كتب مجدي عزت: توقع الحساب الشهير باسم "مجتهد" عن السبب الذي دفع السلطات السعودية لإيقاف عدد من أبرز الأمراء والوزراء ورجال الأعمال، حبث قال "مجتهد"، في تعليق وصفه ب"السريع"، إن "سبب الحملة على الأمراء والوزراء ورجال الأعمال أن ابن سلمان يريد الاستيلاء على أكبر كمية من أموالهم ويحيلها لحساباته". كما اعتبر مراقبون أن محمد بن سلمان ونظامه يمر بورطة اقتصادية، كما أن الإمارات تمر بالأزمة المالية نفسها، مع تصاعد الحرب اليمنية ونوايا السعودية التصعيد ضد إيران في لبنان، ما يحل على السعودية ضغوطا ممالية غير مسبوقة، فاستسهل ابن سلمان الضغط على القطط السمان في السعودية، وسيتم تحويل أرصدتهم لجيب السلطة تحت بند الفساد، وفي الوقت نفسه تصفية كل مركز قوة ممكن يقف ضد طموحات.. وهو نموذج للبلطجة. محاسبة انتقائية وكان الكاتب والإعلامي السعودي «جمال خاشقجي» اعتبر ما يجري في السعودية ب«محاسبة انتقائية». وقال «خاشجي» عبر حسابه على «تويتر»: «المحاسبة الانتقائية، عدالة ناقصة.. ولكن إيمانا بمذهب الواقعية السياسية والتدرج، فما حصل البارحة عظيم جدا». واعتقلت السلطات السعودية نحو 18 أميرا، وعشرات الوزراء السابقين، و4 وزراء حاليين، كما أعادت فتح ملف سيولجدة والتحقيق في قضية وباء «كورونا». وجاء على رأس المعتقلين وزير الحرس الوطني المقال الأمير «متعب بن عبدالله»، والملياردير السعودي الأمير «الوليد بن طلال»، ورئيس الديوان الملكي السابق «خالد التويجري». ولم تشهد المملكة هذا الحراك الدراماتيكي منذ سنوات عدة، وهو ما أثار العديد من التساؤلات عن الدوافع الحقيقية وراء هذه الحملة وماذا يريد ولي العهد محمد بن سلمان من خلال سياسة الاعتقالات المتتالية التي تجاوزت الأكاديميين والكتاب ورجال الدين لتتسع إلى الأمراء ووزراء سابقين لتعبيد الطريق أمام كرسي العرش، فهل بات تنصيب ابن سلمان ملكًا مسألة وقت؟ معارضو الملك الجديد وقد مرت الأوامر التي أصدرها سلمان بمرحلتين، الأولى: المرحلة الأولية التي من خلالها أطاح بما تبقى من جبهة الأمير محمد بن نايف ولي العهد الأسبق، حيث قضت بإعفاء الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز وزير الحرس الوطني من منصبه، وتعيين الأمير خالد بن عبدالعزيز بن محمد بن عياف آل مقرن وزيرًا للحرس الوطني، كذلك وزير الاقتصاد والتخطيط عادل فقيه وتعيين محمد التويجري وزيرًا للاقتصاد والتخطيط، إضافة إلى إنهاء خدمة قائد القوات البحرية عبدالله السلطان وإحالته للتقاعد، وترقية اللواء فهد الغفيلي إلى رتبة فريق ركن وتعيينه قائدًا للقوات البحرية. وإكمالاً للمرحلة الأولى من الأوامر فقد تضمنت تشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد وعضوية رئيس هيئة الرقابة والتحقيق ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ورئيس ديوان المراقبة العامة والنائب العام ورئيس أمن الدولة، هدفها حصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام، وبالتحقيق وإصدار أوامر القبض والمنع من السفر، واتخاذ ما يلزم مع المتورطين في قضايا الفساد العام. المرحلة الثانية وتضمنت ترجمة عملية فورية لقرار تشكيل اللجنة العليا لمكافحة الفساد، فبعد دقائق معدودة من تشكيلها فوجئ الجميع بالأنباء تتوارد نبأ تلو الآخر.. بشأن توقيف أمراء ورجال أعمال وشخصيات عامة بتهم الفساد واستغلال النفوذ. أهداف ابن سلمان جاءت حملة الاعتقالات الأخيرة ضد أمراء الأسرة المالكة وكبار شخصياتها ورموزها الاقتصادية بمثابة الصدمة للجميع بلا استثناء، كونها تمثل خروجًا مباشرًا عن الخط العام الذي اتخذه النظام الحاكم، وعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها سلمان ونجله إلى هذه الاستراتيجية الجديدة التي تهدف في المقام الأول إلى فتح الطريق أمام ولي العهد لخلافة والده، إذ تكررت قبل ذلك مع الأمير محمد بن نايف، لكن شتان بين الحدثين، سواء في التفاصيل أو تبعاتها. ويرى المراقبون أن خطوة أمس هدف من خلالها ابن سلمان إلى تحقيق أربعة محاور