يتوجه اليوم المصريون داخل مصر لصناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم فى مشروع الدستور المصرى الجديد بعد أن سبقهم إخوانهم بالخارج منذ عدة أيام، وبذلك نكون قد بدأنا أولى خطوات خارطة الطريق نحو استكمال بناء مؤسسات الدولة والتحول الديمقراطى بإعلاء الإرادة الشعبية وتعظيمها وتقديرها والنزول عليها. إن هذا الاستفتاء حدث مهم ومفصلى فى تاريخ مصر؛ حيث إنه استفتاء على أول دستور يكتبه المصريون بأيديهم وبممثلين منتخبين من مؤسسات منتخبة انتخابًا حرًّا مباشرًا، وهو كذلك يتضمن العديد من الميزات والحقوق التى لم تكن فى جميع الدساتير السابقة. ومن غير المعقول أن ينال مشروع الدستور القبول التام والمطلق من جميع أطياف الشعب المصرى بكل مكوناته، غير أنه من الواجب علينا جميعًا أفرادا وجماعات وأحزابا وهيئات أن نقول رأينا بوضوح تام فيه، وأن نذهب للتصويت بإيجابية، فمن اقتنع به يوافق عليه ومن لم يقتنع يرفضه، وننزل جميعًا على إرادة الشعب وخياراته ونعمل بمقتضاها، فهذه هى قواعد اللعبة الديمقراطية التى ينادى بها الجميع. غير أنه من المؤسف حقًّا أن نجد البعض يعلن ومن قبل الاستفتاء أنه لن يقبل بالنتيجة لو جاءت بقبول مشروع الدستور وسيعمل على إسقاطه، فهل يريد هؤلاء إرغام الشعب على اتباع فكرهم ومنهجهم والسير وفق ما يرونه؟! أم أنهم يهددون الشعب إذا لم ينحز لخياراتهم الرافضة للدستور؟! أم أنهم يدعون للفوضى والخروج على الشرعية؟! تلك تساؤلات مشروعة حول تلك الدعوات غير البريئة التى تصدر من قيادات سياسية عدة ترفض النزول على إرادة الشعب حتى قبل بدء الاستفتاء، إن من شأن مثل تلك الأطروحات أن تزيد من شحن الأجواء الملتهبة والمتوترة أصلًا التى ليست فى حاجة إلى المزيد من الزيت على النار. وهو ما قد يزيد الأمر تعقيدًا على تعقيد، لذا فإن مثل تلك الدعوات غير المسئولة وغير المبررة لا محل لها من الإعراب، ولا تتفق مع أبسط قواعد الديمقراطية وتلتف عليها وتلوى عنقها. إن اليوم هو يوم تاريخى لمصر وشعبها، وليقُل كل فرد رأيه بصراحة فى بطاقة الاقتراع ويقبل بما تأتى به الصناديق حتى إن جاءت بعكس إرادته. أمّا أن يريد البعض الديمقراطية والاحتكام للصناديق وإرادة الشعب إذا وافقت رؤاه وآراءه فقط، فهذا عبث ومراهقة سياسية واستخفاف بجموع المصريين ومصادرة على آرائهم وإرهاب فكرى غير مقبول، فالشعب هو مصدر جميع السلطات وهو صاحب الحق الأصيل فى اختيار دستوره وممثليه بإرادته الحرة المستقلة بغير مزايدة ولا استخفاف من أحد بهذه الإرادة الشعبية. إننا نمارس الديمقراطية والحرية المطلقة فى اختيار دستورنا لأول مرة، فيجب أن نتعامل معها بحكمة وواقعية ومسئولية ووفق القواعد الحاكمة لذلك، لا أن نطوعها وفق ما نريد، حتى نستطيع أن نبنى بلادنا ونستعيد مجدها الذى أهدرته النظم السابقة. لنُجلِ من هذا الاستفتاء نقطة انطلاق نحو بناء مصر وتقدمها ورخائها ونهضتها، وليساعد