طرق كثيرة يستطيع من خلالها المصريون بالداخل والخارج دعم الاقتصاد الوطنى والمساهمة فى دفع عجلة النمو الاقتصادى خلال هذه الفترة المهمة من عمر الثورة المصرية، وذلك فى إطار التجاوب مع المبادرات التى تم إطلاقها مؤخرا لمواجهة تراجع الجنيه أمام الدولار إلى مستويات كبيرة، وكذلك للتصدى بقوة لما يحاول البعض الترويج له بأن البلد على حافة الإفلاس وأن اقتصادها سيسقط قريبا. المصريون العاملون بالخارج يستطيعون القيام بالتحويل لذويهم بالداخل بالدولار، ورفع الاحتياطى النقدى الأجنبى، كما يستطيعون فتح حسابات بالبنوك المصرية بالعملات الأجنبية لزيادة الاحتياطى. وقد تجاوب عدد كبير من المصريين العاملين بالدول العربية والأجنبية مع مبادرة دعم الاقتصاد من خلال تدشين حملة التحويل بالدولار من أموالهم إلى البنوك المصرية أو إلى أهلهم فى مصر ليدعموا الجنيه، كما قام العشرات من المصريين بنشر وثائق تحويل المبالغ التى قاموا بتحويلها من خلال شركات تحويل الأموال أو البنوك فى البلاد التى يعملون أو يعيشون فيها على مواقع التواصل الاجتماعى كنوع من التنافس فى حب البلد، مطالبين جميع المصريين فى الخارج بتحويل ما لديهم من أموال لمصر بالعملة الأجنبية دعما للاقتصاد الوطنى. كان صندوق النقد الدولى قد كشف أن تدفقات العاملين المصريين بالخارج تساهم بشكل كبير فى معدلات الاستثمار وتفوق تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر، متوقعا أن تصل التحويلات إلى نحو 20 مليار دولار سنويا خلال السنوات المقبلة، التى بلغت فى عام 2011 نحو 14 مليار دولار، لترتفع هذه القيمة فى 2012 بنحو مليارى دولار أيضا. فى السياق نفسه، اشترط خبراء مصرفيون عدة طرق لضمان تنفيذ مبادرة "وديعة الكرامة"، سواء من خلال تحويلات بنكية لصالح حساب مخصص للبنك المركزى حتى تكون موجهة للاقتصاد الوطنى، وتكون إجراءاته مرنة ولا تخضع للإجراءات الاحترازية للتتبع أو المنع، كما يحدث عند التحويل فى حسابات البنوك التجارية، نظرا لضآلة المبالغ التى يتم تحويلها، والمحددة بحد أقصى 10 آلاف دولار. أما النظام الآخر أن تصدر الدعوة لدعم الاقتصاد بطرح الدولة سندات أو صكوك دولارية للمصريين فى الخارج ذات عائد، مشيرين إلى أن هذا النوع من الأوراق المالية يصدر بضمان الدولة. فى البداية يؤكد الدكتور عبد المجيد السيد -أستاذ علم الإدارة والتنمية الاقتصادية والمخاطر ببنك الإسكندرية- ضرورة العمل على دعم احتياطى النقد الأجنبى ليصل مرة أخرى إلى حدود 30 مليار دولار، لتخفيف الضغوط على أسعار الصرف المحلية مع دعم البدائل التمويلية الأكثر مرونة حاليا لتخفيض الدين الإجمالى إلى نحو 600-650 مليار جنيه، كمستوى آمن مع عدم السعى لزيادة الدين الخارجى. وأضاف السيد أن مصر تمتلك بدائل استثمارية كثيرة على رأسها القوة الاقتصادية للمصريين فى الخارج، والذين يمكن ربط دعمهم للاقتصاد المصرى باستثمارات محددة، إلى جانب إمكانية طرح صكوك تمويل بعملات أجنبية لتمويل مشروعات تنموية مثل تشجيع زراعة القمح محليا بما يعنى زيادة فرص عمل وتنشيط اقتصادى، بالإضافة إلى زيادة فى النقد الأجنبى، مشيرا إلى أن تحويلات المصريين فى الخارج العام الماضى بلغت رقما قياسيا تجاوز 12 مليار دولار. وعن دور المصريين فى الخارج فى دعم الاقتصاد الوطنى، قال السيد: إن عدد المصريين فى الخارج يصل إلى 10% من تعداد سكان مصر، ويمكن الاستفادة من هذه الثروة الكبيرة فى دعم الاقتصاد الوطنى من خلال تحويلاتهم بالعملات الأجنبية إلى مصر للمساهمة فى رفع الاحتياطى الأجنبى من الدولار الأمريكى، موضحا أن تحويلات المصريين من الخارج تفوق كل المساعدة الإنمائية الرسمية والاستثمار الأجنبى المباشر، لذلك فهى شهدت اهتماما كبيرا من قبل صانعى القرار لدورها التنموى المتزايد على الاقتصاد الكلى، وتأثيرها على النمو، والسياسات المالية والنقدية والصرف. وأشار إلى أن من البدائل الاقتصادية حاليا تحصيل الضرائب المتأخرة وترشيد الإنفاق الحكومى مع وضع خطة تحفيزية لاستغلال ودائع القطاع المصرفى فى بدائل تنموية آمنة وإعادة النظر فى الأصول