه، كما يصفهم شيوخ التطبيل. ويرد خاشقجي بآخر جملة على ذراع السفاح بن زايد بالقول: “خلاص تعبت… ثمة أشياء في الحياة حولنا أكثر متعة من هذا الجدل”، وهنا قرر ابن سلمان قتل خاشقجي وإنهاء الحديث للأبد، إلا أن دماء الرجل أصبحت لعنة على عصابة الخليج. وقالت صحيفة واشنطن بوست إن السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو تواصلا مع الإدارة الأمريكية للدفاع عن بن سلمان وإنقاذه من المحاكمة على دماء خاشقجي. صفقة القرن ونقلت الصحيفة عن مصادر قولها: إن السفيه السيسي ونتنياهو قاما في الأيام الأخيرة بإجراء اتصالات بمسئولين رفيعين في إدارة الرئيس دونالد ترامب للإعراب عن دعمهما لمحمد بن سلمان، وإنهما أوضحا أن ولي العهد السعودي شريك إستراتيجي للغرب والصهاينة مهم في المنطقة. وأوردت الصحيفة الأمريكية هذا النبأ في سياق تقرير طويل قالت فيه إن محمد بن سلمان وصف الصحفي جمال خاشقجي بأنه “إسلامي خطير” وأنه ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وذلك في اتصال هاتفي أجراه بعد أيام من اختفاء الصحفي مع جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي ومستشاره، ومع مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جون بولتون. وأشارت واشنطن بوست إلى أن “إسرائيل والسفيه السيسي والإمارات قد اتحدوا خلف جهود إدارة ترامب للضغط على إيران وفرض صفقة القرن على الفلسطينيين، وأن السيسي ونتنياهو يشتركان في نظرتهما لجماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية (وفقا لادعائه) في إشارة على ما يبدو إلى السياق الذي ربط فيه محمد بن سلمان بين خاشقجي والإخوان المسلمين”.