"فى شهر الخير، خليك سبب شفاء طفل مريض بالسرطان، بكفالتك لعلاجه فى مستشفى 57357".. ربما تكون قد مرت عليك تلك الرسالة فى "هاتفك المحمول" يوما من أيام شهر رمضان الكريم الماضى، لتبدأ مثل ملايين المصريين بحسهم الإنساني وتبادر بدفع ما تستطيع فعله من تبرعات لصالح هذا الصرح، الذى طالما علق بأذهان المصريين منذ عهد المخلوع حسنى مبارك. إلا أن الحقيقة المرة التى لم تكن بحسبان أحد، أن تتحول تلك المستشفى لعلاج السرطان إلى ورم سرطانى يكشف فسادا بالمليارات على حساب تبرعات الشعب وعلى حساب الأطفال المرضى. ففى الوقت الذي صدّع فيه إعلام سلطة الانقلاب رؤوس المصريين بسيل الإعلانات، واللعب على وتر العاطفة والإنسانية وألم الأطفال المرضى، وضرورة التبرع من أجل إنقاذ حياة أطفال مصر، تجد في الجانب المظلم أكذوبة التبرع لمرضى السرطان في مصر مستمرة، والتي كان من بينها تحقيق صحفي يفضح فساد مستشفى 57357 ، حيث كشف عن فضائح بالجملة، ومن بينها سرقة أموال المتبرعين، والمبالغ التي دخلت إلى المستشفى، وحجم الإنفاق على الإعلانات دون توجيه الأموال للمرضى، بالإضافة إلى إجراء تجارب سريرية على المرضى!. 57 ورم سرطانى وتحولت إدارة مستشفى السرطان "57357"، التى رفعت شعار الدعاية أهم من العلاج، لتنفذ مشروعاتها بالأمر المباشر، وتنفق ببذخ على أمور أخرى غير علاج الأطفال، فى حين يحصد الموت أرواح أطفال الفقراء داخل سجن يسمى ال"day care"، وهو طوارئ اليوم الواحد فقط. التحقيق الذى أثار ضجة، وكان سبب إصدار قرار بحظر النشر فيه لما به من كوارث جمة، خاصة إذا عرفت أن حجم التبرعات السنوية بلغ "مليار جنيه" سنويا، ومعظمها ينفق في أمور أخرى. فى حين تتحدث قيادات 57357، والتى لديها عبارة واحدة تحولت إلى شعار يردده الأطباء والتمريض حتى عناصر الأمن، وهو "أمام طفلك قائمة انتظار لعدم وجود أماكن، وعليك التوجه إلى المعهد القومي للأورام أو معهد ناصر"، بينما تترك الغرف مغلقة لاستقبال أصحاب الواسطة!. حظر النشر.. لماذا؟! فى هذا الإطار وبعد شهر على كشف حقيقة فساد المستشفى، أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الأربعاء الماضي، قرارا يقضي بوقف النشر في كل ما يتعلق بمستشفى 57357. وطالب جميع الأطراف بالتوقف عن الكتابة في الموضوع، ووقف بث البرامج المرئية والمسموعة التي تتناول هذا الموضوع إلى حين انتهاء اللجنة الوزارية من التحقيقات التي تجريها حاليا وإعلان نتائجها، وأن يكون التعامل مع أي جديد بتقديمه للجهات القضائية أو لجنة التحقيق أو النشر من خلال المجلس الأعلى. وأثار القرار حالة من الجدل وردود أفعال غاضبة في الأوساط الإعلامية والصحفية المصرية؛ نظرا لأنها المرة الأولى التي يصدر فيها مثل هذا القرار من جهة غير قضائية، إذ أن النائب العام المصري هو المخول له إصدار حظر النشر في القضايا المختلفة، والتي غالبا ما تأتي لاعتبارات الأمن القومي وفي قضايا معدودة ومحدودة. وانتقد صحفيون مصريون قرار المجلس، معتبرين أن سلطاته تنحصر في انتهاكات محددة كإعلان أو مادة صحفية تحتوي على جريمة مهنية بعينها وليس معلومات متداولة، ويأتي ذلك بناء على تحقيق يؤكد الانتهاك، معتبرين أن قرار وقف حملة صحفية يشكل حجبا للمعلومات وليس وقف انتهاكٍ. فضيحة إجراء "تجارب فئران" كما جاءت الكارثة الثانية، حيث كشف التحقيق الصحفي فى شأن 57357، عن إجراء تجارب