* الدستور أفضل إنتاج بشرى فى تاريخ مصر *يجب أن نتوحد من أجل الاستقرار * الإعلام المتهم الأول فى شق الصف وإحداث الفوضى * بعد إقرار الدستور الاستقرار يسهم فى تحقيق النمو الاقتصادى * على كل طرف تقديم تنازلات من أجل الوطن قالت الدكتورة عزة كُريم -أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية-: إن ما تعيشه مصر الآن من خلاف وفُرقة هو نتيجة طبيعة للمرحلة الانتقالية التى تتحول فيها البلاد من الديكتاتورية إلى الديمقراطية بإرادة شعبية منتخبة لأول مرة فى تاريخ مصر بعدما شهدت كل أنواع الفساد عبر قرون متعاقبة . وحمّلت عزة كريم –فى حوار مع "الحرية والعدالة"- الإعلام مسئولية انتشار الفوضى، وتخريب وحرق المنشآت العامة والخاصة، والتأثير السلبى الذى يحرّض على الفتن ويهدم ولا يبنى المجتمع. وأكدت أن مصر ستعود إلى عافيتها ولن تنكسر أبدا بعدما أقرت دستورها الجديد الذى هو وسيلتها للوصول إلى الاستقرار ببدء العمل بأول دستور مستفتَى عليه من الشعب بعد ثورة 25 يناير المجيدة لتبدأ مرحلة جديدة من العمل الجاد نحو استكمال بناء المؤسسات المنتخبة . وطالبت بعقد مصالحة وطنية للخروج من مرحلة الخلاف ونبذ الفرقة حتى نعبر بمصر إلى بر الأمان بعد الثورة المباركة، وأن يكون لكل القوى السياسية دور فعال فى حل كافة المشكلات المجتمعية، وإعداد أجيال قادرة على العبور بمصر من عصور الظلام والفساد إلى عصر الأمل والعمل. وإلى نص الحوار.. * ماذا بعد إقرار الدستور الجديد؟ بعد إقراره يجب أن يحدث نمو اقتصادى متأثرا بمناخ الاستقرار، لذلك يجب أن تتفق وتتحد مصالحنا كشعب مصرى من نسيج واحد مؤيد ومعارض، وأن نعمل معا لكى تذوب الصراعات بين جميع قوى الشعب من خلال تقديم كل طرف بعض التنازلات من أجل هذا الوطن؛ للوقوف على أهم نقاط التوافق الوطنى حتى تسير البلاد إلى الأمام؛ لأن المتضرر الوحيد من استمرار هذه الحالة من الفرقة والخلاف والتناحر السياسى هو المواطن البسيط . كما أن استمرار هذا الانشقاق سيسفر بالتبعية عن مزيد من اتساع الفجوة فيما بين القوى السياسية والمجتمع، فتزداد بسبب ذلك حالات متعددة من الإحباط والقلق والتوتر لدى المجتمع. * وما دور أفراد المجتمع من أجل تحقيق الأمن والاستقرار؟ يجب أن يعلم الجميع أن من أولويات المرحلة المقبلة تشجيع الاستثمارات الخارجية والعربية، والعمل على إعادة جذب الاستثمار، وهو ما سينعكس بالتبعية على الحالة الاقتصادية للبلاد، وحل مشكلة البطالة تدريجيا، وكل ذلك سيحتاج منا إلى مجهود شاق بدايةً من جانب صناع القرار، وكذلك من القوى والتيارات السياسية التى لا بد أن تُعلى المصلحة العليا للبلاد وتتسامى بها فوق مصالحها الخاصة، وأن تتضافر الجهود لكى تعمل على إعادة الأمن إلى الشارع، وتعود حالة الأمان والطمأنينة لدى المواطن البسيط التى افتقدها خلال الفترة الانتقالية الماضية . ويجب أيضا العمل على رفع المعاناة الواقعة على كاهل المواطن البسيط، خصوصا فيما يتعلق بالغلاء وارتفاع الأسعار ونقص السلع الأساسية، إضافة إلى قضايا الصحة والعلاج لغير القادرين، وكذلك التركيز على الأوضاع الصحية فى الريف المصرى من قرى ونجوع وكفور، وكل هذا سيؤدى بالضرورة إلى حالة الانسجام والاستقرار فى المجتمع. * وما الأمور الواجب توفرها ليستقر المجتمع؟ لكى يستقر المجتمع يجب أن ينتعش اقتصاديا، ولن يتأتّى هذا إلا من خلال الهدوء المجتمعى؛ لأن تحليل طبيعة الأفراد تميل إلى البحث عن الاستقرار دائما، ولكنها سرعان ما تثور وتغضب بسبب الخوف على المستقبل ولقمة العيش من خلال ما تبثه قنوات "التوك شو" فى الفضائيات أصحاب الأجندات الخاصة التى لا يشغل القائمون عليها إلا مصالحهم الخاصة فقط دون أى مراعاة لأفراد المجتمع من محدودى الدخل والفقراء . لذلك يجب أن نبدأ العمل الفعلى فورا بتوحد جميع أفكارنا لبناء دولة المؤسسات الحديثة على أسس قانونية وتشريعية يتحقق بها الاستقرار المجتمعى، وينظر على أساسها إلى مختلف الفئات الفقيرة والمهمشة، وكيفية تحقيق قدر كبير لهم من الأمن والرخاء الاقتصادى المنشود. * هل هناك فرص حقيقية لإحداث نوع من التوافق المجتمعى لإجراء حوار بنّاء؟ لا بد من الاتفاق المجتمعى على أسلوب الاختلاف السياسى وليس القضاء على الاختلاف النوعى بين أفراد المجتمع، وذلك حتى نتعلم كيف نختلف وكيف نتفق حال كوننا نتعاون معا من أجل خدمة هذا البلد، لذلك تجد أن مصطلحات التوافقية والحلول الوسط هذه تمييّع المواقف وتؤجل الحسم، ومن لديه شىء يقدمه فليبادر به . * وماذا عن الذين رفضوا الحوار الوطنى الذى دعا إليه الرئيس مرسى؟ إن رفض الحوار أمر عجيب، أو لعله أمر مُخز؛ لأنه إن كان الرفض من جانب السلطة فهو يُعلن خوفها من الحوار، وبُعدها عن المنطق العام وتحمل الاختلاق، وإن كان من المعارضة.. فليخبرونا ما البديل؟ . * ما رؤيتكم لمستقبل مصر بعد إقرار الدستور الجديد؟ أرى أن للشعب المصرى طبيعة اجتماعية خاصة تميزه عن باقى شعوب الدنيا، فهو سريع التأثر بما حوله؛ لأنه اجتماعى بطبعه، ومن ثم فإن عليه دورا أساسيا وجهدا عظيما فى مرحلة بناء مؤسسات الوطن، بدايةً من مجلس الشعب المقبل الذى يعول عليه الشعب ضبط إيقاع عمل كل المؤسسات الحيوية فى مصر، خاصة الحالة الأمنية للبلاد التى أعتقد أنها لن تتحسن بالجودة المطلوبة فى ظل المنظومة الإعلامية المغرضة والمحرضة على الفوضى وانهيار المجتمع؛ لأن القائمين عليها لا يعرفون إلا منطق المال وكيف يكنزونه فى حسابات خاصة ببنوك أوروبا غير منشغلين بوضع باقى أفراد المجتمع . لذلك ومن أجل بناء مصر، فيجب تضافر كل الجهود، خاصة الإعلام المغرض الذى عليه فورا التخلى عى سياساته النفعية الذاتية؛ لأن موارد مصر البشرية والمادية تكفى لإصلاح الاقتصاد، لكن بشرط التوقف عن الأحداث المسببة للانفلات الأمنى والإضرابات، وكذلك المطالبات الفئوية التى تعطل الإنتاج، وتعتبر سببا رئيسيا للتدهور الاقتصادى فى مصر ومَدعاة للصراع السياسى الدائر بين الأحزاب والاتجاهات الفكرية المختلفة، لذا على الجميع التوحد ونَبذ الفُرقة من أجل جموع الشعب العظيم ومساندة الشرعية أولا. * إذن هناك اتهام صريح للإعلام بأنه أفسد الحياة السياسية والاجتماعية بمصر؟ نعم أؤكد أن الإعلام المغرض المجرم هو المتهم الأول فى شق الصف، وإحداث كل هذه الفتن والفوضى والانفلات الأمنى والأخلاقى الذى مرت به البلاد فى الفترة الماضية، وأنا أُحمّله المسئولية كاملةً تجاه ما حدث منذ بداية الثورة وحتى الآن، كما أننى فى حياتى لم أرَ إعلاما محرضا على الشرعية التى منحها الشعب لرئيسه بانتخابات نزيهة شفافة لأول مرة فى تاريخ البلاد، وأبدا لم أر إعلاما ينحاز للفوضى وعدم الاستقرار ويدعو الشعب للتصويت ب"لا " على أحد أفضل دساتير العالم.. فهو إذن لا أخلاقى؛ لأنه لا يراعى الحيادية ولا احترام أى مواثيق شرف إعلامية . * من خلال قراءتكم للدستور.. ما رسالتكم للمجتمع لكى يطمئن؟ حقيقةً أؤكد عليها من خلال قراءتى للدستور أنه من أروع أفضل إنتاج بشرى، راعى كل الأمور المتعلقة بالوطن بداية من الأسرة الصغير وحتى سائر المجتمع، فاهتم بالمرأة والطفل كما فى المادة "10" وشرع لهم ما يحمى حقوقهم ويرعى كافة شئونهم فى مواد كثيرة متعددة، كما أعطى قدرا كبيرا من الحريات لجميع المواطنين على السواء حتى المجرم كفل له رعاية واهتمام بكافة شئونه بعد انتهاء مدة عقوبته، وحقه فى سكن مناسب وعمل أو معاش يُعينه على نفقات الحياة، ويحفظ عليه كرامته وحريته؛ لأنه من نسيج هذا الوطن. *.. وكيف تقيّمين اختلاف الشعب حول التصويت على الدستور ب"نعم" أو "لا"؟ اختلاف الشعب ظاهرة صحية لاختلاف الرؤى ووجهات النظر بما لا يضر بالمصلحة العليا للبلاد، فنتيجة الاستفتاء ليس فيها فائز أو مهزوم؛ لأن أبناء الوطن ليسوا فى معركة ضد بعضهم البعض حتى يمكن القول بأن فريقا انتصر وفريقا خسر؛ لأن الدستور سيكون للجميع، مؤيديه أو معارضيه، وسيستفيد كل أفراد الشعب مما يتضمنه من مواد تصون الحقوق والحريات العامة، وتضع القواعد والأسس لبناء مجتمع ديمقراطى يعيش فيه الجميع جنبا إلى جنب فى استقرار دائم حتى تتحقق التنمية والعدالة الاجتماعية التى ينشدها الجميع، التى كانت أحد أهم مطالب ثورة يناير التى قامت على أكتاف جميع القوى السياسية؛ مؤيدين ومعارضين.