ونحن نحتفل بالذكرى الثانية لثورة 25 يناير المجيدة، ونثمن ما تحقق من أهدافها ونسعى لإنجاز ما لم يتحقق منها بعد، تلوح فى الأفق بعض الدعوات الشاذة والغريبة للانقلاب على الشرعية أو إثارة العنف والاضطرابات وتهديد مؤسسات الدولة لعدم التعرض لهم حتى ينتهوا من حرق مصر وتدمير مقدراتها. وتناسى هؤلاء أن شعب مصر أوعى من أن يستدرج لمعارك تصفية حسابات أو لينوب عن غيره فى معاركه الخاسرة. لا يختلف أحد على حق الجميع فى إبداء رأيه ومعارضته للنظام والحكومة والرئيس ومخالفتهم جميعا، وفق قناعته وبرنامجه السياسى ومنهجه الأيديولوجى، بل والواجب على الدولة بجميع مؤسساتها أن تحمى المعارضين فى التعبير عن آرائهم بكل الوسائل السلمية. ولكن البعض يحاول أن يسير على نهج الاجتزاء ويأخذ الجزء الأول وحسب وهو حقه فى المعارضة والتعبير، وينسى أو يتناسى أو يسقط عمدا الوسائل السلمية، فنجده لا ينكر العنف ولا يدينه ولا يشير إلى السلمية من قريب أو بعيد، ولكنه يفعل العكس تماما، فيتجاهل ويستفز ويتهجم ويسب كل السلطات، ويبرر العنف وفاعليه ويختلق لهم الأعذار ويلقى باللائمة على السلطات المختصة. للأسف فإن بعض قوى المعارضة يسقط من ذاكرته أننا فى ثورة وأنه أصبح لنا رئيس منتخب ودستور جديد ومجلس شورى منتخب وفى الطريق لمجلس نواب جديد، وأننا جميعا شركاء فى هذه الثورة، وأن النظام السابق ذهب ولن يعود. ويحاول البعض المقارنة الظالمة بين النظامين السابق والحالى؛ لأنهم استسهلوا المهاجمة على البناء والنقد الهادم على النصح البنّاء والمزايدة الرخيصة على العمل المنتج والمصالح الخاصة على العامة. لقد تفنن هؤلاء فى قلب الحقائق وتشويه الصورة والمحاولات المتتالية لفرض وصايتهم على الشعب ورفض إرادته ورفض كل وسائل وطرق الديمقراطية التى يتشدقون بها. فهم عارضوا الدستور وطريقة إعداده ورفضوه وحشدوا أنصارهم لذلك، وهذا حقهم ولا ينكره عليهم أحد. فإذا بهم بعد قبول الشعب بالدستور ينقلبون عليه ويريدون إسقاطه ويطالبون بإهدار رأى الشعب وإرادته وفرض رأيهم على الأغلبية. إن الإرادة الشعبية لدى البعض هى ما يتوافق مع آرائهم ورؤاهم، حتى وإن كانوا هم الأقلية، فهم الأفهم والأوعى والأقدر على الفهم والتنظير والتوجيه واحتكار الحق المطلق؛ فإما الأخذ بما يقولون وإما ليذهب الجميع للجحيم. فبدلا من السعى الجاد والحثيث لتعديل ما لا يرضيهم فى الدستور وفق الوسائل القانونية والدستورية وإقناع الشعب برأيهم، فإذا بهم يريدون قلب الوضع والدعوة الصريحة للخروج على الشرعية، وادعاء أنهم هم مفجرو الثورة وصانعوها وأصحابها الوحيدون. لقد تناسى هؤلاء فشلهم الذريع فى التواصل مع الجماهير، وفشلهم فى إقناعهم بما يقولون، وفشلهم فى التواصل مع القوى السياسية المختلفة، وفشلهم فى تشويه صورة المخلصين من أبناء مصر المخالفين لهم فى الرأى وفشلهم فى الحصول على أصوات الناخبين، وتفرغوا لتشويه صورة الرئيس والحكم والإسلاميين، وتطور الأمر بكل أسف للدعوة للخروج على الشرعية واستخدام العنف إما تحريضا وإما إقرارا وإما تبريرا وإما مشاركة. وبدلا من التسابق فى بناء مصر ونهضتها فإذا بهم يشمتون فى كل حادثة أليمة تحدث ويحملون مسئوليتها للنظام الحالى، متناسين عشرات السنين من الفساد والإفساد التى مرت بها مصر، التى طالت كل مناحى الحياة