على الرغم من الموقف الواضح لجماعة الإخوان حول قضية العنف ووضوحها فى أدبيات الجماعة، إلا أن كثيرا من النخب السياسية والإعلامية كانت تزايد على الإخوان وتطالبها بمزيد من نبذ العنف الذى مارسته قوى مختلفة بدعوى انتماء بعض هذه القوى للتيار الإسلامى بصورة عامة. ولم تجد الجماعة خلال العقود الماضية فى ممارسات النظام السابق أو غيره من الأنظمة السابقة مبررا لممارسة العنف أو تسويغه لمن يفعله بحجة استبداد الأنظمة أو طغيانها. أما مواقف القوى والتيارات السياسية حينها فكانت متشددة تجاه القوى التى تتبنى العنف مع السعى لوصم كل القوى الإسلامية بالإرهاب من منطلق تبنى جماعات إسلامية منهج العنف. وعندما نعود إلى الواقع اليوم؛ حيث انتشرت حدة العنف المنظم والإرهاب الممنهج والسافر نجد موقفا مغايرا من التيارات السياسية الليبرالية واليسارية التى كانت ترفض الحوار مع أى تيار حتى يعلن رفضه الكامل للعنف، بل سعيه حثيثا لمواجهته والتصدى له؛ إذ تتبسط كثير من هذه القوى اليوم مع العنف وتسعى إلى تبريره وتسويغه، وتوفير الغطاء السياسى له، والتهديد بإمكانية تصاعد حِدته حال عدم استجابة السلطة الحاكمة لمطالب دعاته وممارسيه. ولا أدرى ما الفارق بين عنف الأمس الذى رفضته القوى اليسارية والليبرالية وتصدت له ووقفت أمامه بكل قوة، وبين عنف اليوم الذى نال منها التبرير والتسويغ مع إكسابه غطاء سياسيا. ولا أدرى السبب الذى يدفع هذه القوى أو بعضها إلى التراجع عن مواقفها إذا كنا نتكلم عن مواقف ثابتة تعبر عن رؤية سياسية مستقرة، بعيدا عن عملية التوظيف السياسى. ما أراه أن مصلحة الوطن اليوم تستوجب من جميع القوى والتيارات السياسية الانطلاق إلى الحوار من قاعدة نبذ العنف ورفضه طريقا ووسيلة للضغط السياسى أو فرض الرأى بالقوة. فالحوار الذى يأتى تحت ضغوط ممارسة العنف لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون حوارا حقيقيا، ولا يمكن بحال أن يحقق ثمرة أو يحل أزمة أو يصل إلى نتيجة أو ينزع فتيلا لخلاف. إننا فى حاجة إلى حوار حقيقى يقف على أرضية صلبة قوامها رفض العنف أو التهديد به أو التلويح به للضغط على طرف فى المعادلة السياسية، ويقف أيضا على أرضية يتفق عليها المتحاورون لرفض عودة النظام السابق برموزه وقياداته والتصدى الكامل لأى جهود يصنعها رموز الفساد فى إطار ثورة مضادة.