أسعار المانجو في سوق العبور اليوم الثلاثاء 17-9-2024    سعر الدولار مقابل الجنيه اليوم الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 في بداية تعاملات    أسعار الدولار اليوم الثلاثاء 17 سبتمبر 2024    حديد عز يسجل انخفاضًا ب829 جنيهًا.. سعر الحديد والأسمنت الثلاثاء 17 سبتمبر 2024    الاتحاد الأوروبي يعلن إجلاء ناقلة نفط أحرقها الحوثيون في البحر الأحمر    موقف أحمد فتوح النهائي من المشاركة في السوبر الإفريقي والعودة إلى تدريبات الزمالك    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 17 سبتمبر والقنوات الناقلة.. ليفربول ضد ميلان    «الأرصاد»: طقس الثلاثاء حار على أغلب الأنحاء..والعظمى بالقاهرة 33 درجة    حالة الطرق اليوم، كثافات متحركة بشارعي رمسيس وشبرا مصر ومحور 26 يوليو    اليوم.. الجنايات تستكمل محاكمة متهمي "تنظيم الجبهة"    وكيل صحة قنا يوجه بحصر نواقص الأدوية للبدء في توفيرها    حرائق مدمرة في بيرو.. مصرع 15 شخصا واندلاع النيران بجميع أنحاء البلاد    اختفاء مروحية على متنها 3 أشخاص في منطقة أمور الروسية    توقعات أرباح ستيل دايناميكس للربع الثالث أقل من تقديرات المحللين    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. اليوم 17 سبتمبر    تفاصيل انطلاق اختبارات «كابيتانو مصر» لاكتشاف المواهب الشابة بمحافظة قنا    نائب محافظ سوهاج: مستعدون لتنفيذ مبادرة «بداية» لتحسين جودة حياة المواطنين    اليوم.. انطلاق أكبر ملتقى للتوظيف بمحافظة المنيا لتوفير 5000 فرصة عمل    يديعوت أحرونوت: خطط حكومة نتنياهو في شمال غزة تورط إسرائيل    تامر حبيب يهنئ منى زكي باختيار فيلمها «رحلة 404» لتمثيل مصر في الأوسكار    أكرم حسني يحتفل بعيد ميلاد ابنته بطريقة كوميدية (صورة)    الأردن تُعلن استلام جثمان منفذ هجوم جسر الملك حسين    فيديو.. استشاري تغذية يحذر من الطبخ في «حلل الألومنيوم».. ويوضح طريقة استخدام «الإيرفراير» للوقاية من السرطان    نوستالجيا.. 20 عاما على أول ألبوم منفرد ل تامر حسني "حب" لمناقشة مواقف حياتية ب حالات الحب    ب أغاني سينجل ..محمد كيلاني يكشف عن خطته الغنائية المقبلة    أهالي قنا يحتفلون بالمولد النبوي بمسجد سيدى عبد الرحيم القنائي    ضبط مسجل خطر لسرقته الهواتف المحمولة بالمرج    بتكلفة 300 ألف دولار، تفاصيل الزواج الأسطوري لرجل أعمال سوداني بالقاهرة (فيديو)    مختار جمعة يرد على فتوى اسرقوهم يرحمكم الله: هدم للدين والوطن ودعوة للإفساد    استثمارات سعودية بمليارات الدولارات في مصر.. تفاصيل    حزب الله يستهدف تحركات لجنود إسرائيليين في محيط موقع العباد    هل يجوز الحلف على المصحف كذبا للصلح بين زوجين؟ أمين الفتوى يجيب    محافظ البحيرة تشهد فعاليات مبادرة «YLY»    مناقشة رواية «أصدقائي» للأديب هشام مطر في مهرجان «فيستيفاليتريتورا» الإيطالي    أحمد فتوح.. من الإحالة للجنايات حتى إخلاء السبيل| تايم لاين    استخدام جديد للبوتكس: علاج آلام الرقبة المرتبطة بالهواتف المحمولة    طبيب أعصاب روسي يحذر من آثار تناول القهوة    محمد عبدالله: مباريات القمة مولد النجوم الجدد.. وهذه رسالتي لجوميز    تعرف على أقل سعر لرحلات العمرة هذا العام    خاص.. غزل المحلة ينجح في ضم "بن شرقي" خلال الميركاتو الحالي    محافظ المنيا يشهد احتفالية الليلة المحمدية بمناسبة المولد النبوي    كرة نسائية - رغم إعلان الأهلي التعاقد معها.. سالي منصور تنضم ل الشعلة السعودي    إصابة شخصين إثر تصادم دراجة نارية وسيارة فى بنى سويف    تكريم 100 طالب والرواد الراحلين في حفظ القرآن الكريم بالأقصر    عضو الرابطة: الأهلي طلب تأجيل استلام درع الدوري.. واجتماع الأندية سيحسم شكل الدوري    محسن صالح: كنت أتجسس على تدريبات المنافسين لهذا السبب    استبعاد مدير مدرسة اعتدى على مسئول عهدة في بورسعيد    احتجاج آلاف الإسرائيليين بعد تقارير إقالة "جالانت" من وزارة الدفاع    الشوفان بالحليب مزيجا صحيا في وجبة الإفطار    نشأت الديهي: سرقة الكهرباء فساد في الأرض وجريمة مخلة بالشرف    تعرف على إحصائيات التنسيق الفرعي لمرحلة الدبلومات الفنية بمكتب جامعة قناة السويس    دار الإفتاء: قراءة القرآن مصحوبة بالآلات الموسيقية والتغني به محرم شرعًا    د. حامد بدر يكتب: في يوم مولده.. اشتقنا يا رسول الله    ضبط المتهمين بسرقة مبلغ مالى من تاجر في الهرم    المنافسة بالمزاد على لوحة "م ه م - 4" ترفع سعرها ل 13 مليون جنيه فى 6 ساعات    قطر: الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني مثال صارخ لتردي وغياب سيادة القانون    وزير الثقافة يفتتح "صالون القاهرة" في دورته ال 60 بقصر الفنون.. صور    إبراهيم عيسى: 70 يوم من عمل الحكومة دون تغيير واضح في السياسات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رئيس معهد الفكر الإسلامى: الإسلام يواكب حركة العصرويعالج تشوهات الثورات

الإسلام يواكب حركة العصر.. والتجديد لا يعنى خلق دين جديد
- الوقوف أمام الطامعين مرهون بثقافة جيدة ومؤسسات قائمة وبناء حضارى مستمر
- الآخر يسعى لتقسيمنا على أساس عرقى وطائفى ومذهبى
أكد الدكتور عبد الحميد أبو سليمان -رئيس المعهد العالمى للفكر الإسلامى- أهمية الدور الدعوى خلال الفترة القادمة فى تكوين قاعدة شعبية قوية متحررة من التشوهات الفكرية نبنى عليها نظمنا السياسية والاقتصادية بعد ثورات الربيع العربى التى جاءت عقب عقود من الاستبداد.
وقال أبو سليمان فى حوار مع "الحرية والعدالة": إن الإسلام دائما مواكب لحركة العصر، وإن التجديد لا يعنى أننا نخلق دينا جديدا، مؤكدا أن الغرب ينظر للمشروع الإسلامى من منطق الندية وليس التبعية التى كانت فى ظل الأنظمة العلمانية.
وأردف يقول: نحن فى دول العالم الإسلامى لدينا فى الممارسات انتخابات ومؤسسات وحريات لكن هذا كله يبقى من الناحية الشكلية فقط؛ فالأهم أن تكون لدينا قواعد شعبية تعرف حقوقها وواجباتها. وهذا أيضا من ميزات الغرب وأسباب تقدمه؛ بحيث لم يقتصر على الأمور الشكلية فى بناء المؤسسات لكن كانت لديه دائما روافد جماهيرية تعى وتفهم.
وشدد على أننا لا نستطيع أن نقف أمام الغرب الطامع فينا إلا حين تكون ثقافتنا جيدة، ومؤسساتنا قائمة، وبناؤنا الحضارى فى تطور مستمر من صناعة وزراعة وتجارة.
إلى نص الحوار..
