يخطئ من يتصور أن التركة الثقيلة التى ورثها العهد الجديد عن نظامٍ استمرأ الفساد والاستبداد ونهب الأموال؛ يمكن أن يتغير بمجرد عزله سياسيا أو استبعاد عدد من حوارييه ورموزه من مراكز التأثير فى الدولة. صحيح أن الدوائر القريبة من الحكام غالبا ما تكون ذات تأثير جوهرى وبالغ فى مجمل مفاصل الدولة، واستئصالها يكون بالغ الأثر فى تغيير منظومة الفساد والإطاحة بها، إلا أن ما حدث فى حالة مصر طوال العقود السابقة كان مختلفا ومغايرا. فالنظام السابق لم يكتف بإحاطة نفسه بمنظومة من الفاسدين والمعاونين فى إنجاز مهامه الإجرامية، بل سعى إلى التغلغل فى مساحات أوسع فى مفاصل الدولة المختلفة، وعلى كافة المستويات، واجتهد فى وضع قواعد راسخة لحكم مستبد فاسد يمثل منظومة متكاملة يستشرى تأثيرها فى مساحات واسعة يصعب التخلص منها فى وقت محدود أو مقاومتها بخطط قصيرة الأجل. فقد تتولد عندك قناعة عامة بخطورة هذه المنظومة وصعوبة التخلص منها أو تحقيق منجز سريع لتقويض مخاطرها، إلا أنك قد تكتشف- وأنت فى الميدان- أنك أمام مشكلة متشابكة ومعقدة تحتاج إلى جهد متواصل للتخلص منها والقضاء عليها. فالمشكلات التى يعانيها المواطن فى هذه الأيام، والتى تتمثل فى استحكام أزمات خانقة فى مجالات البنزين والسولار والبوتاجاز؛ تكاد تعصف بكافة الجهود التى يبذلها الرئيس وتحاول الحكومة بذلها. والسبب الأساس أن هناك قطاعات واسعة من دوائر الفساد تعيش فى طبقات متداخلة فى المجتمع لا تزال مطلقة السراح بعيدة عن المحاسبة، ولم تصل إليها يد العدالة، ولا تزال تمارس أعمالها عبر خطط جديدة وجهود غير يائسة للاستمرار والبقاء. التخلص من هذه الدوائر يحتاج إلى مزاوجة بين الحسم الذى لا يقبل استمرار وجود هذه البؤر الفاسدة، وبين الدقة بحيث نحذر من الأعراض الجانبية، ويحتاج إلى مقاربة بين مواجهة مخاطرها وبين تحقيق الاستقرار وتحاشى إرباك المشهد العام. نحن أمام تركة ثقيلة وغير تقليدية وربما غير مسبوقة -جغرافيا وتاريخيا- من الفساد والإجرام المركب، تحتاج إلى طرق غير تقليدية لمواجهتها والتعامل معها ومحاولة التخلص من مخاطرها.