فجأة تنبه صناع مسرح الدولة والقائمون على أموره، أن هناك جزءا من مصر، يدعى الصعيد، أهمل على مدى عقود مضت وعانى التهميش والإقصاء وكأن مواطنيه أناس من الدرجة الثانية وليس لهم الحقوق والواجبات نفسها. وجاء اهتمام المسرحيين بالصعيد عن طريق إنتاج عدد من العروض تشترك جميعها فى مناقشتها لقضايا صعيدية من الأمور التى تؤرق أهل الجنوب سواء على مستوى العروض التى سيتم إنتاجها أو التى ما زالت فى دور العرض أو انتهى عرضها منذ الفترة القريبة الماضية. حيث يستعد مسرح الطليعة لإنتاج ثلاثة عروض مسرحية جديدة تشترك جميعها فى مناقشة قضايا الصعيد والتراث الشعبى لأهل الجنوب، فضلا عن مشاكلهم وعاداتهم وتقاليدهم، ليتم عرضها على خشبة المسرح على التوالى. هذا فى الوقت الذى انتهت فيه منذ أيام مسرحية "سلقط فى ملقط" من عرضها على الطليعة، وسط أنباء عن استعدادها للتجول فى بعض المحافظات، ويدور العرض حول رجل ظالم فى إحدى قرى الصعيد اسمه جساس تم قتله، وحينما بدأ المحقق فى استدعاء كل أهل بلده وجد أن الكل يحاول أن ينسب التهمة إلى نفسه، فهذا يقول أنا من قتلته، وتلك تقول لا أنا التى قتلته وكأن القتل هنا شرف. وبمرور الأحداث، يفجر هذا المحقق مفاجأة من العيار الثقيل؛ حيث قال أنتم كلكم كاذبون فأنا الذى قتلته بعدما وقف هذا الرجل فى طريق سعادتى وحال وجوده دون أن أحقق ذاتى من خلال سفرى إلى بعثتى بالخارج. وعن مغزى عنوان العرض المسرحى "سلقط فى ملقط"، قال إن العنوان له أصول شعبية؛ حيث تعود قصته إلى رجل عربى كان يملك كمية كبيرة من العسل، وحينما سافر أعطاه لصديقه حتى يعود من سفره، ولكن ابن صديقه هذا كان يشرب من العسل كل يوم دون معرفة والده. وحينما عاد الرجل ليسأل عن العسل وجده قد انتهى، فسأله ما سال العسل قط؟ قال له صديقه لا.. فسأل ما مال العسل قط؟ فقاله له لا، أى نفى حدوث الشىء، ومن هنا جاء معنى العرض المسرحى ليسأل أين هى الثورة؟! قام ببطولة العرض مجدى فكرى وهانى النابلسى وسميحة عبدالهادى، والنص من تأليف رأفت الدويرى، وإخراج إميل شوقى. فى حين تناولت مسرحية "ليل الجنوب"، فى نسق درامى روائى، القيود التى تتعرض لها المرأة فى صعيد مصر مهما اعتلت من مكانة، وفرض السطوة الذكورية عليها مهما أحرزت من نجاحات، ويبرز العرض تلك التقاليد الراسخة العتيدة فى صعيد مصر التى يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، ولم يؤثر فيها الزمن؛ حيث اعتمد القائمون على العمل على الراوى فى عرضهم عبر حكايات منفصلة ومتصلة فى آن، فهى منفصلة لأن كل حكاية مستقلة بذاتها، لها بدايتها ونهايتها، ومتصلة لأنها جميعا تشترك فى هم واحد، وهو سجن المرأة الجنوبية. والعرض المسرحى الذى كتبه شاذلى فرح، وأخرجه ناصر عبد المنعم عُرض على خشبة مسرح الغد. أما مسرحية "الأبرياء"، فقد جاء تناول قضية تهميش الصعيد بها عن طريق الخط الدرامى لأحد أبطالها الذى ينتمى لمحافظة سوهاج، ويعمل باليومية ويتحدث كثيرا عن عمل المهمشين فى أعمال لا تناسب آدميتهم.