• عادة ما يُتهم الفكر بأنه نخبوى فوقى لا يملك سوى وضع النظريات والقواعد العامة الكلية، فى حين أن المجتمع يحتاج إلى الآليات التطبيقية بشكل أكبر، فكيف يمكن سد الهوة بين الفكر والواقع؟
لا يوجد تعارض أبدا، بل لابد من وجود الاثنين فى وقت واحد؛ فالتنظير هو رؤية وأفكار توجه عادة إلى النخب، وهو أمر لابد منه؛ فإذا اتضحت الرؤية والدور يأتى لاحقا دور التطبيق، لكن الخلل يكمن فى وجود التطبيق بلا رؤية أو الرؤية التى ليس لها تطبيق. فالتنظير الذى لا ينتهى إلى حركة لا يعد إلا من سبيل الخطب والكلمات الرنانة المنبرية.
• ولكن ما الآليات التى من شأنها سد تلك الفجوة التى يظنها البعض؛ بحيث نعمل على إيجاد علاقة دائمة تبادلية بين الفكر والحركة؟
فى التغيير الاجتماعى الذى نحن بصدده تكون الجامعات هى المؤسسة المعنية بالتطبيق، بمعنى أنها تعكس الرؤى الموجودة فى المجتمع فى برامج علمية ومناهج دراسية تساعد فى تربية وتخريج كوادر، وهذه الكوادر هى التى سوف تؤثر على المجتمع كله لاحقا. فالميزة الرئيسية فى المجتمع الغربى، لم تكن فقط فى التطبيق؛ وإنما فى تحويل التطبيق إلى قضية مؤسساتية.
فعلماء المسلمين على مدار التاريخ قالوا أشياء عديدة لكن كثيرا منها أصبح تراثا، أما فى العالم الغربى فقد حول الأفكار إلى جامعات تعبر عن رؤيته هو وأهدافه، ومن ثم ظلت لديه حالة الاستمرارية على منهج واحد، ولم يفقد بوصلة الرؤية والتوجه اللذين نسميهما هنا التنظير، ولم يعد بحاجة إلى أن يقول من آن إلى آخر إنه يريد العودة إلى التراث؛ لأنه قد تحرك بهذا التراث فتراكمت لديه المنتجات فى كافة العلوم وبُنيت بعضها على بعض، مثل ذلك صناعة السيارات التى تطورت حتى وصلت لما هى عليه الآن. فالمؤسسات الجامعية تتابع الظروف الزمانية والمكانية، وترى كيف تحقق رؤيتها وفقا لتلك الظروف. فالمؤسسية تعمل على تحويل الفكر إلى استقرار واستمرار وتطوير.
وخلاصة ذلك أن المؤسسات فى الفكر الغربى مبنية على أساس نظرى فى الأساس؛ فالغرب الذى نراه الآن ما هو إلا نتاج عمل مجموعة من المفكرين والفلاسفة أمثال: "لوك"، و"فولتير"، ولكن تلك الأفكار تحولت إلى منهج، والمنهج أعطى استمرارية وتطويرا. فى حين أننا فى الواقع العربى لدينا الكثير من العلماء والمفكرين قد كتبوا أيضا ولكننا لم نلتفت إلى العمل بتلك الأفكار من خلال مؤسسات، ومن ثم توقفت عمليات التطوير التى نسميها فى الإسلام بالتجديد؛ فالتجديد لا يعنى أننا نخلق دينا جديدا؛ وإنما نعيد تنزيل مفاهيم القرآن الكريم على ظروف الزمان والمكان، ولذا فمشكلتنا أننا لم ندرك هذا المعنى وبقى القرآن كتابا نتبرك به. أما إذا التفتنا إلى إنشاء الجامعة الإسلامية لتحريك تلك المفاهيم والرؤى فسنجد حينها أن الإسلام أصبح دائما مواكبا لحركة العصر.
• هل ترى أن المؤسسات الوسيطة لابد أن تكون جامعات فقط، أم أن هناك أنواعا أخرى من مؤسسات نقل الفكر إلى الحركة كالمؤسسة الإعلامية مثلا؟
الجامعة هى الوسيط الذى ينقل التجريد إلى الواقع، وتعمل على تخريج الكوادر التى تقود المجتمع؛ ومن ثم نصنع الاستمرارية.