رئيسية: الأول: إخلاء الساحة السياسية تمامًا من المعارضين له سواء داخل الأسرة المالكة أو خارجها من المقربين من النخبة ورجال الأعمال المؤثرين في المشهد السعودي الداخلي، وعلى رأسهم الأمير متعب بن عبدالعزيز والذي يعد العقبة الأخيرة في طريق تنصيب ابن سلمان ملكًا للبلاد، بعد عزله لولي العهد ابن نايف من منصبه وإعفائه من وزارة الداخلية أيضًا. وحسب بعض المعارضين فإن هذه الحملة لن تتوقف وستتواصل خلال الفترة المقبلة حتى يخضع آخر رجل من أسرة آل سعود لحكم ابن سلمان، ويعترف به كملك للبلاد، وهو ما تتضح معالمه رويدًا رويدًا منذ الإطاحة بمحمد بن نايف، ومبايعة أفراد هيئة البيعة لمحمد بن سلمان وليًا للعهد. الثاني: تجريد الأمراء ورجال الأعمال من سلاح المال والثروة على رأسهم تركي بن ناصر والوليد بن طلال، خوفًا من استخدامها في المستقبل كورقة ضغط ضده حال اعتزامه خلافة والده رسميًا، خاصة أن بعضًا منهم لديه اعتراضات على سيطرة ابن سلمان المطلقة على مفاصيل المملكة كافة. وقد نشر حساب "ويكيلكس الخليج" على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، حديثًا يشير إلى: "أن الملياردير الوليد بن طلال هدد خلال اجتماع للأسرة الحاكمة بسحب كل أمواله إلى أوروبا في حال رفض الإفراج عن الأمير محمد بن نايف"، ومن هنا كان لا بد من التحجيم. الثالث: مغازلة السعوديين بوتر محاربة الفساد ومواجهة الفاسدين وتقديمهم للمحاكمة، وهذه ليست المرة الأولى التي يستخدم فيه هذا الوتر، إذ إنه في إبريل الماضي وفي أعقاب حزمة الأوامر الملكية الصادرة وقتها تم إعفاء خالد العرج وزير الخدمة المدنية من منصبه وتقديمه للمحاكمة بتهم تتعلق بالفساد، وهو ما رآه البعض رسالة قوية للفاسدين وجرس إنذار لهم، بينما رآه آخرون محاولة لكسب رصيد شعبي جديد، وهو ما تم بالأمس أيضًا مرة أخرى بفتح ملفات المدينة الاقتصادية والتي تورط فيها رجل الأعمال عمرو الدباغ، وكذلك ملفات الرشاوى التي قُدمت لمستشار الديوان الملكي خالد التويجري والذي قدّم ككبش فداء بسبب علاقته الوثيقة مع وزير الحرس الوطني المعزول متعب بن عبدالله. الرابع: الاستيلاء على المال، فحسب ما كشفه "مجتهد" على حسابه على تويتر فإن "سبب الحملة على الأمراء والوزراء ورجال الأعمال، أن ابن سلمان يريد الاستيلاء على أكبر كمية من أموالهم ويحيلها لحساباته"، وهو ما يفسر التركيز على رجال الأعمال والأمراء أصحاب المليارات هذه المرة مقارنة بالمرات السابقة. وقدرت المبالغ التي تم الاستيلاء عليها من الأمراء ورجال الأعمال الموقوفين -حسب ما تداولته قائمة أسمائهم- قرابة 2 تريليون ريال سعودي، سيتم مصادرتها إلى أجل غير مسمى، وهو ما يمكن أن يخضع بعد ذلك لمرحلة المساومة والابتزاز من أجل الرضوخ لإملاءات ابن سلمان. داخل القفص وانتهج النظام السعودي سياسة التنكيل والاعتقالات وتضييق الخناق ضد كل من يفكر أن يغرد خارج السرب، مستندًا في ذلك إلى الحملة التي أعقبت تنصيب ابن سلمان وليًا للعهد، حينها استدعت وزارة الداخلية المتحفظين على مثل هذا القرار من الدعاة والعلماء والكتاب وحذرتهم من التعبير عن آرائهم. وفي المقابل كان للقصر دور آخر في تقليم أظافر المعارضين من الأسرة المالكة، سواء في الداخل من خلال الوضع تحت الإقامة الجبرية والتهديد بالاعتقال أو في الخارج من خلال الملاحقات وما يقال بشأن استهداف بعضهم، حسب ما نشرت بعض وسائل الإعلام الأجنبية مؤخرًا. الإمارات ليست بعيدة معروف أن محمد بن زايد هو المخطط الأول والأكثر تأثيرًا لاستراتيجية تعبيد الطريق أمام ابن سلمان، بدءًا بالترويج له أمريكيًا مرورًا بالتخلص من العقبات التي تعرقل مسيرته نحو خلافة والده وعلى رأسها عمه ابن نايف، وصولاً إلى مذبحة الأمراء ورجال الأعمال التي قام بها بالأمس. فأبوظبي تسعى إلى تدشين سعودية جديدة وفق مقاييس ومواصفات تتناغم مع الأهداف الإماراتية التي تسعى إلى سحب بساط الريادة الإقليمية من تحت أقدام المملكة، في ظل انشغال مصر بأزماتها الداخلية لتتصدر المشهد بصورة كاملة.