سيبقى المقطم رمزا لحركة الإخوان المسلمين وإن تظاهر حوله ليلا ونهارا المئات والألوف ممن يرون فيه مركزا للسلطة ومصدرا للقوة، إلا أننا نرى فيه مركزا للدعوة التى وقفت عصيّة على الفناء فى وجه الطغاة الذين لا يزال أتباعهم يحنون إلى ماضيهم المصبوغ بدماء الشهداء من الإخوان على مر العقود الماضية. المقطم ليس بديلا عن الاتحادية، لم يكن، ولن يكون، ولكن البعض يريد أن يلبس الباطل ثوب الحق، ويمنح الخطيئة نيشان الثواب، مظهرا حقده الدفين على الجماعة التى نجحت فيما فشل فيه هو وأتباعه وأنصاره المرة تلو الأخرى. من تظاهروا أمس الأول لم يأتوا لكى يعبروا عن آرائهم، ولكن ليظهروا لمموليهم قدرتهم على استفزاز الإخوان المسلمين، فإن استجابوا لاستفزازاتهم فقد نجحوا، وإن لم يستفزوا فقد أظهروا الإخوان بمظهر من يخشى المواجهة. نعلم علم اليقين من يخطط ومن يمول، وندرك -كما عبر عمرو حمزاوى فى مشاركته فى إحدى ندوات معهد كارنيجى وهى موجودة على اليوتيوب- أن حملة منظمة ومنسقة تقودها الأقلية من أجل تحريك الأمور وحتى تصبح الأقلية فاعلة ومؤثرة ومعها بعض القضاة الذين ساعدوهم فى إصدار قرارات مؤثرة مثل حل البرلمان. من يتظاهر اليوم يعتقد أنه بمنأى من الحساب والعقاب، ومن يسكت ويشجع ولا يظهر فى الكادر، ويحاول غسل يديه من الدماء التى سالت يعلم علم اليقين أن صوره المنشورة وأحاديثه الصحفية المنتشرة وتغريداته التى تحلق عبر الفضاء الافتراضى كلها أدلة إدانة، طال الزمن أم قصر. إذا كان الوقوف والتظاهر أمام المقطم هو تعبير عن الحرية؛ فإن الإخوان والتيارات الإسلامية قادرة على فعل الشىء نفسه أمام مقرات من ساند هذه الأفعال، ولكنهم مشغولون بما هو أهم من ذلك، وهو الاهتمام بشئون الناس وقضاء حاجاتهم، فقد صليت الجمعة فى أحد مساجد التجمع الخامس، ووجدت يافطة ومنشورات تدعو الناس للاستفادة من معرض السلع الغذائية ومن القافلة الطبية التى سينفذها الإخوان والحزب للبسطاء من سكان الأحياء الشعبية المجاورة للمناطق الفخمة فى التجمع. لم تمض أكثر من ساعة حتى انفض السوق وبيعت المواد الغذائية وخرج الناس من المعرض وهم يشكرون لهؤلاء الذى جلبوا لهم الغذاء واللحوم والأطباء والدواء حتى أبواب المساجد، هذا هو السبب الذى يغيظ هؤلاء المتظاهرين أمام مكتب الإرشاد بالمقطم. ستنفض المظاهرات، وسيتم جمع زجاجات المولوتوف والحجارة، وستعود الحياة إلى طبيعتها، ولن ينسى الشعب لهؤلاء إجرامهم، تماما كما أنه لن ينسى للإخوان جميل صنعهم.