أما عن الإعلام كمؤسسة وسيطة لصناعة النهضة وتحويل الفكر إلى حركة، فهذا يتأتى إذا كان من نوع الإعلام الشعبى -وليس الخاص أو الحكومى- ولكن الإعلام الذى يقوم على حق الناس فى المعرفة الحقيقية وليس ما تريده فئة أو توجه معين، هذا بخلاف ضرورة أن يكون إعلاما لا يهدد الهوية الاجتماعية أو يمارس حرية بلا ضوابط بحيث يدعى لنفسه حرية الكذب والتلفيق والإهانة فهذا من غير المقبول على الإطلاق حتى فى أكثر البلاد حرية وديمقراطية فى العالم.
• من وجهة نظرك.. هل كل ما كان يحول بين الشعوب العربية والإسلامية وتحقيق نهضتها هى الأنظمة السياسية الفاسدة، أم أن هناك عوائق أخرى ما زلنا نعانى منها؟
ما مر بالعالم الإسلامى عبر تاريخه الطويل يثبت أن أهم شىء فى الدولة هو القاعدة السياسية التى ترتكز عليها الدولة والنظام، فعلى أساس تلك القاعدة تتحدد هوية الحكم؛ فنحن فى دول العالم الإسلامى لدينا فى الممارسات انتخابات ومؤسسات وحريات لكن هذا كله يبقى من الناحية الشكلية فقط؛ فالأهم أن تكون لدينا قواعد شعبية تعرف حقوقها وواجباتها. وهذا أيضا من ميزات الغرب وأسباب تقدمه؛ بحيث لم يقتصر على الأمور الشكلية فى بناء المؤسسات لكن كانت لديه دائما روافد جماهيرية تعى وتفهم.
وفى هذا السياق لابد من التفرقة بين الرؤية الغربية لكيفية ممارسة تلك الروافد الجماهيرية لحقوقها من خلال ما سماه الغرب "الديمقراطية" فهى بالنسبة لهم لا تعنى أكثر من قوة الأفراد ورؤيتهم الذاتية لما هو حق وصواب، حتى وإن كان فى ذلك مخالفة للعدل واتباع للمصالح الخاصة أو للآراء والتعصبات الحزبية، أما فى الإسلام فالقاعدة الشعبية قاعدة تقوم على "الشورى" وهى قيمة قرآنية تعبر عن فطرة سليمة؛ بحيث توجب على الفرد أن يفعل ما يعتقد أنه من الإسلام وأنه عدل، وإذا لم يفعل فهو محاسب مؤاخذ.
• فى إطار الربط بين الفكر والحركة.. كيف يمكن للحركات الإسلامية بعد أن دخلت المعترك السياسى أن تظل على حالها من المثالية والنقاء وأيضا النجاح، فى ممارساتها السياسية مثلما كانت فى الممارسة الدعوية؟
من وجهة نظرى وفى إطار ما نحياه من ظروف، أرى أنه من الأهمية أن نفصل العمل الدعوى عن العمل السياسى؛ فالدعوى يخاطِب بما هو حق وصواب وفقا لمنهج ورؤية الإسلام، ويربى الناس على تلك المفاهيم، أما العمل السياسى فيتم فيه تأطير ووضع الأفكار فى برامج وآليات تنفيذية، والناس عادة تختلف فى رؤيتها للبرامج السياسية؛ هذا مع عدم إغفال أن كل برنامج سياسى لابد أنه يعكس قيما ومرجعيات معينة. والناس عادة تفهم ما يعكسه كل برنامج.
• ولكن ألا يعنى هذا الفصل خروجا ما عن شمولية الإسلام وكونه حاكما لكل نواحى الحياة؟
نتحدث عن حالة فصل مرنة، كل ما تفعله أنها تعطى للسياسى مجالا فسيحا لأن يخطئ ويصيب حين التطبيق، ومن ثم لا يصح أن يتحدث باسم المقدس حين يعبر عن رؤيته الذاتية هو فى التطبيق والتنفيذ، فعلى سبيل المثال -وطبقا لظروف الواقع- على الداعية أن يتحدث ويؤكد أن الخمر حرام، وأنها منبوذة فى الإسلام، فى حين أن السياسى –نظرا لأنه لا يستطيع منعها بشكل مفاجئ سريع- لكن له أن يضع قوانين وقواعد مثل منع بيع الخمور لأقل من 16 سنة، أو منع تناولها فى الطرق العامة وهكذا، وأيضا فى مجال العلاقة مع الكيان الصهيونى فبالتأكيد هناك العديد من الإشكاليات التى تحتاج إلى إعادة نظر، لكن هل هذا هو الوقت المناسب عند السياسى الذى لابد أن ينظر إلى اعتبار المآلات وبعض الشر أهون من بعضه الآخر، وترتيب أولويات الإصلاح؛ فى حين أن الخطاب لدى الداعية له فيه الحق أن يتحدث عن حقيقة هذا العداء كما شاء.
