فن الجرافيتى أو فن الرسم والتلوين على الحائط، من أكثر الفنون التى عبرت عن حالة الغضب والثورة، فمن خلاله شاهدنا كيف يتحول الجدار إلى ثورة تواكب الثورة ويعكس يومياتها، حيث يعبر فيه الفنان عن نفسه وعما حوله من الأحداث التى يعيشها. ولأنه شاهد على الثورة فقد صدر بمعرض الكتاب كتاب تحت هذا العنوان "فن الجرافيتى.. شاهد على الثورة" للدكتور أحمد سليم -الأستاذ المساعد بكلية الفنون الجميلة جامعة المنيا قسم التصوير- ليضم بين طياته فصولا ثلاثة يتناول الأول منها رسومات الجرافيتى وتوثيق الثورة المصرية، أما الثانى فيتناول ثورات الربيع العربى. من مشارك فى الثورة إلى مؤلف كتاب بدأت فكرة تأليف الكتاب منذ مشاركة سليم فى الثورة، حيث رسم بيده وبمشاركة مجموعة من زملائه وطلابه فى الجامعة الكثيرَ من الرسومات التى عبرت عن الأحداث التى مرت بها الثورة. ومن خلال الكاميرا اعتمد الدكتور سليم على تصوير رسومات الجرافيتى، فجمع الآلاف من الصور، ولكنه انتقى 70 منها لتكون شاهدة على الثورة المصرية ومعبرة عن أحداثها فى ميدان التحرير وميدان الأربعين فى السويس والقائد إبراهيم فى الإسكندرية وفى المنيا والأقصر وضواحى القاهرة، وواصل الفنان والأستاذ الجامعى متابعته للثورات العربية فى تونس واليمن وليبيا وسوريا، ليختار 40 جرافيتية لتكون شاهدة على الثورات العربية حصل عليها من خلال الأصدقاء. الجرافيتى السلاح الناعم عبر الدكتور أحمد سليم مؤلف الكتاب خلال مؤلفه عن دور فن الجرافيتى فى نجاح الثورة المصرية، حيث عدّه أحد الفنون والأسلحة الناعمة التى استخدمها الثوار بجانب الموسيقى والغناء لنصرة ثورة يناير، حيث يتميز الجرافيتى دون غيره من الفنون بأنه فن شعبى مقروء ومفهوم للعامة، يتناول أحداثا عامة، ويسمح بمشاركة مجموعة من الفنانين من أجل تقديم لوحة إبداعية واحدة، حيث ظهرت أكثر من مجموعة فنية فى أثناء الثورة، فكانت مجموعة جرافيتى الفراعنة ومجموعة حزب الحرية والعدالة فى التحرير ومجموعة جرافيتى الموناليزا فى مصر والإسكندرية، ومجموعة دم الشهداء فى الإسكندرية، فضلا عن مجموعة شباب التشكيليين وشباب 6 إبريل، بالإضافة إلى التيار المستقل. الجميل الذى ذكره مؤلف الكتاب أن مصر مهد للتصوير الجدارى، مدللا على ذلك بوجود رسومات جدارية فى مقبرة "نخن" فى معبد الكاب بمنطقة إدفو، مشيرا فى الوقت نفسه إلى وجود إرهاصات لفن الجرافيتى قبل الثورة، حيث كانت الكتابة على الجدران وفيس بوك، لكن الثورة المصرية أسهمت فى انتشار وكثافة الأعمال الجرافيتية، حيث كان المتنفس الوحيد للثوار فى أثناء الليل بجانب الشعر والغناء، ليستيقظ الثوار على جرافيتية جديدة من زملائهم رسامى الجرافيتى كل يوم. اعتبر المؤلف والفنان أن رسومات الجرافيتى فى شارع محمد محمود وميدان التحرير أصدق الرسومات التى عبرت عن الثورة، قائلا: إن الخمس عشرة يوما الأولى من عمر الثورة المصرية كانت الأصدق فى تاريخها، حيث عبرت عن الأحداث الأصدق تعبيرا، فقد كانت الغازات والقنابل تندفع تجاه المتظاهرين، وكان رسامو الجرافيتى منهمكين ومستمرين فى رسوماتهم، وبروح وحِس فنى، يعتمدون فيه على أبسط المواد المتاحة ليرسمون به لوحاتهم، فاعتمدوا على الحجارة وفوارغ الرصاص التى تلقى عليهم، واستخدموها كأدوات ليرسموا بها لوحاتهم الفنية، ولكن بعد ذلك أصبحت الرسومات أقل حرارة؛ لأنها فقدت حس الثورة. أطول جرافيتية طولها 600 متر جاءت أشهر الجرافيتيات لتعبر عن حالة الثورة والتجمعات الشبابية، ومنها لوحة "الوحدة الوطنية" فى الإسكندرية، فضلا عن الجرافيتيات التى تضم صور الشهداء، فقد تشابهت الرسومات الجدارية فى الميادين، التى اشتعلت فيها الثورة فى التعبير عن أحلام الثوار، ولكن الاختلاف كان فى تمييز كل جرافيتية فى الميدان وتلونها بلون ومعالم المكان، حيث تحتفظ كل مدينة بالمعالم الأثرية الخاصة بها، لذلك جاءت الجرافيتية الموجودة فى منطقة المثلث فى مدخل السويس فى الطريق إلى ميدان الأربعين كأطول جرافيتية، ويبلغ طولها 600 متر، حيث ضمت صورا للشهداء وآيات تحث على تغيير النفس قبل تغيير الحاكم، بالإضافة إلى بعض معالم مدينة السويس والمصانع والمناطق الأثرية بها. ونحن فى إطار الحديث عن الاحتفال بذكرى الثورة والحوار مع مؤلف كتاب "فن الجرافيتى.. شاهد على الثورة"، فقد قال الدكتور أحمد سليم -معلقا على الأحداث-: إنه رفض المشاركة فى المظاهرات الأخيرة فى التحرير بزعم الاحتفال بالثورة، واصفا ما يحدث بأنه يعبر عن حالة انفلات وليس له علاقة بالثورة، قائلا: عندما يتحول الاحتفال بالثورة إلى قتل ودماء؛ فإن هذا يشير إلى مخطط أجنبى وعملاء يريدون الدمار لمصر، ولذا رغم مشاركتى أيام الثورة إلا أننى لا أنزل وسط البلد، ولا أشارك فى تلك المظاهرات المزعومة.