منذ عدة أشهر، تقدمت لخطبة شابة طموحة، عملية، مهذبة ومن أصل طيب، وحتى هذه اللحظة التى أكتب فيها إليكم أجدها نموذجا وعملة نادرة ليس لكل ما سبق وذكرته فقط، وإنما لأنها خلوقة ومتفهمة وأجد معها راحتى فعلا. لكن المشكلة أننا فى أثناء حديثنا عن خططنا المستقبلية فوجئت أنها لا ترغب فى الإنجاب فى أول سنتين زواج وتؤيد تأجيله حتى تتعمق علاقتنا ببعض، ولأنها تخشى الطلاق المبكر لو حدث -لا قدر الله- فإنها ستظلم أطفالها معنا وكذلك ترغب فى الانتهاء من الماجستير حتى لا يشغلها أو يعطلها الأبناء، تعجبت من تفكيرها الذى أقدره، وتعجبت أكثر هل النجاح والتفوق يطغيان على غريزة الأمومة؟ هل أكمل معها الخطبة وأوافقها رأيها أم أضطر إلى فسخ الخطبة؟ تجيب عن هذه الاستشارة، رغداء بندق -المستشارة الاجتماعية- فتقول: الأخ الكريم، لقد أجبت عن سؤالك بآخر كلمتين فى خطابك "أضطر إلى فسخ الخطبة؟" وهذا إن دل على شىء فيدل على أن خطيبتك تملكت عقلك وقلبك وإلا ما أجبرت على كتابة "اضطررت" وكأنك مكره عليها! فى الحقيقة أحيى فيكما الصراحة وهى من أولى خطوات نجاح الزواج، وإن كانت يا أخى الفاضل قد صارحتك خطيبتك برغبتها فى تأجيل الإنجاب فما الضرر فى ذلك؟ هى مجرد رغبة لديها وشكوك لديك، فأكملا ما بدأتما بهدوء وصراحة وابحثا عن حل وسط يرضيكما كأن تقترح عليها الإنجاب بعد عام واحد فقط، أو بعد حصولها على شهادة الماجستير وهذا حقها أيضا كما هو حقك أن تكون أبا. فإن قبلتَ بعرضها فلا ضير، وإن قبلت هى بطلبك فلا بأس أيضا ما دام لم يُطغِ أحدكما على حق الآخر، ولاحظ يا أخى أنها لم ترفض الإنجاب نهائيا ولكنها أجلته لحين انتهائها من أولوياتها، وكما ذكرت أنت فى بداية خطابك أنها إنسانة طموحة وعملية وأنك تجدها نموذجا طيبا فلا بأس إذن من تقبل طلبها (ولاحظ أن البعض يصعب عليه التوفيق بين غايتين خاصة لو كانت فى مقتبل نجاح عملى فإن نجاحها يتطلب منها الحفاظ على نفس مستواها حتى تستقر وأن الإنجاب قد يعطلها عامين على الأقل). وأما عن طموحك أنت كأب فله أولوياته عندك أيضا، فإن وجدت بنفسك غصة ترفض طلبها فلا بأس بمصارحتها بمخاوفك وقلقك (وهذا الغرض الرئيسى من الخطبة وهو ترك مساحة للتفاهم والحوار) وإن وجدت بنفسك مساحة من الرضا والتقبل فذلك خير، خاصة أن الكمال لله وحده. أما بخصوص شكوكها فى احتمالية الطلاق، فأراها مخاوف طبيعية للمقبلين على الزواج قد ترسبت لديها من تجارب عاشتها مع غيرها أو سمعت عنها، لكن تأكد أن تلك المخاوف ستبدد نهائيا بحسن معاملتك لها وبالنقاش الهادئ ستطمئن إليك. وبخصوص استفسارك عن طغيان النجاح على غريزة الأمومة، فالإجابة واحدة "طبعا لا"؛ بدليل أن هناك سيدات ناجحات جدا وحرمن من نعمة الأمومة ويبحثن ويخاطرن ويجربن كل السبل الطبية ليشعرن فقط بمتاعب الحمل والولادة وليسمعن كلمة "ماما" من صغارهن. وختاما لحديثى أخى الكريم، ابحث مع خطيبتك عن حلول ترضيكما ولا تضركما وقليل من التفاوض والتنازل والتعاون بينكما ينجح العلاقة وينبئ بزيجة ناجحة إن شاء الله، وتذكر أن القرار بيديكما وأنكما من تصنعان السعادة لنفسيكما.. وفقكما الله لما يحب ويرضى.