ومن ثم تتوزع الأدوار والمهام بين الدعوى والسياسى، هذا مع التأكيد أن العمل الدعوى لو مارس دوره بنجاح فلن يجد السياسى من يشرب الخمر حتى يضطر لمعاقبته. فالبناء الدعوى أمر مهم لإعادة بناء القاعدة السياسية التى تعود هى من بعد وتتقبل كل ممارسات الحكم والسياسة ذات المرجعية الإسلامية. وهذا هو منهج النبى -صلى الله عليه وسلم- حين لبث ثلاث عشرة سنة فى مكة يربى ويدعو، وذلك حتى اكتمل بناؤه للبشر؛ فعقب ذلك وفى عشر سنوات تالية فقط، نجد هؤلاء البشر قد غيروا وجه العالم بأسره.
• بحكم كونك أستاذا فى العلاقات الدولية، كيف ترى خريطة موازين القوى فى العالم بعد ثورات الربيع العربى.. فهل تعيد القوى الدولية النظر لنا بشكل مختلف؟
ما زال الآخر ينظر إلينا على أنا شاة أمام ذئب، ولا نستطيع أن نقف أمام هذا الغرب الطامع فينا إلا حين تكون ثقافتنا جيدة، ومؤسساتنا قائمة، وبناؤنا الحضارى فى تطور مستمر من صناعة وزراعة وتجارة.
ومن ناحية أخرى، فما يجعل الغرب يعيد النظر إلينا بعد ثورات الربيع العربى هو ما قد نصبح عليه من سمات قوة، فإذا كنت قويا فلابد أن يتعامل الآخر معك وفقا لموازين مصالح الطرفين.
• ولكن هل وجود الإسلاميين فى الحكم وليس القوى الليبرالية مثلا، يجعل الآخر ينظر لنا من منطلق الندية وليس التبعية؟
بالتأكيد ينظر الغرب للمشروع الإسلامى من منطق الندية، فلو تصورنا أن ذئبا أمام شاة فإنه حتما سيطمع فى افتراسها، لكن إذا كان ما أمامه ذئبا آخر فلن يطمع فى ذلك مطلقا، بل قد يسعى للتعاون معه، وإذا كان ما أمامه نمرا وليس مجرد ذئب فإنه حينها سيخشى ويسعى للهرب منه.
• بالعودة إلى حديث الفكر والحركة، هل ترى أنه ما زالت لدينا بؤر معرفية مغمى عليها فى الفكر الإسلامى وتحتاج إلى مزيد من الدراسة والتعمق لإفادتنا فى المرحلة الراهنة؟
فى الحقيقة إن مشكلتنا تكمن فى أن الكثير من الفكر لدينا مشوه، والغرب يستغل ذلك جيدا ويسعى إلى تقسيمنا على أساس عرقى وطائفى ومذهبى، مثلما حدث فى الصومال والسودان والعراق، ولذا لابد أن نكون أكثر وعيا من أن نقع فى هذا الفخ ليحققوا هم أهدافهم.
وهذا يعود بنا إلى التأكيد على العبء الدعوى فى الفترة القادمة؛ سعيا إلى تكوين قاعدة شعبية قوية متحررة من التشوهات الفكرية نبنى عليها نظمنا خاصة السياسية والاقتصادية.
عبد الحميد أبو سليمان فى سطور
رئيس المعهد العالمى للفكر الإسلامى، وهو واحد من المفكرين الإسلاميين المعاصرين المهتمين بربط عالم التنظير بعالم الحركة.
- من إسهاماته تأسيس عدد من الجمعيات الإسلامية؛ كان أولها جمعية الطلبة المسلمين، ثم جمعية العلماء المسلمين، بالولايات المتحدة وكندا، كما أسس المجلة الأمريكية للعلوم الاجتماعية الإسلامية، وكان أول رئيس للندوة العالمية للشباب الإسلامى، وهو أيضا مؤسس الجامعة الإسلامية بماليزيا ومديرها فى الفترة من 1988 - 1986م.
