قد يظن بعضهم أن ضياع فلسطين كان بتصريح وعد وزير خارجية بريطاني (بلفور) الذي تعهد فيه بتأييد بريطاني لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، والحقيقة أنه لم يكن في الواقع وعدًا واحدًا من بلفور لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ولكنها عدة تصريحات، أصدرها بعض رجال السياسة في الغرب، يدعون فيها شتات اليهود لإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، ويعدون بدعمه وتأمينه نظير أن يقوم اليهود بخدمة مصالح الدولة الراعية، وقد صدرت معظم الوعود البلفورية في القرن التاسع عشر، واستمرت حتى صدور وعد بلفور عام 1917. لذا يجب ألا ننظر لوعد بلفور بمعزل الوعود البلفورية السابقة عليه أو اللاحقة له، أو عن المعاهدات التي أبرمت أثناء الحرب العالمية الأولى التي من أهمها اتفاقية سايكس بيكو) التي قسمت الوطن العربي إلى دويلات مستعمرة من القوى الغربية. فالدافع الحقيقي لوعد بلفور هو رغبة الإمبراطورية البريطانية في زرع دولة استيطانية في وسط العالم العربي لحماية مصالحها الاستعمارية، وعن طريق نقل اليهود، ستقضي الصهيونية على معاداة اليهود في الغرب ونظير ذلك، سيقوم الغرب برعاية هذا المشروع ودعمه. من "بلفور" إلى السيسي.. فلسطين في خطر! وعد نابليون كان نابليون من أوائل القادة الغربيين الذين أصدروا وعدًا بلفوريًا، وهو أيضًا أول غاز للشرق في العصر الحديث، وكان جوهر الوعد العبارة الآتية : «تقدم فرنسافلسطين لليهود، وتدعوكم فرنسا للاستيلاء على إرثكم بل لأخذ ما تم فتحه والاحتفاظ به». وهذا الوعد في حقيقته لم يكن من منطلق الحب أو الاحترام لليهود بل هو حل للمسألة اليهودية في فرنسا، ومع هذا فإن نابليون كان يستهدف إلى توظيف اليهود في خدمة مشاريعه وتحويلهم إلى عملاء له. وعود ألمانية وقد صدرت أيضاً -عدة وعود بلفورية ألمانية- أشهرها وعد بلفوري ورد في خطاب من «دون إيلونبرج»باسم حكومة قيصر ألمانيا إلى (هرتزل) مؤرخ في سبتمبر 1898 م جاء فيه: «يحب جلالته أن يخبركم عن استعداده أن يأخذ على عاتقه مسؤولية محمية (يهودية) في حالة تأسيسها، وأنه على استعداد أكيد أن يناقش الأمر (توطين اليهود) مع السلطان، وكان هدف القيصر الرئيس -كما صرح لسفيره في سويسرا- «إفراغ ألمانيا من اليهود الذين فيها، وكلما عجلوا الذهاب كان ذلك أفضل؛ فلن أضع أية عراقيل في طريقهم». ولعل موقف القيصر من اليهود بما يتسم به من كره عميق لهم، وترحيب شديد بالتخلص منهم، واستعداد تام لتوظيفهم في خدمة المصالح الألمانية، لا يختلف كثيراً عن موقف نابليون من قبله أو موقف بلفور من بعده. 97 عامًا على وعد بلفور المشئوم.. والعرب عاجزون وعد روسيا ومن الأمثلة على الوعود البلفورية الوعد الروسي القيصري: فقد قام (هرتزل) بمقابلة (فون بليفيه) وزير الداخلية الروسي المعادي لليهود. وقد صدر الوعد البلفوري القيصري في رسالة وجهها «(فون بليفيه) إلى (تيودر هرتز) جاء فيها: «ما دامت الصهيونية تحاول تأسيس دولة مستقلة في فلسطين، وتنظيم هجرة اليهود الروس، فمن المؤكد أن تظل الحكومة الروسية تحبذ ذلك وتستطيع الصهيونية أن تعتمد على تأييد معنوي ومادي من روسيا إذا ساعدت الإجراءات العملية التي يفكر فيها على تخفيف عدد اليهود في روسيا». وقد استغل هرتزل هذه الرسالة في أكثر من مناسبة، فيما بعد. وعد بلفور وهو التصريح الذي أصدرته الحكومة البريطانية عام 1917 تعلن فيها عن تعاطفها مع الأماني اليهودية في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وحين صدر الوعد كان عدد اليهود في فلسطين لا يزيد عن 5 % من مجموع عدد السكان. ولعل الدافع الحقيقي لوعد بلفور هو رغبة الإمبراطورية البريطانية في زرع دولة استيطانية في وسط العالم العربي لحماية مصالحها الاستعمارية. ترجمة الوعود على أرض الواقع وتمكن الصهاينة تحت حماية بريطانية من بناء مؤسساتهم الاقتصادية والسياسية والتعليمية والعسكرية والاجتماعية وأسسوا 292 مستعمرة مغتصبة وكونوا قوات عسكرية من الهاغاناه الأرجون