الحكومية غير المستغلة وتشغيل المصانع المعطلة وتحويل قناة السويس إلى منطقة اقتصادية للخدمات اللوجستية عالميا، بالإضافة إلى إعادة النظر فى الحوافز الاقتصادية والضريبية وربطها فى الأساس بمؤشرات العائد الاستثمارى والقيمة المضافة. وكشف أحمد عزاز -مهندس برمجة يعمل بالمملكة العربية السعودية- عن أن مبادرة "إنقاذ الاقتصاد المصرى" تدعو المصريين بالخارج لتحويل مبلغ بالدولار ولو لمرة واحدة إلى حساباتهم الشخصية فى مصر، وهو ما يؤدى إلى زيادة معدلات السيولة مما يعود بالنفع على المودع والاقتصاد من خلال عودة سعر صرف الجنيه المصرى إلى معدله الطبيعى. وأضاف عزاز أن المبادرة تأتى لتعويض ما ألم بالاقتصاد المصرى من خسائر بعد الأحداث الأخيرة التى شهدتها مصر على مدى الأسابيع الماضية التى أثرت على حصيلة مصر من العملة الصعبة وتراجع عائدات السياحة وانخفاض الاحتياطى، وهو ما أدى بالضرورة إلى تأثر قيمة الجنيه المصرى، مشيرا إلى أن هناك إقبالا كبيرا من المصريين بالسعودية على إجراء التحويلات بالدولار إلى أهلهم فى مصر حتى يساهموا فى معالجة أزمة انخفاض الاحتياطى من النقد الأجنبى، والمساهمة فى دفع عجلة النمو الاقتصادى. من جانبه، أوضح محمد فاروق الخبير المصرفى وعضو المجلس المصرى للمجالس الاقتصادية أن النظام المقترح ل"وديعة الكرامة" يتطلب حملات ترويجية من خلال الصحف المقروءة لدى المصريين أولا، ثم الأكثر انتشارا بوجه عام، على أن تتضمن معدل العائد بوضوح حتى يكون عامل جذب مدعما بالضمانات الكافية بإصدار وثيقة تلتزم الحكومة فيها بسداد كامل قيمة الصك أو السند فى حالة طلبه. وأشار إلى أن ضمان الحكومة للسندات والصكوك التى ستصدرها لوديعة الكرامة سيفتح المجال أيضا للأجانب الراغبين فى المشاركة لدعم الاقتصاد المصرى، مما يؤدى إلى ارتفاع الفائدة من حجم الاحتياطى النقدى الأجنبى المضاف. ويرى فاروق أن هذا النوع من المبادرات فى شكلها التقليدى من خلال تحويلات المصريين من الخارج أولا ستكون عائداتها منخفضة. ثانيا لن تحقق النجاح المستهدف إلا فى ظل استقرار سياسى، الذى سيكون المحفز الأول لجذب الاستثمارات والتحويلات والمنح من جميع دول العالم. وقال فاروق إنه إذا تم ذلك فهذه المبالغ ستكون بدورها زيادة تراكمية فى إجمالى الاحتياطى النقدى كدعم مباشر، كما أنها تحقق نوعا من الاستقرار المجتمعى فى صورة الاطمئنان لتوافر احتياجاته من المواد السلعية، سواء التموينية أو البترولية، لافتا إلى أنه فى حال شراء الصكوك أو السندات تختلف عن الإجراءات المصرفية للتحويل أو الإيداع فى حساب بعينه. أما أحمد عبد الفتاح -الخبير المصرفى- أوضح أن الوقت الحالى يعد ملائما بطريقة كبيرة لإعادة إطلاق مبادرات "وديعة الكرامة" خاصة بعد التجاوب الكبير والحرص الذى أظهره المصريون بالخارج فى الاستفتاء على الدستور ومن قبله الانتخابات الرئاسية، الأمر الذى يجعل البيئة مناسبة لدخولهم فى مبادرات لإنقاذ الاقتصاد والاحتياطى عبر مدخراتهم وفوائضهم المالية. وأشار إلى أن ضمان نجاح هذه المبادرات يتطلب آلية واضحة وتعاونا من البنك المركزى بصفته المشرف الرئيسى على هذه المبادرات، ويجب أن تكون تحت رقابته ضمن ودائع للمساهمة فى إنقاذ الاقتصاد التى يكون لها دور كبير فى خلق مناخ جاذب للاستثمار يساهم فى زيادة المشروعات الإنتاجية، إلا أن هذا يتطلب إزالة المعوقات التى تحد من حركة الاستثمار ومنح مزيد من الحوافز الإضافية للمستثمرين الجادين لتحقيق العدالة الاجتماعية المطلوبة. وقال إنه على الحكومة بكافة أجهزتها أن تكون جادة فى توفير المناخ الملائم لزيادة معدلات التنمية والاستثمار، وإنه لا بد من تضافر كافة الجهود لوضع الصناعة المصرية فى مكانتها الطبيعية على خريطة الاقتصاد العالمى، مضيفا أن تحويلات المصريين فى الخارج تعتبر من أهم المصادر فى تدفق العملات الأجنبية وهذا ما يظهر خلال شهور الصيف بسبب عودة العاملين بالخارج لقضاء إجازاتهم وشراء العقارات فضلا عن السلع المعمرة، مؤكدا أن هذا كله سيصب فى مصلحة الاحتياطى النقدى والاقتصاد المصرى فى المستقبل القريب.