بعد 10 سنوات من الاحتلال الأمريكى للعراق فى 19 مارس 2003، يقترب الشعب العراقى من اللحاق بقطار الربيع العربى الذى انطلق بالمنطقة أواخر عام 2010، على الرغم من أن العراق لا يزال يراهن مكانه من الفوضى التى جاء بها الاحتلال الذى فاقم الطائفية وترك البلاد فى موجات من العنف وعدم الاستقرار والسجالات التى لا تنتهى والأجندات الإقليمية والدولية التى تضرب بلاد الرافدين. وبعد مرور عقد من الزمن على الاحتلال الأمريكى للعراق يقدر تقرير منظمة "إيراك بادى كاونت" البريطانية عدد المدنيين الذين قتلوا فى الهجمات التى شهدها العراق خلال هذه الفترة بأنه يتراوح بين 112 ألفا و17 شخصا، و122 ألفا و43 شخصا، إضافة إلى نحو 135 ألف جريح، فى حين قد يصل إجمالى القتلى مع إضافة قتلى رجال المقاومة والعسكريين النظاميين إلى نحو 174 ألف شخص. القتل لم يتوقف وعن ذروة الصراع فى العراق، أشار التقرير إلى أن الصراع الطائفى كان أكثر دموية خلال الفترة بين 2006-2008، مضيفا أن العراق ما زال يشهد انفجارات يومية، بعد مرور 10 أعوام على الاحتلال، مبيّنا أن الحرب فى العراق لم تنته بعد، ومن الصعب توقع موعد نهايتها. ومع تفجيرات الخميس الماضى فى العاصمة العراقية بغداد والتى أسفرت عن مقتل 18 شخصا على الأقل، نشرت صحيفة "ديلى تلجراف" البريطانية موضوعا فى إطار تغطيتها للذكرى العاشرة لغزو العراق تحت عنوان "عشر سنوات مضت ولا يزال الموت يطارد بغداد". وقالت "ديلى تلجراف": إن سلسلة التفجيرات هذه ربما تكون الهجمات الأقرب والأجرأ فى استهدافها منشآت حكومية فى بغداد منذ الهجوم الذى أدى إلى تدمير مقر وزارة الخارجية العراقية عام 2009، مشيرة إلى أن الهجمات الأخيرة التى جاءت قبل خمسة أيام من الذكرى العاشرة لغزو العراق تعد تذكيرا بأن العنف لا يزال يمزق هذا البلد. وفى إحصائية بسيطة، ذكرت "تلجراف" أن نحو 500 شخص يقتلون شهريا جراء العنف فى العراق، على الرغم من انحصار موجة العنف التى كانت فى أوجهها عامى 2006 و2007، وكان هناك تفجيرات فى 2009 دمرت مبنى وزارة الخارجية العراقية. وأشارت الصحيفة إلى أنه فى الأسبوع الماضى وحده قتل 98 عراقيا فى 31 تفجيرا متفرقا؛ وقد ارتفع عدد الحوادث الشهرية بنسبة 15 فى المائة منذ انسحاب القوات الأمريكية فى ديسمبر 2011، مضيفة أنه على الرغم من امتلاء بغداد بقوات الأمن والوحدات الأمنية ذات الزى الأسود على نقاط تفتيش الطرق المهمة ومدعومة من قوات الجيش؛ وعلى الرغم من أن الوضع اختلف، حيث حل الجنود العراقيون محل الأمريكيين بنفس الملابس المموهة والخوذات والسلاح إلا أن القليل فقط قد تغير. الطائفية مستمرة وتستمر القلاقل مع وجود حكومة يقودها "نورى المالكى" الشيعى، الذى يبدو أنه يستهدف السنة بشكل واضح، وهو ما ظهر فى اتهامه لنائب الرئيس العراقى "طارق الهاشمى" برعايته لفرق اغتيال؛ وهو الأمر الذى نفاه الهاشمى تماما، مؤكدا أن ما يحدث اتهامات سياسية بامتياز، مما أدى لهربه خارج البلاد خشية على حياته. وعن التفجير الأخير الذى أصاب مبنى وزارة العدل، قالت "ديلى تلجراف" إنه يحمل كل بصمات تنظيم "القاعدة فى العراق"، الذى يهدف للإطاحة بالحكومة التى يقودها الشيعة. ووصفت الصحيفة المفجرين فى العراق بأنهم قد يكونوا "أمهر عملاء إرهابيين فى العالم" حيث إنهم يستطيعون تخطى النقاط الأمنية اليومية الكبيرة؛ بسبب خبرتهم الطويلة التى صقلت خلال السنوات العشر الماضية. وحدة العراق وعن وحدة العراق، يبدو أنها تتعرض لخطر كبير مع عدم اهتمام الحكومة المركزية فى العراق بالأكراد فى إقليم كردستان، وقد رصد ذلك (معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى) الصهيونى التوجه؛ والذى قال: إن هناك حالة متدنية وخطيرة لمسألة الوحدة العراقية فى مرحلة ما بعد صدام، فضلا عن المصالح الأمريكية الأخرى فى العراق. وأوضح المعهد أنه فى تجاهل تام للأكراد، لا تخصص الميزانية سوى 646 مليون دولار أمريكى فقط لاسترداد التكاليف لشركات النفط المتعاقدة مع "حكومة إقليم كردستان" - وهو الرقم الذى لا يغطى سوى نحو شهرين من قيمة النفط الخام الذى من المقرر أن تقوم أربيل بإمداده هذا العام. والمحصلة النهائية أنه من المرجح ألا يصل ما يقرب من 250 ألف برميل يوميا من النفط الخام الذى تصدره "حكومة إقليم كردستان" إلى الأسواق العالمية. ويضيف المعهد أن أى تهديد لخنق "حكومة إقليم كردستان" اقتصاديا قد يدفع تركيا إلى السماح بمرور كميات كبيرة من صادرات النفط التابعة ل"حكومة إقليم كردستان" عبر أراضيها وبشكل مستقل عن بغداد، ففى حال تزايد التوترات بدرجة كافية وشعور الأكراد باستمرار تدهور الحوافز المالية التى تشجعهم على أن يظلوا جزءا من العراق، فمن الممكن أن تنشأ حرب ساخنة فى الشمال بين القوات الاتحادية وقوات "حكومة إقليم كردستان"، وهو الأمر الذى ستكون له آثار سلبية واضحة على وحدة العراق. التعايش مع الرعب ووسط هذا الجو الملبد، يحاول العراقيون التعايش مع الوضع الراهن أو مقاومته، فقد وصفت صحيفة "جارديان" الربيطانية العراقيين بأنهم أصبحوا معتادين على حوادث التفجيرات؛ وأن العديد منهم يظلون فى حالة رزينة ورباطة جأش حينما تقع مثل تلك التفجيرات، وفقط يرددون الأذكار. ونقلت الصحيفة عن رجل عراقى قوله: "سفك الدماء الذى انتشر فى العراق عقب الغزو الأمريكى يعنى أن المشروع كله لا قيمة له... نحن لا نشيد بصدام أو نقول إنه كان رجلا جيدا؛ لم يكن جيدا. ولكنك إذا قمت بالتغيير إلى ما هو أسوأ، فليس لديك أى شىء".