انطلاقًا من أهمية دور مصر ومكانتها المطلوبة فى إفريقيا.. تأتى مشاركة الرئيس محمد مرسى فى القمة الاستثنائية الإفريقية التى انطلقت، اليوم السبت، فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، فمصر قادرة بحكم خبراتها وإمكانتها أن تسهم فى التوصل إلى حلول للمشكلات التى تواجهها القارة الإفريقية، وكذا تقديم خبراتها الفنية وبهذه الرؤية تؤسس مصر لمسار جديد يضعها فى قلب القارة الإفريقية كقوة للتنمية لا تستهدف سوى مساعدة الأشقاء الأفارقة. وقد كان هذا هو هدفها دائما فمصر من المؤسسين لمنظمة الوحدة الأفريقية عام 1963، واستضافت أول قمة افريقية عام 1964، كما ساهمت مساهمة فعالة فى تأسيس هيكل الاتحاد الإفريقى فى قمة لومى 2002 . ويرى المراقبون أن قمة الاتحاد الإفريقى قمة هامة لأن كافة الرؤساء الأفارقة سوف يتحدثون عن نظرتهم المستقبلية للقارة الأفريقية وقضاياها.. والواقع أن الوحدة والنهضة الأفريقية "شعار القمة" هى الفكرة والهدف الرئيسى التى تصبو إليه القارة الإفريقية منذ استقلالها فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى وكافح من أجله مناضلون أفارقة ويحاول الآن أن يحيه ويستكمله الزعماء الأفارقة، فالتوجه نحو الوحدة والنهضة الأفريقية أحد الأهداف الهامة التى ستساعد القارة على استغلال أمثل وأفضل الموارد الطبيعية التى تزخر بها أرضها وتتحقق من خلالها التنمية الكفيلة بإنقاذ القارة من مشكلاتها. وكانت الدول الأفريقية أعضاء الاتحاد الإفريقى اتفقت فى القمة التاسعة للاتحاد الإفريقى التى عقدت فى أكرا عام 2007 على أن التكامل الاقتصادى أولا ثم تأتى الوحدة والنهضة فى نهاية المطاف. وفى رأى المحللين السياسيين أنه كان هناك تباين دائم حول فكرة الوحدة والنهضة، فمؤيدو الوحدة الأفريقية يعولون على ما تملكه القارة من إمكانات اقتصادية وسياسية وثقافية مشتركة كالمعابر التجارية والموانئ البحرية المهمة على المحيطين الهندى والأطلسى. بالإضافة إلى وجود ثروات تعدينية ومواد خام بأنواعها المختلفة من نفط، كوبالت، نحاس، ذهب وغير ذلك من الثروات، فضلا عن وجود أسواق ناشئة ونظم حكم متقاربة من حيث درجة التطور السياسى والاقتصادى إلى جانب تشابه المشكلات التى تواجهها القارة الأفريقية خاصة الفقر والديون واللاجئين . أما من وجهة نظر الرافضين فيروا أن هذه الإمكانات والقواسم المشتركة قد لاتعنى الكثير فهناك عوائق كثيرة تقف أمام الوحدة الأفريقية فالقارة الأفريقية منذ الاستقلال أصبحت مضطربة بدرجة لا يمكن معها تحقيق أى اندماج على ضوء سجل القارة الحافل بأنظمة ديكتاتورية واضهاد سياسى . هذا التباين الدائم حول فكرة الوحدة الأفريقية هو الذى دفع بالدول الأفريقية إلى القبول دائما بفكرة الحد الأدنى من التعاون سواء أكان متمثلا فى منظمة الوحدة الأفريقية أو الاتحاد الأفريقى عام 2002 أو فى المنظمات الإقليمية مثل السادك الكوميسا/الإيجاد/الإيكواس/الساحل والصحراء/وغيرها. وإذا كان التكامل الاقتصادى يمثل خطوة نحو الاندماج تمهيدا للوحدة فإن الاستقرار السياسى والأمن شرط أساسى لتحقيق التنمية الاقتصادية فمن المعروف أن القارة الأفريقية من أكثر المناطق فى العالم التى تشهد صراعات مسلحة ، فالحروب الأهلية التى تشهدها لها أثار مباشرة وغير مباشرة فى عجز القارة وشعوبها عن التقدم والتطور مما يؤدى إلى تقويض جهود التنمية بالإضافة إلى تأثير تلك الحروب أيضا