"على قدر الألم يأتى الصراخ".. حكمة تجسدت معناها بعد الزيارة التى قام بها الداعية الإسلامى السعودى الدكتور محمد العريفى إلى مصر، التى ما زالت أصداؤها تملأ الأجواء الإلكترونية على موقعى "فيس بوك" و"تويتر". فبينما سارع النشطاء فى إطلاق تغريدات تحمل أبرز ما جاء فى خطبه، وتبادل الآخرون مقاطع الفيديوهات الكاملة لتلك الخطب.. ثمة صوت ثالث يحاول أن يلقى قبولا ولو فى العالم الافتراضى على الإنترنت، فتجد البعض يرجع زيارة العريفى لأسباب سياسية رغم أن الداعية فى كل خطبه كان يدعم مصر، ولم يتطرق لأى فصيل سياسى.. أما الإعلامى خيرى رمضان -أبرز إعلاميى النظام البائد- فطرح سؤالا عبر شاشة "cbc": "مال شيوخ السعودية بينا وبشأننا الداخلى؟!". وبدأت أصوات نشاز تنهش من سمعة الشيخ الجليل، وتطبق عليه أسس نظرية المؤامرة، ويعكس صراخهم مدى الألم الذى استشعروه حينما وجدوا شخصا غير مصرى يحب مصر أكثر من بعض أبنائها، ويدعو للاستثمار فيها، فى الوقت الذى حذرت فيه رموز سياسية من ذلك، ويصفها ببلد الأمن والكرم، فى الوقت الذى يولولون هم فيه على إفلاس مصر وضياع أمنها.. كلماته فى دقائق قليلة هدَمت ما يبثه إعلام العار منذ أشهر خلت. وعلى اليوتيوب تتجسد كلمات العريفى، ومواقفه المعلنة من ثورات الربيع العربى، بل مواقفه من الأنظمة العربية من قبل الثورات، مقاطع تداولها النشطاء. ونلخص بعضها فى السطور القادمة.. لعل مواقف الشيخ الجليل تزيل علامة الاستفهام التى يحاول البعض اختلاقها حول زيارته لمصر ودعمه لثورتها. فمنذ أربع سنوات مضت إبّان الحرب على قطاع غزة "ديسمبر 2008 - يناير 2009" تجد على اليوتيوب فيديو بعنوان "العريفى يدعو على مبارك بالموت". ويقول الشيخ الجليل فى هذا المقطع: "جرت العادة على أنه إذا قامت حرب فى بلد ما فتح البلد المجاور حدوده للهاربين من الموت، فتجد باكستان فتحت حدودها للمجاهدين الأفغان عقب الغزو السوفييتى، وتجد بلدا فقيرا كالكونغو يأوى مليون لاجئ، وفى السودان 4 ملايين أريترى وأوغندى، وفى الأردن مليون ونصف المليون عراقى، أما مبارك فهو مصرّ على إغلاق معبر رفح فى وجه الفلسطينيين رغم الهجوم الإسرائيلى على غزة.. نسأل الله أن يصلحه أو يعجل بهلاكه، وأن يبدل إخواننا فى مصر خيرا منه ويجعله عبرة للمعتبرين". ويوم التنحى حينما كان الإعلاميون المصريون يكفكفون الدمع على المخلوع، حينما وقف عبد اللطيف المناوى متأثرا فى أثناء إذاعة ماسبيرو لخطاب التنحى فى فيديو، كان العريفى فى مداخلة على الهواء مباشرة على قناة "المجد" الفضائية قال فيها: "طوال الأيام ال18 الماضية أعجبت كثيرا بثبات المصريين على مطالبهم، فهؤلاء لم يخرجوا للخراب أو الدمار، بل خرجوا لتحقيق مطلب واحد، وكان ينبغى على مبارك الاستجابة له من البداية.. وتعجبت كثيرا من تشبثه بمنصبه.. فسيدنا الحسن بن على -رضى الله عنهما- تنازل لمعاوية –رضوان الله عليه- لِجَمْع كلمة المسلمين، رغم أنه حفيد سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وسيد شباب أهل الجنة.. أدعو الله أن يولى على مصر خيارها". وهذا الفيديو متداول على اليوتيوب بعنوان "تعليق العريفى على تنحى مبارك". العريفى والقذافى!! دعم العريفى لثورات الربيع العربى لم تقف على أعتاب مصر، فموقفه من الثورة الليبية تشكل فى مهدها، حينما اعتلى المنبر فى خطبة مدوية بعنوان "من جرائم القذافى" حققت أكثر من 300 ألف مشاهدة على اليوتيوب، قال فيها: "الطاغية الذى طالما انتهك الأعراض، ونهب الخيرات، حتى كوّن ثورة تقدر ب131 مليار دولار، أى ما يعادل ميزانية ليبيا لمدة 4 سنوات، وأنا الآن أخطب من على منبرى هذا وهو مستمر فى قتل شعبه، ويجلب المرتزقة والوثنيين لتثبيت حكمه، ونسى قول الله تعالى: "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ".. زرت ليبيا –والكلام للعريفى- منذ 