كل منا أخاه فى أن يقول رأيه فيه بصراحة وبحرية كاملة مع التعهد بقبول نتيجته فى النهاية؛ لأن تلك هى إرادة الشعب. وإذا كان لبعض القوى السياسية أى تحفظات على بعض المواد فعليها التقدم بها للسيد رئيس الجمهورية لعرضها على مجلس الشعب "النواب" فى أول انعقاد له كما تحدد فى جلسات الحوار الوطنى، هذا فى حال إذا وافق الشعب على مشروع الدستور، فهذه هى السبل الديمقراطية المحترمة والمعتبرة، لا أن نهيج بعض الجماهير للانتصار للآراء الشخصية فقط. والخوف كل الخوف من عدم السيطرة على تلك الجماهير بعد ذلك مما سيؤثر سلبًا فى تلك القوى بل على البلاد كلها. نريد أن يكون اليوم يوم عرس ديمقراطى نتسابق فيه نحو إبداء الآراء فى حب مصر ورغبة فى إعادة بنائها، وليس انتصارًا لرأى شخصى، وليسعنا الخلاف السياسى، كما وسعنا الخلاف الفقهى ولنتعايش فى ظل ذلك الخلاف البناء ولنجعله أداة تقدم وبناء ولا نجعله أداة للتنابذ والفرقة والشقاق. فلا حكر على أحد فى أن يعبر عن رأيه كيفما يريد وبما يرضى ربه ثم ضميره، فجميعنا يحب مصر ويسعى إلى نهضتها، من سيقول "نعم" ومن سيقول "لا"، ولا مجال للتخوين لأى شخص على تراب مصر لمجرد اختلاف فى الرأى، فهذا غير مقبول على الإطلاق. فكما توحدنا لإسقاط النظام الفاسد لسابق، يجب أن نتوحد لإعادة بناء مصر سواء بقبول الاستفتاء أو بعدم قبوله، فلدينا الآن خارطة طريق واضحة المعالم رسمها الإعلان الدستورى الأخير الناتج عن الحوار الوطنى. فإذا كنا ندعو الشعب المصرى الكريم للموافقة على مشروع الدستور باعتباره من أفضل الدساتير المصرى على الإطلاق، فلا يمكننا أبدًا التشكيك فى وطنية ونزاهة الرافضين له، فجميعنا يسعى إلى خدمة مصر وفق ما يرى وما يعتقد وما يفهم من مشروع الدستور. لنتراحم ونتوادّ ونتحابّ، وليسع كل منا أخاه المختلف معه فى الرأى ولنقدم الحب والخير للجميع، ولا نتعصب لرأى أو شخص أو فكر، وليعبر كل منا عن رأيه بحرية تامة بلا خلاف ولا شقاق ولا تشاجر، ولنحمى جميعًا إرادتنا الحرة وندافع عنها وندعمها. وليشكر كل من سيدلى بصوته القضاة الشرفاء الذين قبلوا الإشراف على الاستفتاء ونأَوْا بأنفسهم عن الولوج إلى معترك السياسة والانحياز لفصيل على آخر، فكانوا بحق كما عهدناهم دائمًا حماة الحق والإرادة الشعبية ومحط ثقة الشعب ومعقد آماله، فالشكر كل الشكر لهم بكلمة طيبة أو ابتسامة رقيقة أو وردة جميلة، تعبيرا عن شكرنا الجزيل لهم ولدورهم العظيم فى إنجاح الاستفتاء والحفاظ على الإرادة الشعبية وحماية الشرعية. إن مصر فى حاجة لنا جميعًا ولكل جهودنا لاستعادة عجلة الإنتاج والاستثمار والنماء، فلنتقدم بكل قوة لبنائها ولا يتخلف أحد عن ركبها، ولا يحاول أحد تعطيل ركبها، فالشعب أوعى بكثير ممن يحاول التعطيل أو التحايل على إرادته، وستعلو إرادة الشعب مهما حاول البعض الالتفاف عليها أو تسفيهها أو التقليل من شأنها، حفظ الله مصر وشعبها ورئيسها من كل مكروه وسوء.