اللعب والانطلاق، الحلوى والشيكولاتة والشيبسى، كلها ترتبط بسن الطفولة المبكرة وبراءته، ولا يقدر قلب أن يحرم طفلا من قطعة حلوى، أو من مشاركة أقرانه فى اللعب واللهو والانطلاق.. ولكن حين يصاب هذا الصغير بمرض السكر تصبح كل أمارات البراءة والطفولة هذه هى نفسها الخطر الذى يهدد صحته، ويبدو الأهل فى أعين الصغير أعداء حين يحرمونه مما يحب ويهوى. الحلوى القاتلة يقول أيمن -والد طفل مريض سكر-: "ورث ابنى المرض منى وكلما أصابته النوبة شعرت بأننى سبب فيها، ويصعب علينا كأسرة تحجيم حاجته للحلويات أو تحديد لعبه التى يبذل فيها مجهودا، فما زال طفلا ولا يفقه غير اللعب والانطلاق". هذا الحرمان يرفع درجات الاستعداد داخل المنزل لأقصى درجة ممكن تحسبا لأى خطر يهدد الطفل المريض، تقول مها -أم لطفلة مريضة سكر-: "بالتأكيد أظل على وضع الاستعداد طوال العام وعلى مدار 24 ساعة، ومهما كنت حريصة على ألا تتناول ابنتى الحلويات إلا أن رغبتها كطفلة فى تناول الحلوى كباقى أصدقائها تغلبها، ولكننا جميعا نحصد نتائج رغباتها تلك، فيتم حجزها بالمستشفى ربما لأيام حتى يتم إعادة توازن السكر بجسمها من جديد، وأقسى ما يؤلمنى هو إلزامها بحقن الأنسولين صباحا ومساء وتنظيم وجباتها ومراعاة توازنها عن باقى إخوتها". بينما ترى أم عبد الله: "أصعب ما عانيته مع طفلى هى كيفية إيصال فكرة المرض له، وكيف أن مرضه يحتم عليه حقنه بحقن الأنسولين على مواعيد منتظمة، وكيف عليه أن لا يخجل من مرضه أمام أصدقائه، فقد كان صعبا على وعليه أن أوصل إليه تلك المعلومات بطريقة بسيطة يستطيع استيعابها". الرياضة المقننة توضح لنا د. خديجة أبو الفتوح -ماجستير طب أطفال- وكانت رسالتها للماجستير فى "بروتين 10 المستحدث بالإنترفيرون فى الأطفال والمراهقين المصابين بمرض السكر" أن الأطفال يصابون بمرض السكر من النوع الأول، وهو من أكثر الأمراض المزمنة شيوعا بين الأطفال، ويعد من الأمراض المناعية التى يصاب بها الجسم؛ حيث ينتج المرض نتيجة تدمير ذاتى لخلايا البنكرياس التى تفرز هرمون الأنسولين المسئول عن تدوير البروتينات والدهون والسكريات الموجودة فى الغذاء لخلايا الجسم، ومن أهم أسباب الإصابة به التلوث البيئى وتناول الأغذية غير الصحية مثل الوجبات الجاهزة وعدم تناول الفاكهة أو الخضراوات الطازجة، وهناك أسباب وراثية، ولكنها أقل من مرض السكر من النوع الثانى الذى يصاب به الكبار". وينمو الطفل المصاب بمرض السكر بشكل طبيعى جدا جسديا وعقليا؛ لكن تظل مشكلة إصابته بالمرض مرافقة له طوال عمره؛ مما يضطره إلى التكيف معها حتى إنه يستطيع ممارسة رياضة تحت استشارة الطبيب المعالج فى كيفية التعامل مع المجهود وأخذ الاحتياطات اللازمة، وذلك بعكس ما هو متعارف من ضرورة الحد من المجهود البدنى للطفل المصاب بمرض السكر؛ فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الطفل الرياضى المصاب بالسكر تزداد نسبة استيعابه الدراسى، ويظل إنجازه الذهنى جيدا، وذلك نظرا لارتفاع الروح المعنوية لديه. وتؤكد د. خديجة: "تعد السن 5-7 سنوات هى أعلى سن ممكنة يظهر بها