جاءت زيارة كاترين آشتون الممثل الأعلى للسياسة الأمنية والخارجية بالاتحاد الأوروبى لتؤكد حيوية دور الرئيس مرسي كطرف أصيل قادر على التأثير في المسار السياسي فلا يمكن تجاهله من خلال الاخفاء القسري كما تخيلت بعض القوي الدولية والاقليمية طوال الشهر الماضي. ولا شك أن توقيت الزيارة وموافقة المجلس العسكري على اتمامها انما يعبر عن المأزق الذي تورط فيه قادة الانقلاب والقوي التى تسانده. ومن معالم هذا المأزق الذي استدعي تدخلاً دولياً أن الإرادة الشعبية التفت حول هدف عودة الرئيس وتجلت في اعتصامات ومسيرات مليونية لم يقهرها عنف البلطجية ولا الشرطة ولا الجيش. إن معادلة الصمود والتضحية أمام العنف والقسوة تولد قلقاً متنامياً داخلياً وخارجياً من العواقب التى لم تكن في الحسبان عند اتخاذ قرار الانقلاب، فمشاهد الضحايا والشهداء والدماء تشكل حرجاً كبيراً للحكومات الغربية أمام شعوبها وهي تتعامل مع نظام يتأسس على انقلاب عسكري بل وتمده بالمعونات والاعتراف الدبلوماسي. كما أن مخاطر انفجار الوضع في صورة صراعات مسلحة دموية داخل مصر ستنعكس آثاره عاجلاً أم آجلا على المصالح الامريكية والأوربية في مصر ويمكن أن يمتد نارها الى باقي دول المنطقة والعالم. ومن جهة أخري تعمقت الأزمة الاقتصادية في مصر بعد الانقلاب بسبب توقف صناعة السياحة وانهيار الاستثمار الأجنبي وتزايد الديون الخارجية إلى نحو 40 مليار دولار واضطرت الحكومة لاستدانة 6 مليارات جنيه لدفع مرتبات موظفي الحكومة. كما توقفت قطر عن تقديم مساعدات مالية كانت قد وعدت بتقديمها لحكومة الدكتور مرسي كما يمكن لتركيا أن تسحب ودائعها من البنك المركزي مما قد يؤدي إلى شلل اقتصادي كامل إن لم يتم حلحلة الوضع الأمني والسياسي في غضون الأسابيع القادمة. وقد أفرزت هذه التطورات السريعة البحث في حلول جديدة تقوم على المزج والتركيب بين ثلاثة مواقف أساسية تشكل سقف التفاوض للأطراف الأساسية في الأزمة وهي: المستوي الأول: سقف العسكر وهو إقرار الدكتور مرسي بالتنازل عن الرئاسة وشرعيته السياسية مقابل الخروج الآمن ووقف الاعتقالات العشوائية ووقف الملاحقة القضائية المتصاعدة ضد رموز الحراك الشعبي من الساسة والمفكرين. المستوي الثاني: سقف مباردة العوا وهو عودة الدكتور مرسي بلا صلاحيات وتفويض صلاحياته لرئيس وزراء يتم اختياره بالتوافق من أجل التمهيد لعقد انتخابات برلمانية. المستوي الثالث: سقف الدكتور مرسي وهو التمسك بالشرعية مع تغيير الحكومة وإجراء انتخابات برلمانية عاجلة. آشتون تطرح نفسها كوسيط بين الأطراف السابقة ولكن وساطتها في هذه المرحلة مدفوعة بالحسابات الأمريكية والأوربية التى تستهدف وقف الانحدار نحو مزيد من العنف وإراقة الدماء مع إمكانية دخول الولاياتالمتحدة كطرف رئيسي في مراحل لاحقة. إن هناك توافق بين ما تطرحه آشتون وبين قيادة الجيش من حيث التركيز على الوصول لتهدئة وفك الاعتصامات وإيقاف الحشود الشعبية كوسيلة للضغط السياسي من مؤيدي الرئيس خشية الانسياق إلى حرب أهلية أو تدهور اقتصادي متسارع. أما الرئيس والقوي المؤيدة له فلا يمكنها أن تتخلي عن ورقة قوتها الأساسية في مواجهة أطراف المعادلة الدولية والإقليمية وإن كانوا يرحبون بكل المبادرات التى يمكنها أن تقيد يد السلطة في العنف أو إيقاف القوة المفرطة تجاه المتظاهرين والمعتصمين إلى جانب الاطمئنان إلى عودة الرئيس في المشهد السياسي كطرف أصيل لا يمكن الاستغناء عنه. وفي ظل هذه الأهداف المتضاربة فإن البديل السياسي الممكن الذي قد يتطور مستقبلاً لمبادرة يطرحها الاتحاد الأوروبي وأمريكا لن يختلف كثيراً عن سقف مبادرة المسار الديموقراطي التى تعرف باسم مبادرة العوا.