إن علاقة مصر بالدولة الإيرانية ليست وليدة اليوم، بل يرجع تاريخ العلاقات المصرية الإيرانية فى العصر الحديث إلى القرن التاسع عشر، عندما سمحت الدولة العثمانية لإيران بافتتاح مقار لسفاراتها فى البلاد التابعة لها ومن بينها مصر، وعلى إثر ذلك أرسلت إيران عام 1848 موفدا لها لرعاية المصالح التجارية الإيرانية فى مصر، ثم قامت بإرسال أول سفرائها إلى القاهرة فى عام 1869 وكان يدعى الحاج محمد صادق خان، وقد أعقب ذلك توقيع اتفاقات صداقة بين البلدين فى العام 1928. ومرت العلاقات المصرية الإيرانية بفترات مد وجذر، ووصلت العلاقة بين البلدين إلى العداء، إثر قيام ثورة يوليو 1952، ودعم مصر لرئيس الوزراء محمد مصدق ضد نظام الشاه، وتبنى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فكرة القومية العربية والمد الثورى. ومع وصول الرئيس أنور السادات للحُكم فى مصر، شهدت العلاقات مع إيران تحولاً جذرياً، ارتبط بطبيعة علاقة الصداقة التى جمعت بين السادات والشاه فى ذلك الوقت، التى يمكن وصفها بالحميمية فمثلت عاملا مهما أعطى دفعة قوية للعلاقات بين البلدين إلى أعلى المستويات. واستمرت علاقة التعاون والصداقة بين البلدين على خير ما يرام حتى عام 1979، الذى شهد قيام الثورة الإسلامية وانتصارها فى إيران، بقيادة الإمام الخمينى، وآنذاك قامت إيران بقطع علاقتها بمصر على خلفية استقبال السادات لشاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي، وردا على توقيع مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل. واستمرت القطيعة بين البلدين طيلة فترة حكم المخلوع، وشهدت كثيرا من التوترات وبعض دعوات للتقارب خاصة من الجانب الإيراني، ولكنها لم تر النور، حتى قامت الثورة المصرية وأعلن وزير الخارجية المصرى نبيل العربى فى مارس 2011 أن القاهرة تفتح صفحة جديدة مع جميع الدول بما فيها إيران. ومع تزايد التقارب المصرى الإيرانى فى هذه الآونة، ازدادت الدعوات الرافضة لأى نوع من التقارب مع إيران، والمطالبة بالاستمرار فى قطع العلاقات بين البلدين، وبخاصة من التيار السلفي، إلى جانب معظم فصائل المعارضة وعلى رأسها جبهة الإفلاس، وحجتهم فى ذلك أن إيران تسعى إلى تحقيق المد الشيعى فى مصر، وإلى مد نفوذها فى الأراضى المصرية. مع تأكيد السلفيين وعلى رأسهم الشيخ محمد حسان، أن أهل السنة فى عداء دائم وتاريخى مع المذهب الشيعي، ولا مكان لهم فى مصر، ولا تعامل لنا معهم، ولا تعامل لهم معنا، نحن أهل السنة فى مصر. وإنى فى الحقيقة أعجب أشد العجب من هذا الموقف الرافض لإيران، إلى هذا الحد السافر، وغير العقلانى، والبعيد كل البعد عن الفكر السياسى الناضج، ولهؤلاء أقول: _ لماذا لم يحدث المد الشيعى فى مصر طيلة فترات التصالح الممتدة عبر الأزمان البعيدة مع إيران، بل وصلت العلاقات مع إيران إلى حد المصاهرة، بزواج الأميرة فوزية، شقيقة الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان، من نجل شاه إيران محمد رضا بهلوى عام 1939؟ _ ولو احتكمنا لنظرية المد كما يدعون، هل المد الشيعى هو أشد خطرا على مصر، من المد الصهيونى، والمسيحى، واليهودى، واللادينى والعلمانى؟ _ أليست إيران دولة إسلامية، تؤمن بسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام نبيا ورسولا، وبالقرآن الكريم، وبالله الواحد الأحد، وحده لا شريك له؟ _ أليس الإيرانيون أناسا مسلمين، يحجون بيت الله الحرام، ويؤدون أركان الإسلام الخمسة؟ _ أليست إيران الآن هى أكبر دولة إسلامية، وتمتلك أقوى الجيوش بكل المقاييس العسكرية فى الشرق الأوسط، أفمن الذكاء والحس السياسى والأمنى، أن تقاطع مصر أقوى الدول فى المحيط الإقليمى؟ _ منذ متى والفكر الدينى، والدين عموما، يحكم العلاقات السياسية بين الدول؟ وإذا كان الأمر كذلك، لماذا لم تطالبوا بإغلاق سفارات كل الدول غير الإسلامية فى مصر وقطع العلاقات معها، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة، والكيان الصهيوني؟ أليس هذا تناقضا ملفتا للنظر فى تقدير المواقف لدى هؤلاء المعارضين فى العلاقات الدولية؟ _ هل إيران الدولة الإسلامية، والموحدة بالله هى الأشد خطرا على مصر، من بين كل دول العالم التى تتمتع جميعا بلا إستثناء بعلاقات دبلوماسية كاملة مع مصر. ومن بينها دول الكفر البين، وغيرها من الدول الشيوعية، وتلك التى تدين بالمسيحية، واليهودية، بما فيها الكيان الصهيوني، العدو التاريخى لمصر وكل العرب والمسلمين! _ تحتجون بأن الشيعة يسبون الخلفاء الراشدين، وبخاصة سيدنا أبوبكر الصديق وسيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنهما، ومع الرفض التام لهذا الموقف للشيعة، لكن أهذا الموقف هو أشد جرما وإثما وخطرا، من قوم بل أقوام عديدة تتعامل معهم مصر بالتمثيل الدبلوماسى الكامل، وهم يتطاولون على الذات الإلهية، ويسبون سيد الخلق سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسيئون إليه ليل نهار، وفى السر والعلن، وبالقول، وبالرسم، وبالسينما، وبتصنيع الأحذية المكتوب عليها لفظ الجلالة؟ أى قوم من هؤلاء أشد جرما وخطرا على مصر وعلى الدين الإسلامى؟ ألا تعقلون؟! _ أحسبتم أن المخلوع ونظامه البائد، كان يقاطع إيران طيلة ثلاثين عاما، غيرة على صحابة النبى صلى الله عليه وسلم، وحرصا منه على صحيح الإسلام فى مصر؟ الكل يعرف جيدا أن مقاطعة المخلوع لإيران، ما جاءت إلا إرضاء وخنوعا لأوامر الأمريكان والصهاينة، على حساب المصالح المصرية والأمن القومى المصرى. _ ألم تفكروا، هل من الطبيعى أن تكون مصر الإسلامية والولاياتالمتحدة والكيان الصهيونى هم الدول الثلاث فقط فى العالم التى تعادى إيران الإسلامية؟ _ ألم تتساءلوا، لماذا كل دول الخليج العربى ومن بينها المملكة العربية السعودية بلد الحرمين الشريفين، رغم اختلافاتها وصراعاتها السياسية الواضحة إلى جانب الاختلافات المذهبية مع إيران، تحرص على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إيران؟ فكم أعجب لأمركم، فكنت أحسبكم تشعرون أن مصر قامت بها ثورة شعبية عظيمة، ودخلت عصرا جديدا بالانفتاح على كل دول العالم، يحكمها فى ذلك الصالح المصرى الخالص، وامتلاك الإرادة المستقلة، دون تبعية سياسية أو ثقافية أو عسكرية لأى من دول العالم، وأن مصر الثورة يجب أن تنبع مواقفها فقط من مصالحها الخاصة ومن أمنها القومى، دون حساب لأحد أو خوف من أحد. بل أنى لا أبالغ إذ أقول: أن تحالفا مصريا إيرانيا كاملا فى هذه المرحلة، لهو أبلغ رد على أعداء الثورة المصرية فى الخارج، تالله لو حدث ذلك التحالف، لارتعدت إسرائيل وكفت يدها عن مصر، ولهرولت الدويلات العربية "التى أنُهكت أصابعها" إلى مصر وقائدها الدكتور محمد مرسى، تقبل الأقدام قبل الأيادى. اتقوا الله فى أنفسكم، واتقوا الله فى مصر قائدا وشعبا.