القلوب السليمة قد تغنى عن كثير العمل وتدخل بأصحابها من أوسع أبواب الجنان، وما رياضة النفس بالطاعات والتقلب بين أنواعها إلا لتزكية الأنفس وإصلاح القلوب بحيث تخلو من جميع الأمراض فتسلم فى الدنيا وتنعم فى الآخرة . ومن سلامة القلب تمنى الخير والسعادة حين يصيب الله به أيا من عباده، ولننظر لحديث رسول الله "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، وتوقف معى أكرمك الله أمام قوله "يحب"، وكأنه ليس المطلوب أن نشارك بعضنا المناسبات الاجتماعية وحسب كما يظن البعض، فمجرد حضور الإنسان بجسده تلك المناسبات محمدة فى حد ذاته فى عرف من ينظر إلى الصور فقط لا الحقائق، ولكن الله ينظر إلى قلوبنا لا إلى صورنا وأجسادنا . ولمثل هذا المعنى يربينا ويطهر قلوبنا حبيبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين استن لنا فى كل صباح ومساء أن ننقى قلوبنا باستحضار معنى الكلمات فى هذا الدعاء "اللّهُمَّ ما أَمسى بى مِنْ نِعْمَةٍ أَو بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِك، فَمِنْكَ وَحْدَكَ لا شريكَ لَك، فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْر". انظر وتعلم.. تعلم أن تحمد المولى عز وجل وتشكره على نعم أنعم بها على غيرك من خلقه الذين تعرفهم والذين لا تعرفهم، من أصابك أذاهم ومن أحسنوا إليك . وأدنى من ذلك مرتبة من يحمده سبحانه ويشكره على النعم التى أنعم بها على من يعرفهم فقط، كل من يعرفهم من خلقه، كأهله وأصدقائه وجيرانه. والأدنى منه من يحمد الله ويشكره على النعم التى أنعم بها المولى على من أحسنوا إليه من أهله وأحبائه فقط. والأقل من ذلك منزلة من يحمد الله على ما أنعم به عليه هو فقط. ولا أظنك أكرمك الله ممن يتركون قلوبهم تنزلق من تلك المدارج لتهوى لدرك نسيان الحمد والشكر أو ما هو أدنى من ذلك من حسد للغير وتمنى حيازة ما لديه من نعم. تلك هى القلوب السليمة.. تفرح وتسعد بالخير يصيب خلق الله، وإن كانت لا تعرفهم.. تحب الخير يصيب الله به غيرها كما تحبه يتنزل عليها، سواءً بسواء.. وعندما تتمرس على ذلك ويكون سلوكا قلبيا لك، حينها تكون قد حققت مقتضى الإيمان بحبك لأخيك ما تحبه لنفسك.. وتكون من الفائزين الذين اختصهم الله من عباده بقوله "إلا من أتى الله بقلب سليم". فبأى قلب تحب أن تقبل على ربك؟!