فى ظل التطاول المستمر من الغرب الملحد على الإسلام والمسلمين وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء بالقول أو بالرسم أو بإنتاج فيلم، وهو ما تزايد فى الغرب نتيجة الإقبال المتزايد على الإسلام من أهل الغرب، مما دفع أحد القساوسة فى أوروبا أن ينتحر حرقا اعتراضا على انتشار الإسلام فى أوروبا، وقد زاد هذا التطاول بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر، التى زادت من معدلات اعتناق الإسلام فى الغرب شرقه وغربه، علما بأن القانون الدولى فرض حمايته على حرية العبادة والأماكن المقدسة والرموز الدينية وقت السلم وأثناء النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، وأيد ذلك أيضا القضاء الدولى وخاصة فى محكمة نورمبرج، ولكن عدم تفعيل هذه الآليات وتطبيق هذه الاتفاقيات جعل الكثير يقول بعدم وجود حماية للأديان والأماكن والرموز الدينية فى القانون الدولى، ومع أن القانون الدولى لم ينص صراحة على هذه الحماية إلا أنه أقر حرمة الأماكن المقدسة والأديان والرموز الدينية ضمنا فى إعلانات ومواثيق واتفاقيات حقوق الإنسان وأيضا اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م والبروتوكولان الإضافيان لعام 1977م، كما أنها جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية طبقا للنظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية. ففى أثناء السلم جاءت الحماية فى اتفاقيات وإعلانات ومواثيق حقوق الإنسان العالمية والإقليمية، وجاءت الحماية هنا من خلال تأكيد حرية العبادة ومنع التمييز بسبب الدين، فقد نص البيان العالمى لحقوق الإنسان على حق الحرية الدينية (لكل شخص حرية الاعتقاد وحرية العقيدة وفقا لمعتقده ( لكم دينكم ولى دين) وقد حرم الإعلان العالمى لحقوق الإنسان لعام 1948م فى مادته الثانية التمييز بسبب الدين، وأكدت المادة (18) على حرية اختيار الدين وحرية الإنسان بممارسة العبادة وإقامة شعائره ويجب احترام ذلك ومراعاته فى السر والعلن، وأكدت ذلك أيضا (18/1) من الاتفاقية الدولية الخاصة بشأن الحقوق المدنية والسياسية لعام 1966م، وأكد الميثاق العربى لحقوق الإنسان الصادر عن جامعة الدول العربية عام 1945م فى مادتيه (22 و23) ذلك، وأيضا الميثاق العربى الصادر فى 1997م فى مادتيه (26 و27)، وكذلك الميثاق الإفريقى الصادر عام 1979م فى المادتين الثانية والثامنة، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 1950م فى المادة التاسعة، وأيضا ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبى لعام 2000م فى المادة العاشرة، والمادة (22) التى فرضت احترام الاختلاف الثقافى والدينى واللغوى، والإعلان الأمريكى لحقوق وواجبات الإنسان لعام 1948م فى المادة الثالثة، وأيضا البروتوكول الإضافى للاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان فى مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1999م منعت التمييز بسبب الدين فى المادة الثالثة، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان سان خوسيه لعام 1969م فى المادة ال(12) أكدت كل ما سلف. وفى أثناء النزاعات المسلحة سواء الدولية أو غير الدولية فرض القانون الدولى الإنسانى حمايته على الأماكن المقدسة، فقد نصت المادة ال27 من اتفاقية لاهاى لعام 1907 أنه فى حالة الحصار والضرب بالقنابل يجب اتخاذ كل ما يمكن اتخاذه من الوسائل لعدم المساس بالمبانى المعدة للعبادة، والمادة ال(27) من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949م الخاصة بحماية السكان المدنيين تنص على حق السكان فى المناطق المحتلة ممارس شعائرهم الدينية حسب عاداتهم وتقاليدهم، فقد نصت المادة ال(53) من الملحق الإضافى الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1949م على حظر ارتكاب أى من الأعمال العدائية الموجهة ضد الآثار التاريخية أو الأعمال الفنية أو أماكن العبادة التى تشكل التراث الثقافى أو الروحى للشعوب، كما تضمنت المعنى نفسه المادة ال(53) من اتفاقية لاهاى لعام 1954 الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية وقت النزاع المسلح، وأورد البروتوكول الثانى لعام 1977م الخاص بالنزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولى فى المادة ال(14) ما نصه (يحظر ارتكاب أية أعمال عدائية موجهة ضد الآثار التاريخية، أو الأعمال الفنية، أو أماكن العبادة التى تشكل التراث الثقافى والروحى للشعوب واستخدامها فى دعم المجهود الحربى). وقد فرض القانون الدولى الجنائى حمايته على الأماكن المقدسة فجرمها وجعلها جريمة حرب طبقا لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949م والبروتوكولين الملحقين لها لعام 1977م، حيث اعتبر مخالفة الاتفاقيات سالفة الذكر جريمة حرب، وهذا ما نصت عليه المادة الثامنة الفقرة الثانية (أ) والفقرة التاسعة من ذات المادة من النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية، كما اعتبرتها المادة السابعة من النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية جريمة ضد الإنسانية، لأنها تعبر عن اضطهاد وتمييز بسبب الدين، ويمكن عن طريق جمعية الدول الأطراف للمحكمة الجنائية الدولية المنصوص عليها فى المادة (112/ز) من النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية، اعتبار ازدراء الأديان جريمة ضد الإنسانية؛ لأنها تمثل اعتداء على البشرية، كما يمكن إدخالها ضمن الركن المادى من جريمة الاضطهاد الدينى والتمييز بسبب الدين. إن الدول الإسلامية تستطيع إصدار تشريع عالمى بمنع ازدراء الأديان، فالتوصية الصادرة من الأممالمتحدة عامى 2005 و2008م منعت ازدراء الأديان وصدرت بموافقة 85 دولة وامتناع 42 ومعارضة 50، وبالتالى تستطيع وفقا لهذه التوصية التقدم بتشريع ملزم تتبناه الأممالمتحدة أو التوصل لاتفاقية دولية بين الدول الأعضاء، كما أن المادة ال(36) من النظام الأساسى لمحكمة العدل الدولية تجعل من اختصاصها الفصل فى الخلاف فى تطبيق أية اتفاقية وتفسير مضمونها، وبالتالى ينبغى على الدول الإسلامية اللجوء للمحكمة لتوضيح أن الفيلم المسىء للرسول هو من ألوان التعصب الدينى والتمييز، وألفت النظر إلى أن الدول الإسلامية تستطيع رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية باعتبار أن الفيلم المسىء هو جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب، وطبقا للنظام الأساسى للمحكمة يحق لها اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعاقبة المتورطين فى هذه الجرائم، وهناك أكثر من عشر دول إسلامية مصدقة على النظام الأساسى للمحكمة تستطيع رفع دعوى، ولكن مصر ليست من هذه الدول، ولكنها تستطيع رفع دعوى إذا صدقت على ما يتعلق بهذه الجريمة. د. السيد مصطفى أبو الخير الخبير فى القانون الدولى