سريرية على المرضى من الأطفال، الأمر الذى دفع المركز المصري للحق في الدواء للمطالبة بفتح تحقيق عاجل فيما نسب للمستشفى. وطالب المركز- في بيان له نشر عبر وسائل صحفية- بالتحقيق فيما أشارت إليه منظمة (إعلان برن)- وهي منظمة عالمية سويسرية معنية بالدفاع عن حقوق المستهلكين- بقيام شركتي روش هوفمان للأدوية السويسرية وشركة نوفارتس العالمية للأدوية السويسرية بإجراء بعض التجارب الطبية غير الأخلاقية في مصر، من بينها مستشفى أطفال السرطان "57357". الحلال والحرام فى 57357 الأرقام تقول: إن مؤسسة ومستشفى 57357 والتي تتسول بإعلاناتها، فتستطيع أن تخرج كسرة الخبز من بين أسنانك.. تنفق 133 مليون جنيه على الإعلانات، والدفع يتم دون مناقشة يعنى بأعلى سعر. في نفس الوقت واللحظة تكون هناك أسرّة تُحجز لأطفال من خارج قائمة الانتظار، ويمكن لهم البقاء بالمستشفى داخليًا طوال مدة الفحص والتشخيص، والتي من الممكن أن تتم له دون أن تتطلب حالته التواجد داخليًا. لكن الحقيقة أن هذه المستشفى بها شلال متدفق لا ينقطع من الأموال.. فتزدحم بالتبرعات حسابات المستشفى بالبنوك، ويصل العائد من الودائع في العام 2018 طبقًا للموازنة التقديرية للمستشفى إلى 315 مليون جنيه. بينما الإيرادات، وهى التبرعات، ذكرت نفس الموازنة أنها تصل إلى 920 مليون جنيه، ليصل إجمالى الإيرادات إلى مليار و235 مليون جنيه، بمعنى أدق تقارب إلى موازنة دولة. كما كشفت كوارث وفساد "مستشفى 57357′′، عن أنه تمت عملية شراء 3 عقارات بمبالغ تصل إلى 50 مليون جنيه منذ عام 2016 ما بين أراضٍ ومبانٍ بهدف التوسعات المستقبلية لأصدقاء المبادرة القومية ضد السرطان ومؤسسة سرطان الأطفال 57357، علمًا بوجود مساحات من الأراضى لدى المستشفى غير مستغلة منذ 10 سنوات، ولم يتم إنجاز مشروع واحد جديد بها حتى الآن. "جنى" نموذج لفساد 57357 يذكر أنه فى 4 أغسطس من العام الماضى، لفظت الطفلة جنى جمال، أنفاسها بمعهد الأورام القومي، متأثرة بإصابتها بمرض السرطان؛ وذلك بعد رفض مستشفى 57357 استقبالها عدة مرات بدعوى عدم وجود مكان لها بالمستشفى. الأمر الذى دفع مدير المركز المصري لحماية الحق في الدواء، د.محمد فؤاد، لمهاجمة إدارة مؤسسة 57357، متهمًا إياها بالعنصرية في التعامل مع الحالات، مضيفًا: "أبو جنى كان لسه عنده أمل في كلام الإعلانات، وإن مستشفى 57357 بيعالج كل الناس وراح للمرة الخامسة، عشان يحاول يدخل ورفضوه". "صحة الانقلاب": مايصحش كده من جانبها، وفى محاولة فاشلة لإنهاء الحديث عن القضية، أعلنت الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة بحكومة الانقلاب، عن تشكيل لجنة وزارية لفحص مخالفات "مستشفى 57357″، برئاسة الدكتور أحمد عبد الرحمن شقير، أستاذ أمراض الكبد، رئيس مركز الكلى بالمنصورة سابقًا. وتضمن القرار الذي حمل رقم 352 لسنة 2018 في مادته الأولى، تشكيل لجنة برئاسة الدكتور أحمد عبد الرحمن شقير، أستاذ طب الأطفال بجامعة المنصورة. كما تضمن القرار اختصاصات اللجنة، والتي نصت في مادته الثانية على "تتولى اللجنة مراجعة الإجراءات الطبية التي قامت بها مستشفى 57357، بشأن ما جاء بالشكوى الواردة إلى الوزارة عن إجراء بعض الأبحاث والتجارب العلمية الطبية، للتأكد من أن الإجراءات كانت مقصورة على العلاج، ولم تتطرق إلى استخدام العلاج كوسيلة لإجراء التجارب والأبحاث على الأطفال.