- للدكتور عبد الحميد عدد من الكتب والأبحاث والأوراق العلمية والفكرية التى تهتم بالتغيير من منظور إسلامى. من بينها: "النظرية الإسلامية للعلاقات الدولية: اتجاهات جديدة للفكر والمنهجية الإسلامية" (1973م)، و"أزمة العقل المسلم" (1986)م، "الإصلاح الإسلامى.. الثابت والمتغير، تجربة الجامعة الإسلامية 2004م"، "إشكالية الاستبداد والفساد فى الفكر والتاريخ الإسلامى 2007م"، و"الرؤية الكونية الحضارية القرآنية 2009 م".
========================================================================================
دلالات جديدة لمفاهيم إسلامية:
العدل
"العدل" مصطلح وقيمة ومفهوم اتفقت عليه الأمة الإسلامية منذ القدم، بل أقرته كافة الدول والمؤسسات، وفى اللغة: "العدل خلاف الجور، وهو القصد فى الأمور، وما قام فى النفوس أنه مستقيم"، وفى المعنى الاصطلاحى قيل إن العدل هو: "استعمال الأمور فى مواضعها، وأوقاتها، ووجوهها، ومقاديرها، من غير سرف، ولا تقصير، ولا تقديم، ولا تأخير".
وفى إطار المقارنة بين العدل فى الرؤية الإسلامية وبين غيره من الرؤى، يذكر د. عبد الحليم عويس -أستاذ التاريخ والفكر الإسلامى- فى كتابه "الوحى والعقل والعدل فى ميزان الإسلام" أن تجربة العصور الوسطى تبين لنا كيف أن الغرب قد ركز على العدل الاقتصادى والاجتماعى، فأخطأ الطريق؛ لأنه تصور أن الفرد هو الذى يظلم المجتمع فسحق الفرد تحت مظلة الشيوعية، وتصور مرة أخرى -من خلال تجاربه النسبية- أن المجتمع هو الذى يظلم الفرد فسحق المجتمع والأخلاق تحت مظلة الرأسمالية، بيد أن الإسلام قد وازن بين جميع القوى الفاعلة فى الحياة وأعطى كل ذى حق حقه".
من جانبه، يذكر د. وصفى أبو زيد -رئيس مركز بناء للبحوث والدراسات، والمتخصص فى أصول الفقه، وعلم المقاصد الشرعية- أن العدل يعد من مقاصد الشريعة الإسلامية، وهو فى الرتبة أعلى من المقاصد الكلية الخمسة الضرورية المعروفة، لأنه بناء على العدل تتحقق بقية المقاصد، فهو مفهوم تأسيسى ومقصد عالٍ، مثله مثل الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية وهى كلها تسمى المقاصد العالية أو المفاهيم التأسيسية. وهى بمنزلة التربة الخصبة لنمو بقية مقاصد الشريعة. فلا يتحقق حفظ الدين والنفس أو المال أو العقل أو النسل إلا بالعدل.
ويضيف: إن الله سبحانه وتعالى ما أرسل الأنبياء والرسل إلا ليقوم الناس بالعدل، فهذه المقاصد العالية اتفقت عليها كل الرسالات وكل الأمم، وأُسست عليها كافة الأحكام. ولذا كان أى شىء يهدد هذه المقاصد العالية محرما شرعا ومجرما قانونا. ومن هنا لزم تغيير كل أمر ما من شأنه أن يعادى العدل أو يهدده أو يضعفه. وحول ما إذا كان من الممكن تحقيقا للعدل إجراء بعض الأمور الاستثنائية أو غير المعتادة.
ويرى د. وصفى أن هذا الأمر لا يصح فيه إطلاق حكم عام، ولكن ينظر لكل حالة على حدة، بحيث يراعى فى ذلك فقه الواقع وفقه المآلات، والموازنة بين المصالح والمفاسد. ولذا فقد تُقبل تلك الإجراءات الاستثنائية بناء على تلك القراءة الصحيحة للواقع.
