فاض كيل الغزل بين سياسيين وإعلاميين سعوديين وبين الاحتلال الصهيوني حتى وصل إلى حد الفعل الفاضح في فضاء الإنترنت العام، وخرجت دعوات من أفواه المراقبين تحذر من فصيل بات يطلق عليه "أنصار الاحتلال الصهيوني"، وهم يروجون لتقريب الصهاينة على حساب شيطنة الفلسطينيين، وتصوير أهل فلسطين بالخونة الذين باعوا الأرض وفرطوا في الدين والعرض، وهو تكرار لما قام به إعلام الرئيس المصري الراحل أنور السادات أثناء التمهيد لتوقيع اتفاقية الاستسلام "كامب ديفيد" المشئومة، وأمام هذه الحميمية السعودية للصهاينة نشرت صحيفة هآرتس العبرية تقريراً عنوانه: "قبل الإسلام: عندما كانت السعودية مملكة يهودية"! وتتواصل منذ أسابيع حالة من الغضب والجدل والدهشة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، بعد دعوات صادرة من قِبل صحفيين وإعلاميين من المملكة العربية السعودية تروّج للسياحة في تل أبيب، سبقها اتهام للفلسطينيين بالتخلي عن القدس والقضية الفلسطينية.
البوصلة باتت لوهلة منحرفة عن دعم القضية الفلسطينية، حتى وصلت للتصالح مع العدو المحتل للأراضي الفلسطينية، والتفكير في السياحة لديه، في مشهد أبعد عن التصديق، لا سيما أنه صدر من شخصيات سعودية مشهورة وإعلاميين لهم متابعون.
الكاتب السعودي حمزة بن محمد السالم، الكاتب في صحيفة "الجزيرة" اليومية السعودية، قال على حسابه بموقع "تويتر": "أتوقع أنه إذا عُقد سلام مع إسرائيل، وتسهلت الفيزا والدخول والخروج، فإنها ستصبح المحطة السياحية الأولى للسعوديين".
وأضاف السالم: أنها "من أجمل بلاد الله خلقة وتطوراً، وجمعت بين روح جمال الشرق والغرب والحضارات القديمة والحديثة. ومتى تسالمنا مع إسرائيل انحرقت ورقة اللعب بها، فالحكومة لن تقبل بالتحريض عليها"، وفي كلامه دعوات واضحة للتصالح معها، والسلام الذي لطالما كان محط رفض من العرب والفلسطينيين.
عشقي والتطبيع! وتعليقًا على تيار أنصار الاحتلال داخل المملكة يقول الكاتب والمحلل السياسي مهنا الجبيل:" ادعو الشعبين الفلسطيني والسعودي، للحذر من تغريدات أنصار الإحتلال الإسرائيلي في السعودية، فهذه التغريدات المستمرة بالإستفزاز والطعن في الشعب الفلسطيني كشعب مضطهد، وامتهان مقدسات المسلمين، له هدف محدد وهو تطبيع الثقافة الصهيونية عبر شحن الشعبين، وهي أخطر بمراحل من التطبيع التقليدي".
وخلال حوار أجرته "دويتشه فيله" مع الجنرال السعودي السابق أنور عشقي، ومدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية، وهو أحد المطبعين والمطبلين للاحتلال الصهيوني، أجاب على سؤال عن مدى تقبل السعوديين لمسألة التطبيع مع "إسرائيل"، وقال بنبرة ترحيب :"المجتمع السعودي الآن لو نظرنا إلى تغريدات وتعليقات أبنائه نجد أنهم يقولون إن "إسرائيل" لم يسجل منها عدوان واحد على المملكة"، مضيفًا "بحسب ما أعرف فإن المملكة ستتجه للتطبيع مع "إسرائيل" بعد تطبيق المبادرة العربية".
واستنكر ناشطون في تغريدات وكتابات على موقعي "تويتر" و"فيسبوك" تصريحات عشقي، وجاءت أغلبيتها من ناشطين سعوديين، وآخرين عرب، فكتب جميل فارس: "يا سيد أنور عشقي، أذكرك أنك من بلاد الحرمين، ربما مشاغل الدنيا أنستك، حسبنا الله ونعم الوكيل".
وفيما يبدو أن التطبيع بين الرياض وتل أبيب يسير بخطوات ثابتة نحو التحول من السر إلى العلن في ضوء بعض المستجدات التي طرأت على الساحة مؤخرًا وربما تعيد رسم خارطة المنطقة السياسية مرة أخرى، لعل أبرزها تمرير اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، وما يترتب عليها بشأن مصير مضيق تيران الاستراتيجي والذي يدفع بالمملكة لتكون طرفًا أساسيًا في اتفاقية كامب ديفيد.
شد وجذب وظلت العلاقات بين السعودية والكيان الصهيوني ما بين الشد والجذب، حتى عام 2003 الذي يعد علامة فارقة في تاريخ العلاقات بين البلدين، حين اقترح العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، مبادرة السلام العربية، التي اشترطت إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليًا، على حدود 1967، وعودة اللاجئين، وانسحاب "إسرائيل" من هضبة الجولان السورية المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع علاقات الدول العربية مع "إسرائيل"، ومن هنا بدأت مرحلة جديدة في العلاقات بين الجانبين.
ومنذ ذلك الحين دخلت العلاقات السعودية الإسرائيلية مرحلة جديدة من البرجماتية حيث سعت الرياض إلى فتح قنوات تواصل مع تل أبيب معظمها كان في إطار السرية والخفاء، أما في العلن فقد تراجعت حدة التصريحات العدائية بين الجانبين بصورة ملحوظة، وقد جسدت بعض اللقاءات التي جمعت بين مسئولي البلدين رغبة الطرفين في فتح صفحة جديدة من العلاقات تقوم على مبدأ المصالح المشتركة بعيدًا عن الأيديولوجيات الثابتة، لكن ظلت مسألة الانتقال في العلاقات من مرحلة السر إلى العلن معضلة تواجه الديوان الملكي السعودي لسنوات طويلة إلى أن جاء محمد بن سلمان ليعيد رسم الخارطة وفق رؤى جديدة.
وتأتي مساعي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان نحو تسريع التقارب مع الكيان الصهيوني كجزء من "صفقة القرن" ذات التوجه الأمريكي الرامية إلى توسعة رقعة التطبيع بين الكيانات العربية وتل أبيب؛ لتضع العديد من التساؤلات عن مستقبل العلاقات العربية الصهيونية في ظل التطورات التي تشهدها المملكة داخليًا، فهل تصبح تل أبيب بوابة ابن سلمان لخلافة والده على كرسي العرش؟