على ثقة المستثمرين الأجانب ومشكلة اللاجئين وتهريب الأسلحة .. ومثال ذلك الاضطرابات السياسية فى منطقة شمال أفريقيا منذ عام 2011 والتى أدت إلى ضعف النمو الاقتصادى مما سيكون عبئا على الانتعاش الاقتصادى فى القارة ككل . كما تزداد الأوضاع فى إفريقيا اضطرابا بعد تطورات أزمة مالى وتوجيه الجيش الفرنسى ضربات عسكرية ضد المتمردين الإسلاميين فى شمال مالى ، وستظل أزمة مالى ما لم يتم استيعاب خلفيات الصراع وأسبابه وتداعياته الخطيرة على الدولة والمجتمع وعلى السلم والأمن الدوليين، كما تواجه إفريقيا أيضًا الإسلام المتطرف المرتبط ارتباطا وثيقا بانتشار ظاهرة الإرهاب فى إفريقيا. وقد تزامنت الأنشطة الإرهابية مع التغيرات التى تشهدها أفريقيا والتدخل العسكرى للقوى الغربية مرة أخرى بعد إطاحة حلف شمال الأطلسى بنظام العقيد معمر القذافى وتدخل فرنسا فى الحرب الأهلية فى ساحل العاج ، وإنشاء الولاياتالمتحدة قواعد عسكرية فى أفريقيا والمشاركة المباشرة لمكافحة التطرف والإرهاب.. وأن توسيع الوجود العسكرى للدول الكبرى فى أفريقيا وراء الانتشار السريع والنمو القوى للنشاط الإرهابى فى إفريقيا. ومن التحديات التى تشهدها إفريقيا أيضا عودة ظاهرة الانقلابات العسكرية مرة أخرى مثل مالى وأفريقيا الوسطى، وتغييرات غير دستورية فى الحكومات الأفريقية بالإضافة إلى محاولات بعض النخب الحاكمة الاستئثار بالسلطة من خلال إجراءات مشكوك فى نزاهتها كما حدث فى كل من النيجر وغينيا الاستوائية بالرغم من موقف الاتحاد الأفريقى الرافض لأى تغييرات غير دستورية فى الحكومات الأفريقية فالإجراءات العقابية المقررة لم تكن كافية لردع هذه العمليات الانقلابية غير الدستورية فى الحكومات الأفريقية التى تشهدها أفريقيا . ولقد باتت تلك التحديات والصعوبات التى تواجهها القارة لتحقيق السلام والأمن فيها تلقى بظلالها على أفاق الوحدة والنهضة الأفريقية ، وقد أشارت رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقى د.انكو سازانا دلامينى زوما إلى أن السلام والأمن شرط أساسى لتنمية القارة الأفريقية وأن القارة الأفريقية بحاجة إلى بذل الجهود لتحقيق السلام والأمن .. وإذا لم يتحقق السلام والأمن لن تستطيع أية دولة تحقيق التنمية والرخاء لشعوبها. وقد دعت مفوضية الاتحاد الإفريقي لمواجهة هذه التحديات إلى تضافر الجهود لتعزيز التكامل والاندماج الاقتصادي في القارة، فإفريقيا قارة الأمل والفرص وقد حققت نموا اقتصاديا خلال العقد الماضى والذى يعد أفضل عقد لها خلال السنوات الخمسين الماضية بلغ فى المتوسط 5%، وتصاعد النمو فى رأى المراقبين مؤشر جيد على أن القارة تسير بشكل جيد إلى الأمام ، فدول القارة تمتلك موارد كبيرة ويتعين عليها أن تحقق أفضل استفادة من خلال التعاون وتوافر الإرادة السياسية، وأن مصلحة الشعوب تقتضى التعجيل بالتكامل. وأن التكامل الاقتصادى الإقليمى فى إفريقيا يمكن أن يكون عاملا جوهريا فى تحقيق الاستقرار السياسى والاجتماعى فى مختلف الدول حيث يوفر إطارا لتسوية الصراعات المكلفة وحلها والتخلص من مصادر التوتر التى تزعزع مستقبل البلاد . وقد مرت مسيرة التكامل الإقليمى بالعديد من المراحل والأشكال من حيث الأهداف والمجالات واتخذت هذه التجارب التكاملية شكل التجمعات الإقليمية التى كان إنشاؤها مسايرا للمعطيات الإقليمية والدولية ، وكل هذه التجمعات تعد خطوات تمهيدية للوحدة بين الدول الإفريقية.