تحل ذكرى مولد الإمام الشهيد حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، الذي كرس حياته في خدمة الدين والوطن، إذ كان هذا المجاهد الكبير عالمًا سياسيًّا وقطبًا اجتماعيًّا ومجاهدًا ضد الاحتلال في سبيل كرامة شعب مصر، فقد كان حقًا قائد القرن العشرين بكل ما تحمله الكلمة. الإمام الشهيد كان معلمًا قائدًا لكل مجالات الحياة، ومارس السياسة بحرية كاملة وشارك المجتمع المصري أحزانه وقاوم المحتل، فضلاً عن أن حمل هم الدعوة الإسلامية ونشر الدين الصحيح كانا همه الأول والأخير، فكانت حياته كلها في سبيل لله ونشر دعوته. ولد الإمام في 14 أكتوبر 1906 بقرية المحمودية التابعة لمحافظة البحيرة، وبدأ اهتمامه بالعمل الإسلامي في سن مبكرة، حيث اشتغل بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والدعوة إلى الله، وكان محبوبا بين زملائه في المدرسة فأنشأ معهم ''جمعية الأخلاق الدينية"، وبعدها ''جمعية منع المحرمات''، كما شارك في ثورة 1919 وهو في الثانية عشرة من عمره وتخرج من دار العلوم عام 1346ه (1927)، وكان ترتيبه الأول وبعد نجاحه بشهور عُين مدرسا بمدينة الإسماعيلية، وبدأ بنشر الدعوة الإسلامية في تجمعات الناس في المقاهي، وامتاز بحسن عرضه وقدرته على الإقناع. صنع الإمام البنا وجماعته تاريخًا غير مجريات الأحداث فى مصر والعالم، وذلك على مدار عمر الجماعة الممتد منذ 1928 حتى قيام ثورة يناير 2011م. ففي 22 من مارس 1928م: أُعلن عن قيام دعوة الإخوان المسلمين بمدينة الإسماعيلية، على يد الإمام الشهيد حسن البنا وستة من إخوانه، وفي 24 من سبتمبر 1930م: صدور القانون الأول للإخوان المسلمين، بعد اجتماع الجمعية العمومية فى انعقادها الثالث فى التاريخ ذاته. وفي أغسطس 1932م: أسس الإخوان أول شُعبة لهم خارج مصر، هى شعبة جيبوتي، وفي أكتوبر من نفس العام انتقلت الدعوة إلى القاهرة بعد تأسيسها فى الإسماعيلية بنحو خمس سنوات، إثر نقل مؤسسها إلى العاصمة فى هذا التاريخ. وقد دخلت الدعوة بانتقالها إلى القاهرة مرحلة جديدة، إذ انتشرت فيما يزيد على خمسين بلدًا من بلدان القطر المصري، وقد غزت -مع اندلاع الحرب العالمية الثانية- قطاعات المجتمع جميعها. وفي 14 من أكتوبر 1941م اعتقلت حكومة حسين سرى باشا المرشد العام حسن البنا ووكيله أحمد السكري، بإيعاز من الإنجليز بعدما ازدادت الجماعة قوة وشعبية، وشعر المحتلون بخطورتها فى تعبئة الشارع ضدهم. وفي فبراير 1942م تعرض الإخوان لأول محاكمة عسكرية فى تاريخهم، فى القضية رقم 388 لسنة 1942م. وفي 4 من أكتوبر 1945م انعقد المؤتمر الشعبى الأول للإخوان المسلمين. عُقد المؤتمر بمدينة القاهرة فى أحد أيام عيد الأضحى المبارك، حيث اجتمع له أكثر من نصف مليون مواطن لم تتسع لهم دار الإخوان ففُرشت الشوارع المحيطة بميدان الحلمية الجديدة بالحصير، وخطب فى المؤتمر الإمام الشهيد و أحمد السكرى ولويس فانوس عضو مجلس الشيوخ. وفي 5 من مايو 1946م صدر العدد الأول من صحيفة «الإخوان المسلمون» اليومية، وقد أسس مسئولو الجماعة لإصدارها شركتين، إحداهما لإصدار الجريدة، والأخرى لطباعتها. وفي1 من مايو 1947م بعث الإمام الشهيد حسن البنا بخطاب إلى الملك فاروق، ورئيس الوزراء مصطفى النحاس، وملوك وأمراء وحكام بلدان العالم الإسلامي.. وقد وُضع هذا الخطاب ضمن مجموعه رسائله -رحمه الله- فيما بعدُ تحت عنوان: «نحو النور». أكد البنا فى بداية الخطاب أنه فعل ذلك أداءً للواجب وقيامًا بالنصيحة.. ثم تحدث عن مزايا التوجه الإسلامي، وأنه كفيل بإمداد الأمة الناهضة بما تحتاج إليه. وفي 8 من ديسمبر 1948م: صدور الأمر العسكرى رقم 63 لسنة 1948م بحل جماعة الإخوان المسلمين، حيث حظر نص القرار على أعضاء مجلس إدارة الجمعية وشُعبها ومديريها وأعضائها والمنتمين إليها مواصلة نشاط الجمعية، وتضمن الأمر: غلق الأمكنة المخصصة لتلك الأنشطة، وضبط الأوراق والوثائق والسجلات والمطبوعات والمبالغ والأموال وجميع الأشياء المملوكة للجمعية. وفي 12 من فبراير 1949م وبتخطيط من رئيس الحكومة إبراهيم عبد الهادى ووزير داخليته، وبتوجيه من الملك -تم اغتيال الإمام المؤسس حسن البنا. وكانوا قبلها بعدة أيام قد صادروا سيارته، واعتقلوا السائق، وسحَبوا السلاحَ المرخَّص، وقُبِضَ على شقيقَيه اللذين كانا يرافقانه فى تحركاته وفى 12 فبراير 1949م وقع حادث الاغتيال، ولفظ الشهيد أنفاسه فى الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل، ولم يعلم أهله بذلك إلا فى الثانية صباحًا . لم تسمح الدولة بخروج أحد من الرجال فى جنازة البنا، فحملتها النساء، ولكنَّ "مكرم عبيد" باشا القبطى تحدَّى الحكومة وانضمَّ إلى عائلة "البنا" فى جنازته. مات الإمام الشهيد وترك تلاميذه يحملون لواء الدعوة ، يجاهدون لنصرتها ويتحملون فى سبيلها غير مكترثين لبلاء يصيبهم، واضعين نصب أعينهم منهج أستاذهم الذى استمده من الكتاب والسنة يتخذون منه نورا يضيئ لهم الطريق، ويرسم لهم ملامح النهضة المنشودة لغد أفضل ومستقبل مشرق للأمة العربية والإسلامية.