من جانبه، أشار د. فتحى أبو الورد -مدير مكتب الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين بالقاهرة- إلى ضرورة إعداد رسالة علمية حول العدل كمقصد للشريعة الإسلامية، لدراسة كيفية تحقيق هذا المقصد فى الفقه الجنائى الإسلامى واجتهادات الفقهاء فى ذلك.
وحول عجز الوسائل أو المؤسسات عن تحقيق المقصد خاصة فيما نلحظه هذه الأيام من عجز مؤسسة القضاء وبعض التشريعات عن تحقيق العدل بأثر ملموس بين الناس، يقول د.فتحى: إن العلماء من قديم قرروا بأن الوسائل تأخذ حكم المقاصد، وعلى هذا الأساس قد يتم النظر إلى قانون السلطة القضائية مثلا واحتياجه إلى بعض التعديلات لنبتغى به مقصد العدل؛ خاصة ما كان منه متعلقا بإبعاد بعض أهل الفساد فى مؤسسة القضاء ممن ثبت جورهم وخروجهم عن نبل غاية المؤسسة التى ينتسبون إليها.
ومن صور العدل الأخرى فى الحياة يضيف د. فتحى: يأتى فى ذلك العدل داخل الأسرة بين الزوجات وبين الأبناء فى العطية والهبة، والعدل فى الشهادة وفى كتابة الوثائق وإقرار الديون، ومن صور العدل فى المحاكم عدم تمييز الغنى عن الفقير ولا الوزير عن الغفير، ولا حتى التمييز بالنظرة، فلا ينظر القاضى لأحد المتخاصمين أكثر من الآخر، ولا يُقعد هذا ويوقف ذاك. وإنما يكون الجميع أمامه سواء، وهذا من قوله تعالى: "وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ".
ويضيف: إن الإسلام يعلمنا أن إقرار العدل يحتاج إلى القوة، فالله تعالى يقول فى سورة الحديد: "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِى عَزِيزٌ". فالقرآن الكريم يذكر الحديد كمظهر من مظاهر القوة فى معرض الحديث عن إقرار الحياة العادلة بين الناس.
*************************************************
إصلاح القلوب
ما يزال الناس يجمعون على أن الشغل الشاغل لأهل الإيمان والإسلام، إنما هو إصلاح قلوبهم أولا؛ ففى القلب يتوطن الإيمان، ومنه تبدأ النية وبها يصلح العمل.
ولأن حال صلاح القلوب هذا ليس من الأمور اليسيرة خاصة فى غمار مخالطة الدنيا والسعى فيها؛ فإذا يسر إصلاح قلب العابد المتبتل المنقطع عن كل أسباب الفتن والكدر، بقى العابد المجاهد المغامر فى الدنيا هو صاحب النصيب الأكبر من المكابدة ومن ثم الأجر، لأن الإنسان إنما خلق ليعمر الأرض ومن ثم يصبر على أذاها، أما انعزاله عنها ومن ثم ترقية قلبه كما يريد فليس هذا بالحال السوى.
وهذا ما نفهمه من وصف النبى -صلى الله عليه وسلم- لمن يعمل وينفق على أخيه المتفرغ للعبادة بأن قال: "أخوه أعبد منه" واصفا بذلك العامل المغامر فى الحياة، وليس المنقطع للعبادة.
ومع ذلك فلا يخفى أنه لابد أن يبقى من أثر الدنيا فى قلب المؤمن ما يحمله على أن يعيد النظر فى قلبه من آن لآخر مرات ومرات، ليعالج أثر ما استوطن فى قلبه فيغسله بالإيمان أولا بأول، فمهما جُمعت الدنيا لإنسان فسيبقى بقلبه تلك الوحشة وذلك الظمأ اللذان لا يصلحهما إلا الإقبال على الله وبذل النفس بين يديه فى الآهات والعبرات.
وفى ذلك يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "إن فى القلب شعثا لا يلمه إلا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلا الإنس به فى خلوته، وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه، وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه طلب شديد لا يقف دون أن يكون هو وحده مطلوبه، وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته ودوام ذكره والإخلاص له، ولو أعطى الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبدا".
ويقول الحسن البصرى -رحمه الله-: "ليس الإيمان بالتمنى ولا بالتحلى، ولكن ما وقر فى القلب وصدقه العمل".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.