سارعت حركة النهضة الإسلامية فى تونس -التى تقود الائتلاف الحاكم الآن- إلى إصدار سلسلة من البيانات تدين خلالها جريمة اغتيال شكرى بلعيد، المنسق العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين، معتبرة إياها جريمة نكراء تستهدف أمن البلاد واستقرارها، مطالبة جميع الأطراف وكل المناضلين وكل التونسيين إلى التضامن والوحدة والتزام اليقظة وتفويت الفرصة على كل من يريد ضرب السلم المدنى والتعايش السلمى بين التونسيين ودفع البلاد إلى العنف. ورغم هذه الإدانات والاستهجان للجريمة فقد خرجت أصوات –كالعادة- ليبرالية وعلمانية تتهم الحركة الإسلامية والإسلاميين بالتورط فى الجريمة، كون المجنى عليه علمانى الفكر، وتم استغلال الجريمة سياسيا فى محاولة لإسقاط الحكومة والنيل من شعبية حركة النهضة الإسلامية. وعلى غرار ما حدث فى مصر تجاه مقرات جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، قامت مجموعات من أنصار الجبهة الشعبية بحرق مقرات النهضة فى عدد من المدن، بينها صفاقس وسيدى بوزيد ومدن أخرى، متهمين إياها بالضلوع فى جريمة اغتيال بلعيد، ومطالبين بإسقاط النظام والحكومة؛ وهو ما رفضه بعض السياسيين، معتبرينه اتهاما لا سبب له واستغلالا سياسيا للحادثة. واضطرت قوات الشرطة للتعامل مع أحداث العنف والشغب التى أحدثها أنصار الجبهة الشعبية وبعض مؤيدى حزب الوطنيين الديمقراطيين، الذين قاموا خلالها بالاعتداء على رجال الشرطة وإلقاء الحجارة عليهم؛ مما تسبب فى مقتل شرطى بعد إصابته بحجارة فى الصدر –حسب ما أعلنت وزارة الداخلية التونسية- ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل دعا قياديون فى الجبهة الشعبية، بينهم زعيم حزب العمال (الشيوعى سابقا)، حمّة الهمامى إلى إضراب عام و"عصيان" مدنى، ردا على اغتيال بلعيد. لا للفتنة وفى أول رد فعل لها، حذرت مؤسسة الرئاسة التونسية، فى بيان لها، من "مخاطر الفتنة والفرقة التى تسعى بعض الأطراف إلى بثها بغية جر الشعب التونسى إلى دوامة العنف"، داعية إلى "تحكيم العقل وضبط النفس والتروى فى تحليل هذه الجريمة النكراء والجبانة"، وطالبت بالانتظار حتى تعلن نتائج التحقيقات لمعرفة الجانى الحقيقى باغتيال بلعيد، وضرورة الامتناع عن نسبة المسئولية عنها إلى جهة أو أخرى دون دليل. وناشد الرئيس التونسى المنصف المرزوقى الشعب التونسى إلى "التنبه إلى مخاطر الفتنة، وشدد على ضبط النفس، متعهدا بمحاربة أعداء الثورة والكشف قريبا عن الجناة". فى حين، قال راشد الغنوشى -رئيس حركة النهضة-: إن مغتالى بلعيد يريدون ضرب الاستقرار فى تونس، داعيا "القوى السياسية إلى أن تكون صفا واحدا ضد من يريد الزج بالبلاد فى عدم الاستقرار"، نافيا الاتهامات التى وجهت إلى حزبه فى عملية الاغتيال. ومن جانبه، توعد رئيس الحكومة التونسية، حمادى الجبالى، الجناة المتورطين فى عملية الاغتيال، لافتا إلى أن مقترف الجريمة تم التعرف أوليا على ملامحه، وهو رجل يلبس معطفا صوفًا تقليديا، داعيا القوى السياسية فى البلاد إلى التعقّل فى ردود أفعالها على الحادثة حتى لا تدخل البلاد فى الفوضى. وحذرت قوى سياسية تونسية من مخطط لدفع البلاد إلى الفوضى ووقف مسار الانتقال الديمقراطى، مطالبة جهات التحقيق بالمسارعة فى كشف الجناة، ومطالبة المؤيدين والمتظاهرين بالتمهل حتى تعرف الحقيقة. حكومة كفاءات وردا على هذه الجريمة، دعا حمادى الجبالى -وهو الأمين العام لحركة النهضة- إلى تشكيل حكومة كفاءات وطنية مصغرة لا تنتمى إلى أى حزب، ولا يترشح أى من أعضائها، بمن فيهم الجبالى نفسه، للانتخابات المقبلة، وتكون مهمة هذه الحكومة تسيير أمور البلاد حتى إجراء انتخابات فى أسرع وقت؛ بهدف إخراج تونس من المرحلة الانتقالية فى أسرع وقت، مطالبا بوقف الاعتصامات والإضرابات لأشهر قليلة "من أجل تونس". من جانبها، رفضت حركة النهضة اقتراح رئيس الحكومة بتشكيل حكومة كفاءات وطنية، وأعلنت تمسكها بالائتلاف الذى يقود تونس منذ أكثر من عام، وأصدر المكتب التنفيذى للحركة بيانا أوضح فيه أسباب الرفض، التى لخصها فى ثلاث أسباب: أولها أن الجبالى لم يشاور الحركة أو أى حزب آخر قبل تقديم هذا المقترح، وثانيها أن الائتلاف لم يستنفد وجوده، وأن فى الإمكان توسيعه، وثالثها أنه من الناحية الدستورية يتعين على الحكومة تقديم استقالتها قبل تشكيل حكومة كفاءات. واختلف موقف الحزبين الآخرين المشاركين فى الائتلاف الحاكم، ففى حين أبدى حزب المؤتمر من أجل الجمهورية تحفظه على اقتراح الجبالى، أعلن حزب التكتل من أجل العمل والحريات أنه مع تشكيل حكومة كفاءات وطنية مصغرة. وجاء اغتيال بلعيد -وهو قيادى بارز فى "الجبهة الشعبية" وهى ائتلاف لأحزاب يسارية راديكالية- ليزيد الوضع اشتعالا فى تونس مهد ثورات الربيع العربى، التى تشهد حراكا كبيرا وتظاهرات عدة منذ تشكيل الحكومة بقيادة حركة النهضة الإسلامية؛ وهو ما اعتبره البعض توظيفا سياسيا خاطئا للجريمة التى سارعت الحركة بإدانتها ورفضها، والتى سارعت أيضا الحكومة -التى تقودها الحركة- بالتعهد بكشف الجناة والقبض عليهم، لكن يبدو أن مسلسل تشويه الإسلاميين واستغلال الأحداث لعرقلتهم ومحاولة إسقاطهم لا يزالان مستمرين.