أثار الاعتذار الذى تقدمت به دولة الاحتلال الإسرائيلى إلى تركيا على الجريمة التى ارتكبتها ضدّ سفينة "مرمرة"، جدلا كبيرا فى الأوساط السياسية والإعلامية العربية والأجنبية، ففى الوقت الذى يرى فيه البعض أن هذا الاعتذار يعد صفعة على وجه الدبلوماسية الإسرائيلية، رآه آخرون أنه جاء بضغط أمريكى بعد زيارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما لتل أبيب مؤخرا، بينما تساءل البعض الآخر عن كون الاعتذار بداية لعودة العلاقات بين إسرائيل وتركيا إلى سالف عهدها. الاعتذار.. التعويضات.. فك الحصار.. هذه شروط ثلاثة اشترطتها أنقرة من أجل قبول عودة العلاقات بين البلدين، وبدأت إسرائيل بتنفيذ أولها بعد رفض استمر ثلاث سنوات لتقديم الاعتذار عن الجريمة التى ارتكبتها البحرية الإسرائيلية ضدّ سفينة مرمرة التركية التى كانت جزءا من أسطول الحرية لكسر الحصار عن قطاع غزة التى سقط فيها 9 قتلى من الجانب التركى. وطوال هذه الفترة والعلاقات شبه مجمدة بين أنقرة وتل أبيب، بعدما قامت تركيا بطرد السفير الإسرائيلى من أنقرة وجمدت العلاقات بين البلدين، وأعلن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان أن بلاده لن تعيد تلك العلاقات إلا إذا استجابت إسرائيل لثلاثة شروط هى: الاعتذار عن الجريمة وتعويض الضحايا ورفع حصار غزة، الذى بدأته إسرائيل بالاعتذار. زيارة مرتقبة وفى أول تعليق له على الاعتذار، قال أردوغان: إن بلاده ستراقب تصرفات إسرائيل على الطبيعة؛ لكى ترى كيف سيكون موقفها من حصار غزة، وذكرت بعض التقارير الإخبارية أن هناك اتصالات فى الوقت الراهن بدأت لترتيب زيارة لرئيس الوزراء التركى لقطاع غزة خلال الأيام القليلة المقبلة للتعرف على الموقف بنفسه. تعويضات وبالنسبة للشرط الثانى، وهو دفع تعويضات عن الحادثة من قبل الحكومة الإسرائيلية إلى السلطات التركية، أفادت مصادر دبلوماسية تركية، أنه لم يتحدد بعد موعد قدوم وفد إسرائيلى إلى تركيا، لإجراء مباحثات حول مسألة التعويضات، وأضافت تلك المصادر أن ثمة اتصالات تجرى حاليا بين بعض الأطراف من البلدين، لتحديد تاريخ اللقاء المرتقب، مؤكدين أن أنقرة ستكون مكان الانعقاد. وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" فى عددها الصادر الأربعاء الماضى، أن خلافات جديدة نشبت بين الطرفين، إذ يطالب الأتراك بدفع مبلغ مليون دولار لكل عائلة تركية من عائلات الضحايا، بينما وافقت إسرائيل على دفع 100 ألف دولار فقط لكل عائلة، بمبلغ إجمالى يصل إلى مليون دولار لجميع العائلات. موقف خاطئ وذكرت بعض المصادر أن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو قرر تقديم الاعتذار إلى تركيا دون العودة إلى حلفائه فى الحكومة، أو على الأقل انتظار موافقتهم بأغلبية، وهو ما جعل وزير الخارجية السابق ورئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيجدور ليبرمان، ينتقد هذا الاعتذار بشدة، واصفا إياه بالموقف الخطأ، وأنه سيؤثر سلبا على جنود "الكوماندوز" الذين هاجموا السفينة وقتلوا بعض أفرادها. من جانبهم، يرى مراقبون أن هذا الاعتذار الذى تأخر طويلا لن يكون السبب الوحيد فى عودة العلاقات بين الطرفين إلى سابق عهدها -إبان حكم المؤسسة العسكرية والنظام العلمانى- وهو ما أكده مسئولون أتراك عندما رأوا صعوبة عودة العلاقات إلى سابق عهدها، بسبب الحاجز النفسى لدى الأتراك، الذى خلفته حادثة مرمرة واجتياح قطاع غزة فى 2008، فى حين يرى آخرون أن الاعتذار سيخفف من حالة الاحتقان بين البلدين وربما جاء بسبب موقف تركيا من الأزمة السورية، ووجود المصلحة الاقتصادية المتبادلة، بالإضافة إلى زيارة أوباما التى لا يستبعد أن تكون أسهمت فى إقناع نتنياهو بتقديم الاعتذار.