تعانى مدينة القدس منذ احتلالها من عملية تطهير ممنهجة من قِبل الاحتلال؛ لطرد السكان العرب منها، فبعد أن احتل الكيان الصهيونى الجزء الغربى من مدينة القدس عام 1984 وهجَّر سكانها، أعاد احتلال الجزء الشرقى منها عام 1967، ليستكمل مشروع تهجير العرب من المدينة، التى أعلن أنها العاصمة الموحدة لدولة إسرائيل عندما سن فى يوليو عام 1980 قانونا فى الكنيست الإسرائيلى نصت المادة الأولى منه على "أن القدس الكاملة والموحدة هى عاصمة إسرائيل". لقد عمد الاحتلال منذ أن سيطر على مدينة القدس إلى العمل على التطهير العرقى للسكان الفلسطينيين، وإحلال المستوطنين مكانهم لتحقيق التهويد الكامل، وعزل من سيتبقى منهم باعتبارهم أقلية هامشية، فلقد لجأ إلى سن العديد من القوانين التى تقيّد الإقامة والعمل، وتسجيل المواليد بالنسبة للعرب، وتسهيل زيادة نسبة المستوطنين، وكان جدار الفصل العنصرى من أهم الحلقات التى تسهم فى تهويد القدس، حيث فصل الجدار مدينة القدس عن محيطها الفلسطينى فى الضفة الغربية، وطرد عشرات الآلاف من حدودها، وجعل الجدار أكثر من 100 ألف مقدسى خارج القدس، وتمكن الاحتلال من السيطرة على 86% من أراضى منطقة شرق القدس، كما دفع بأكثر من 180 ألف يهودى فى المنطقة نفسها بعد أن كان وجودهم فيها "صفرا" قبل احتلال القدس عام 1967. لم يتوقف الاحتلال عن عزل الفلسطينيين عن القدس منذ احتلالها، فهو لا يسمح لأى فلسطينى بالدخول إلى القدس والصلاة فى المسجد الأقصى، إلا من خلال تصريح مسبق وبقرارات حكومية من قِبل الاحتلال، ولقد أعد الاحتلال خطة سميت خطة القدس 2020 من خلال وضع خارطة هيكلية لمدينة القدس لعام 2020 بهدف تطوير المدينة وتقوية مركزها باعتبارها عاصمة الدولة العبرية، ومركزا للشعب اليهودى، جوهرها هو الصراع الديموجرافى من خلال تقليص الكثافة السكانية العربية داخل البلدة القديمة من خلال الأنشطة الاستيطانية، بالاستيلاء على البيوت باستخدام عناصر وقوانين تُسنّ من أجل ذلك، وكما تعتمد الخطة على فصل الأحياء والتجمعات العربية التى يقطنها 150 ألف نسمة، وتسليمها إلى السلطة الفلسطينية، بالمقابل تقوم إسرائيل بضم المستوطنات الإسرائيلية، التى تقع على حدود القدس من أجل خلق أغلبية يهودية مطلقة تزيد على 88%، والمشاريع والقرارات الإسرائيلية لا تتوقف، وكان آخرها بناء المنطقة المسماة بE1 التى تفصل جنوب الضفة الغربية عن شمالها. أمام هذه الهجمة على القدس ظل الموقف العربى والإسلامى الذى يعتبر أن القدس أرض عربية إسلامية غير قابلة للتنازل، ولطالما طالب العالم الإسلامى مرارا وتكرارا بتحرير قبلة المسلمين الأولى وحماية المقدسات الإسلامية، حيث إن مؤتمرات القمم الإسلامية كلها نصت على رفض الاحتلال والسيطرة الإسرائيلية على مقدسات المسلمين، وأكدت الأمة العربية بكاملها رفضها التام استمرار مسلسل البناء الاستيطانى فى مدينة القدس، إلا أن الموقف الرسمى العربى غالبا ما يكتفى بالشجب واستنكار الممارسات والاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات الإسلامية فى القدس دون القيام بإجراء فعّال لوقف تلك الاعتداءات، وفى أغلب الأحيان يكون الصمت هو السمة العامة للدول العربية فى ظل الاعتداءات المتكررة والبناء المتجدد على أرض القدس. إن ما يجرى فى القدس يحتِّم على الفلسطينيين والعرب والمسلمين المواجهة من أجل تحصين عروبة القدس، وهذا لا يأتى بالكلام، فالقدس تحتاج إلى أفعال وأموال، وتحتاج إلى إعادتها على الأجندة اليومية لتصبح الهم الأول ولا تبقى غائبة، فكم وسيلة إعلام تذكر القدس وهمومها؟ وكم خطوة اتخذت من أجل الحفاظ على عروبة القدس؟ وأين مناهج التعليم من ترسيخ القدس فى عقول طلابنا فلا تترك القدس وحدها؟ ما ذكرته فى المقال هو جزء يسير مما تعانيه القدس وأهلها من التهويد والبطش والحرمان من التعليم والغرامات المالية الكبيرة والباهظة، التى لا يقدر الفلسطينيون على دفعها، والمنع من البناء، والطرد، والاعتقال.