والمؤسسات والهيئات. إن مزايدة البعض على دور القوى الفاعلة فى الحياة السياسية المصرية واحتكاره للحديث باسم الثورة واتهام البعض بسرقة الثورة وأنه صاحب الثورة، هى درب من دروب الخيال والبعد عن الواقع وأحلام اليقظة والكذب الصريح الذى كشفه الشعب لن يجدى معه مرة أخرى؛ لذا فهو ينتهج سبيل الإثارة والعنف لمداراة فشله وعجزه عن نيل ثقة الناخبين. وصل الأمر ببعضهم للتعاون مع قتلة الثوار وفلول النظام السابق ورموزه تحت دعاوى فاسدة وباطلة ولم ولن تنطلى على أحد، وسيبقى واضحا وجليا الأهداف الحقيقية لكل فرد وهيئة ومؤسسة وحزب أمام الشعب والتاريخ ليقولوا فيهم كلمتهم. إن محاولة بعض القوى إفشال التحول الديمقراطى وتعويقه إنما هو نتاج فشلها فى الوجود الحقيقى، وسط الشعب ومشاكله وهمومه وآلامه وآماله، ورفض لكل ما هو إسلامى حتى وإن جاء بإرادة شعبية حرة. ويحاولون تحويل فشلهم هذا لإفشال غيرهم بأى ثمن وبأى وسيلة حتى لو على حساب القيم والمبادئ والمثل بل والوطن كله. إن واجب الوقت والحصافة والكياسة السياسية تتطلب من المعارضة أن تتحول لمعارضة بنّاءة وتتخلى عن السب والقذف والتشهير والدعوة للخروج على الشرعية والحض على الكراهية والعنف وتخطى الخطوط الحمراء فى المجتمع المصرى، وأن تغلب الصالح العام على الخاص ومصالح الوطن على مصالح الأحزاب والأشخاص. وإدراك أن من جاء بالصندوق لن يذهب إلا بالصندوق، فلا داعى للتلاعب بعواطف بعض الجماهير وشحنها فى الاتجاه الخطأ وفى الوقت الخطأ. لذا أصبح من الضرورى أن تتجمع القوى والأحزاب السياسية على مختلف مشاربها على تغليب مصلحة الوطن ومساعدة الرئيس المنتخب والمجالس المنتخبة وفق رؤية سياسية واضحة المعالم لتلبية مطالب الشعب واستكمال مطالب الثورة وعلى رأسها القصاص للشهداء، والمشاركة الفاعلة فى إعادة بناء الوطن ونهضته ونبذ الفرقة والإقصاء والتخوين والمفاهيم الهدامة التى يحاول البعض استدعاءها للساحة السياسية المصرية. إن استخدام البعض للتحريض الإيجابى على استخدام العنف أو السلبى بعدم رفضه وإدانته هو صفحة سوداء فى تاريخهم، ولن ينساها التاريخ، ولن تنجح محاولتهم فى فرض وصايتهم على الشعب بأى حال أو جره لما يهدد بنيته الأساسية وأمنه القومى وسيبوءون بفشل على فشلهم، ولن تنجح مخططاتهم لإفشال المؤسسات المنتخبة ولا التحول الديمقراطى لمجرد رغبة فى الوصول للسلطة عن غير طريق الإرادة الشعبية. إن الابتذال فى الحديث واللدد فى الخصومة والمزايدة الرخيصة والمتاجرة بأشرف دماء لن تبنى وطنا ولن تنهض بأمة، ولكنها ستزيد الفجوة وتعمق الخلاف وتوغر الصدور. إن المعارضة الحقيقية هى دافع للبلاد ومدافع عنها، وهى الضمير اليقظ للأمة والمراقب لأداء الحكومة والمنبه للأخطاء والمقوم لها والمتصدى للفساد والإفساد والمقدمة للحلول الدافعة للوطن والمواطن. فعلى جميع المحبين لمصر والمخلصين لها أن يستهدفوا لمَّ الشمل، ودعم الخطوات الجادة المحققة لوحدة وطنية حقيقية والموحدة للصف الوطنى واعتماد الحوار كوسيلة وحيدة لحل الخلافات السياسية، وإنقاذ مصر من نار الفتن، والحفاظ على أمن وسلامة المصريين، وتقبل الآخر والتعايش معه، وأن يسعى الجميع لتحقيق مشروعه السياسى بالطرق السلمية والتنافس السياسى المشروع البعيد عن الصراعات والفتن وتغليب المصالح العليا لمصر وشعبها.