وشتيرون يزيد عددها عن سبعين ألف مقاتل. ولا شك أن بريطانيا تتحمل الوزر الأكبر في جريمة وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين على ألا تمس حقوق ومقدسات الآخرين! وكان صدمة كبيرة للثورة العربية؛ إذ لم يتخيلوا أبدًا هذه الدرجة من الخداع البريطاني؛ ولذلك رفض جنود الثورة العربية الاستمرار ما لم تتضح الأمور؛ فأرسلت بريطانيا إمعاناً في الخداع والتضليل مبعوثها «هوغارت» في يناير 1918م لطمأنة الشريف حسين؛ حيث حمل تصريحًا بريطانيًا بأن الهجرة اليهودية لفلسطين لن تتعارض مع مصالح السكان السياسية والاقتصادية، وإذا بالحقوق تمس، والمقدسات تحول إلى زرائب للحيوانات وبيوت للخنا والفجور، والشعب الفلسطيني يشرد ويهجر ويعيش لاجئا في الدول المجاورة، وما زالت معاناتهم إلى الآن. ولتكتمل الجريمة الأولى كان لا بد من خديعة ثانية تجعل فلسطين تحت الانتداب البريطاني، فاحتلت بريطانيافلسطين في 1918م، وصرحوا بأن أرض فلسطين سوف تحكم وفق رغبة السكان! ونصب اليهودي (هربرت صموئيل) في عام 1920م مندوبًا ساميًا لبريطانيا في فلسطين، وأدمجت وعد بلفور في صك انتدابها على فلسطين الذي قررته لها عصبة الأمم في يوليو 1922، الذي اعترف بالصلة التاريخية التي تربط الشعب اليهودي بفلسطين، وبضرورة إعادة إنشاء وطنهم القومي فيها، وتسهيل هجرتهم وتمكينهم في الأراضي الأميرية والأراضي الموات؛ ففتحت الأبواب للهجرة اليهودية فتضاعف عدد الصهاينة من 55 ألفًا سنة 1918 إلى 646 ألفًا سنة 1948، كما دعمت تسليم الأراضي؛ فتزايدت ملكية الصهاينة للأرض من نحو نصف مليون دونم -2% من الأرض-، إلى نحو مليون و800 ألف دونم -6.7% من أرض فلسطين. وتمكن اليهود تحت حماية الحراب البريطانية من بناء مؤسساتهم الاقتصادية والسياسية والتعليمية والعسكرية والاجتماعية، وأسسوا 292 -مستعمرة- مغتصبة، وكونوا قوات عسكرية من الهاغاناه الأرغون وشتيرون يزيد عددها عن سبعين ألف مقاتل، واستعدوا لإعلان دولتهم. قرار التقسيم الجريمة الثالثة تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947؛ حين أصدرت قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية وصهيونية : نحو 54% للدولة الصهيونية و45% للدولة العربية و1% منطقة دولية -منطقة القدس- لفترة مؤقتة تعود بعدها القدس للسيادة العربية. أما بالنسبة للقدس فقد احتل اليهود غربي القدس في حرب 1948م -وهي تساوي حوالي 85% من المساحة الكلية للقدس- وقاموا بتهويد هذه المنطقة التي تعود ملكيتها للعرب وبناء أحياء سكنية يهودية فوق أراضيها وأراضي القرى العربية المصادرة حولها، وأعلن عن توحيد شطري القدس تحت الإدارة اليهودية في 1967/6/27م، ثم أعلن رسمياً في 30 يوليو 1980 أن القدس عاصمة أبدية موحدة للكيان الصهيوني. إنهاء الانتداب البريطاني والخديعة الرابعة حين أعلنت القوات البريطانية إنهاء انتدابهم على فلسطين وانسحابهم منها في مساء 14 مايو 1948م، وبعدها بساعات أعلن المجلس الوطني اليهودي في 15 مايو 1948 (قيام دولة إسرائيل)!! وبدأت الحرب بين العصابات الصهيونية من جهة وبين الفلسطينيين والجيوش العربية من جهة أُخرى، التي لم تكن مستعدة لهذه الحرب؛ مما سبب هزيمتها وسُميت بنكبة فلسطين. والنتيجة كانت إنشاء كيان يهودي على مساحة أكبر بكثير من المساحة المقررة لها في قرار التقسيم التي كانت أقل من 55% وإذا بها نشأت على 77% من أرض فلسطين، ولم يبق سوى الضفة الغربية التي ألحقت بالأردن، وقطاع غزة الصغير الذي ألحق بالإدارة .المصرية، وشردوا بالقوة 800 ألف فلسطيني خارج المنطقة التي أقاموا عليها كيانهم ومن أصل 925 ألفًا كانوا يسكنون في المنطقة ودمر الصهاينة 478 قرية فلسطينية من أصل 585 قرية كانت قائمة في المنطقة المحتلة، وارتكبوا 34 مجزرة؛ واحتلوا غربي القدس وهي تساوي حوالي 85% من المساحة الكلية للقدس، وقاموا بتهويد هذه المنطقة التي تعود ملكيتها للمسلمين والعرب، وبنوا أحياء سكنية يهودية فوق أراضيها وأراضي القرى العربية المصادرة حولها.