6 أشهر التقيت علماءها وطلاب العلم فيها، فى حين أنها تبيع يوميا براميل نفط تقدر ب50 مليار دولار فى العام، وعدد سكانها لا يتجاوز 5 ملايين نسمة، مما يعنى أن نصيب كل مواطن من دولة ليبيا أكثر من 4 آلاف دولار شهريا، ومع ذلك رواتبهم مجرد دراهم معدودة، بعضهم يشحت فى شوارع بلد عربى يجرى من تحته النفط أنهارا، ومع ذلك تشعر حينما تزورها كأنك فى بلدة ريفية بدائية.. لا يوجد رصف للطرق ولا إضاءة لها، فأين ذهب هذا الفاجر بأموال الدولة؟". وأشار إلى تاريخ القذافى الإجرامى حينما قال: "عام 1985 ثار بعض الشباب ضد البطالة فجاء بهم الطاغية فى نهار رمضان إلى السجون، وقيد أيديهم وأرجلهم بحضور أسرهم، وخصص لكل شاب جنديين يلفون عنقه بحبل، يمسك كل جندى بأحد طرفيه، ويبدآن فى الشد حتى يتخلل الموت فى كل خلية فى جسد الضحية بدلا من أن يشنقه على منصة فيموت سريعا، وبعدها تؤمَر أمه بأن تقف بجوار جثة ابنها القتيل، وتزغرد كى تصورها القنوات، ويقولون: حتى أُسرهم تشكر القذافى أنه خلص ليبيا من هؤلاء المخربين.. وفى عام 1996 ضرب الجبل الأخضر بقنابل النابالم، فتحول إلى جبل أسود". واختتم الشيخ خطبته بأن الله يمهل الظالم، ولكن إذا أخذه فكان أَخْذ عزيز مقتدر، وشبه القذافى بمبارك فى قطع الاتصالات عن شعوبهم الثائرة.. وتساءل: "هل يعقل أن يشوش القذافى على كل الفضائيات ويترك قناة "الجماهيرية الليبية" التى تبث الغناء والرقص الشعبى والناس تُقتل فى الشوارع؟". أما فيديو "دعاء العريفى على القذافى وأبنائه" فهو شاهد على أن الشيخ كان من أول مَن تنبأ بنهاية القذافى، حينما قال قبل دعائه: "والله كأننى أراه الآن بلا عرش يُقاد بالسلاسل إلى سجنه.. وحُسن ظنى بالله أن هذه نهايته التى اقتربت جدا". العريفى وبشار!! كشف الشيخ العريفى فى إحدى الفيديوهات على اليوتيوب بعنوان "العريفى: تهديدات بشار تحت حذائى"، عن تهديدات نظام الأسد له؛ بسبب موقفه الداعم لثورة سوريا، فقال: "أعلم أننى أتحدث عن ثورة سوريا من استوديو مكيف، والناس هناك يقتلون ويغتصبون.. لكن دلونى على ما أستطيع تقديمه أكثر مما أفعل، فنُصرتكم علينا واجب دينى، أقول لكل أم ابنها مات، ولكل فتاة عفيفة اغتصبها رجال القذر بشار، ولكل طفل يتيم ولكل أرملة: لو بيدى إرسال الجيوش إلى سوريا أو إمدادها بالسلاح والله ما تأخرتُ.. وأقول لبشار: تهديدات نظامك لنا بالقتل أو خطف أبنائنا وحرق سياراتنا وبيوتنا، واستهدافنا فى حالة خروجنا من المملكة.. أضعها تحت قدمى، ولو أصابنى أى مكروه فى سبيل الله فحىّ له، فأى ميتة أشرف من هذه؟! وأى حياة أذل وأحقر من أن يكون ثمنها سكوتنا على صمت واغتصاب إخواننا فى سوريا". من فكرة إلى برامج عمل وفى تعليقه على الموضوع، قال مدحت ماهر -المدير التنفيذى بمركز الحضارة للدراسات السياسية-: إن الداعية الإسلامى السعودى محمد العريفى ركز على فكرة التآزر والتكامل بين الدول العربية والإسلامية، وضرورة ترجمتها لتتحول إلى واقع ملموس بجميع المجالات الاقتصادية والتعليمية والثقافية، كما كانت عبر التاريخ. ونبه ماهر إلى إمكانية ترجمة هذا المعنى وتحويله لبرامج عمل. فعلى المستوى الرسمى فإن مصر ستشهد لقاءات على مستويات متعددة؛ منها القمة الاقتصادية فى الرياض، وقمة منظمة التعاون الإسلامى فى فبراير المقبل، ويجب أن يكون لدينا رؤية لتفعيل التعاون وتحضير لأجندة وخطة واضحة، منها الاستعداد لتهيئة الأجواء ولجذب الاستثمارات وتذليل أية عقبات، وتوفير بيئة أمنية وقانونية وإدارية حاضنة. وتابع قائلا: كما يمكن تحضير جدول أعمال لقطاع الأعمال والقطاع الخاص، وتشبيك الجهود عبر الأقطار على مستوى المنظمات والمبادرات المختلفة الاقتصادية والمجتمعية بشكل مبدع غير تقليدى يضمن الاستمرارية والمتابعة وتقييم الأداء، بما يضمن تمكين المجتمع المدنى والأهلى ليعمل بطاقات أوسع.