المرض، وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن فصل الربيع يعتبر من أكثر فصول العام ظهورا للمرض بها". الأعراض والعلاج وتشير د. خديجة إلى أنه "تظهر عدة أمور على الطفل تلاحظها الأم مثل: جفاف بالحلق والجلد وإحساس شديد بالعطش، إحساس بالجوع بشكل مستمر مع نقصان ملحوظ فى الوزن، تبول بكثرة، مع تبول لا إرادى فى أثناء النوم بشكل غير المعتاد عليه، وعدم التئام الجروح بسرعة وتلوثها حتى مع العناية بها وظهور بثور أو دمامل فى أماكن مختلفة بالجسم فى نفس الوقت. وتوضح أن هذه الأعراض تظهر من أسبوعين إلى 3 أسابيع قبل الإصابة الفعلية للمرض، ويجب على الأم فى حال ظهور هذه الأعراض الإسراع إلى طبيب متخصص لعمل التحاليل اللازمة، ويمكن اكتشاف المرض أحيانا عندما يرتفع معدل السكر بالدم بشكل مفاجئ، ويدخل الطفل فى غيبوبة مع ملاحظة انبعاث رائحة تشبه رائحة الأسيتون من الفم بسبب اضطراب فى غازات الدم ويكون فى هذه الحالة الإسراع بالطفل إلى أقرب مستشفى كحالة حرجة ليقوم الأطباء بعمل اللازم، ويبدأ فى كلتا الحالتين مشوار المتابعة مع طبيب متخصص فى مرض السكر لدى الأطفال". دور الأسرة ولأسرة مصاب السكر وعلى الأخص الأم دور فعال فى تقبل الصغير لإصابته والتعايش معها، فمساعدتهم له على تناول وجبات صحية تشعره بأن هناك من يدعمه ويسانده وغير متضرر من إصابته، كذلك أسلوب النهى والزجر لمنع الصغير من تناول الحلوى لا بد أن يكون لطيفا ومقنعا، وأخيرا منع السخرية والاستهزاء بالمريض حتى لا يشعر بأنه منبوذ أو مختلف عن باقى إخوته. وتقدم الطبيبة إلى أسرة طفل السكر عدة نصائح للتعامل معه: - لا بد من المتابعة من طبيب مختص والالتزام بإرشاداته حرفيا. - تسجيل قراءات السكر فى كراسة بشكل دورى. - يجب أن تنتبه الأم إلى نقص السكر فى الدم دون المعدل الطبيعى؛ حيث يتم إعطاء الطفل عصيرا أو تناول أقراص السكر المتوفرة إذا كان معدل الانخفاض متوسطا، أما إذا كان معدل الانخفاض شديدا فيتم الإسراع بالطفل إلى أقرب مستشفى. - أن يتوفر للأسرة وعى كامل بمعدلات الارتفاع والانخفاض للسكر والإسعافات اللازمة لها. - ضبط جرعة الأنسولين كما هى مقررة من قبل الطبيب حتى لا تحدث مضاعفات بزيادة أو نقص الجرعة. - تنظيم الوجبات والالتزام بمواعيد الوجبات الأساسية أو الإضافية المحددة من قبل الطبيب المختص. - مراعاة حاجة الطفل النفسية بأن لا يشعر بالحرمان دون أخوته. - مراعاة تناول الأغذية الغنية بالفيتامينات والأملاح المعدنية، وهى متوفرة فى الخضار والفاكهة واللحوم بأنواعها. - الانتباه إلى الجروح أو الإصابات الجلدية وتطهيرها والتعامل معها بمنتهى الجدية حتى لا تحدث مضاعفات. - وباعتبار مرض السكر مزمنا فلا بد من متابعة بعض الأعراض الجانبية للمرض كل ثلاثة أشهر مثل الكشف على شبكية العين، الكلى، الضغط، الجهاز العصبى. - يمكن للأم وصغيرها المصاب بالسكر الاشتراك فى أندية السكر أو جمعيات أصدقاء السكر كالمتوفرة فى مراكز علاج السكر بمعهد السكر أو المستشفيات الجامعية؛ حيث تتوافر بتلك الأندية مجموعات دعم نفسى، دورات تدريبية، وحملات توعية تشمل الأطفال وذويهم وكذلك رحلات اجتماعية.
