من سنن الله فى خلقه أن يختلف الناس فى أفكارهم وعقائدهم وتوجهاتهم.. وقد حرص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يؤسس دولة المدينة أن يضع أول ميثاق مدنى فى حياة البشرية؛ لكى يحقق هذا التوافق فى مجتمع يعيش فيه مسلمون كانوا قبل دخولهم الإسلام فى تناحر وحروب دائمة أطفأها نور الإسلام، ووضع حدا لها، وهما قبيلتا الأوس والخزرج، ويعيش فيه أيضا أصحاب عقيدة أخرى وهم اليهود، ومشركون لم يدخلوا بعدُ فى الإسلام، فكانت هذه الوثيقة بمنزلة الدستور الذى حفظ لكل مجموعة حقوقها وحقق التعايش بين كل فئات المجتمع. وقد قدر الله لنا أن نعيش فى مصر فى مجتمع تختلف فيه العقائد والأيديولوجيات والتوجيهات، فكان لزاما أن يكون هناك دستور يحقق التوافق والتواؤم؛ لكى يتعايش الناس رغم هذه الاختلافات، ولكى يتحقق الاستقرار والازدهار، ولكى تسير سفينة الوطن فى أمن وأمان. هذه السفينة قد تعتريها بعض الأمواج، وقد تهب عليها رياح من هنا أو هناك، كما تعترى الوطن أزمات ومواقف لا بد من أن يتعاون الجميع داخل سفينة الوطن؛ لكى تنجو هذه السفينة من المواقف والأزمات والرياح التى قد تهب عليها، وهذا يستلزم أن يكون كل أبناء الوطن وكل من فى السفينة على قلب رجل واحد. أما أن يتناحر بعض أبناء الوطن الواحد ويختلفون فى كل شىء مع ربان السفينة ومع الطاقم الذى يساعد هذا الربان، ومع البعض الآخر من أبناء الوطن، ويكون هذا الخلاف هو خلاف لا يستند إلى أسس واضحة، فلا يمكن أبدا أن تسير السفينة، بل قد تغرق السفينة، وقد علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى حديثه المشهور "حديث السفينة"، الذى قال فيه -صلى الله عليه وسلم-: ((مثل القائم على حدود الله، والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على مَن فوقهم فآذوهم، فقالوا: لو أنَّا خرَقنا فى نصيبنا خرقا ولم نؤذِ مَن فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلَكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجَوْا ونجوا جميعا)). هذه الفئة التى تقوم الآن بمحاولة إسقاط الشرعية التى تحاول المناكفة السياسية وليتها مارست المعارضة السياسية المشروعة من أجل الصالح العام، التى تتحالف مع رموز وفلول النظام السابق لإحداث فوضى وتخريب المنشآت فى البلاد ساعية إلى تعطيل حركة السفينة الماخرة، ولا بد أن تدرك أن جهودها ما هى إلا جهود الطحالب العائمة حول السفينة، وإذا لا بد من الأخذ على أيدى هذه الفئة حتى تنجو السفينة ويتحقق الأمن، ومن ثم تأتى الاستثمارات وتنمو السياحة وتدور عجلة الإنتاج، وينعم الجميع من أبناء الوطن بخيراته الكثيرة المتعددة التى وهبنا الله إياها، وليدرك هؤلاء المناكفون حجم التحديات المحلية والإقليمية والعالمية التى تتربص بهذا الوطن للحيلولة دون تبوئه المكانة المرموقة التى نأمل أن يكون فيها وطننا.. ونسأل الله أن يصل الجميع إلى كلمة سواء ترسو بها السفينة إلى بر الأمان.