يراقب اليمنيون أطماع الإمارات المتزايدة في بلادهم عقب سنتين من إطلاق عاصفة الحزم. ويرصد هؤلاء استغلال أبو ظبي الأوضاع الحالية لتحقيق مزيد من التوسع ميدانيا. جزيرة ميون وميناء المخا وقرية "ذو باب" نماذج للتوسع الإماراتي في غياب تام للسعودية أو في ظل غضّها الطرف عن تصرفات قوات الإمارات ضد اليمن واليمنيين الذين هجّرت منهم من تشاء واتخذت من بيوتهم مقرات لها، ومن بلداتهم ومناطقهم الإستراتيجية قواعد عسكرية وموانئ ومطارات.
واستغلت الإمارات انشغال السعودية بوضعها الداخلي والمعارك في حدودها مع مليشيا الحوثيين والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح لتبسط سيطرتها وتتمدد لتكون صاحبة النفوذ الأقوى مستقبلا، فأقامت قاعدة عسكرية في جزيرة ميون بدون علم الحكومة لتسيطر على كامل الجزيرة.
تهجير بالقوة
ونشر الصحفي البريطاني المتخصص في قضايا الشرق الأوسط جيريمي بيني صورا وخرائط توضح الإنشاءات التي تقوم بها القوات الإماراتية في جزيرة ميون، وما يعتقد أنه مدرج طائرات جديد يتم إنشاؤه, متوقعا أن تنتهي الإمارات من إكمال بناء المدرج وإنشاءات أخرى مع نهاية هذا العام.
وحوّل الإماراتيون بلدة "ذو باب" القريبة من باب المندب إلى قاعدة عسكرية يتحكمون فيها بالكامل، وهجروا جميع سكان البلدة البالغين نحو عشرة آلاف مواطن, ونقلوهم إلى خيام في منطقة صحراوية وفي ظروف قاسية, وحوّلوا مساكنهم إلى ثكنات عسكرية.
كما حوّلوا ميناء المخا إلى قاعدة عسكرية لهم, ووضعوا فيها نحو أربعمئة من قواتهم ومنعوا اليمنيين من الاقتراب منها، وأصبح الميناء حكرا عليهم تصل إليه سفنهم الحربية وإمداداتهم العسكرية.
ونتيجة لهذا الوضع، تمنع القوات الإماراتية صيد الأسماك -الذي يعتبر مصدر رزق معظم السكان- على طول الشريط الساحلي من باب المندب وحتى ميناء المخا.
إرهاب ولاد زايد
وشكل الإماراتيون قواتٍ محلية تضم مئات من أبناء الساحل الغربي من الموالين لهم بشكل كامل، ولم يتم إدراجهم أو اعتمادهم في القوات الحكومية اليمنية، وهم يشكلون -إلى جانب آخرين من أبناء الجنوب- "الحزام الأمني" الذي تشرف عليه الإمارات. ولا يجرؤ أحد في المخا على انتقاد الإماراتيين أو انتقاد الأوضاع السائدة في المنطقة، ومن يفعل ذلك يختطف ويتم التحقيق معه وينقل إلى عدن حيث تمتلك الإمارات وقوات تابعة لها سجونا سرية.
وتشير معلومات إلى أن طلبا إماراتيا قدم للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بأن تكون مديريات المخا، وذو باب، وموزع، ومقبنة، والوزاعية محافظة مستقلة عن محافظة تعز وتضم إلى إقليم عدن. احتجاز غير شرعي وتعذيب
وإذا كانت الإمارات قد حولت جزيرة "ميون" الواقعة في قلب باب المندب إلى قاعدة عسكرية دون علم الحكومة اليمنية الشرعية، فإن الكشف عن سجون سرية تديرها الامارات في اليمن، وتمارس فيها أقسى أنواع التعذيب والانتهاكات ضد اليمنيين، لا يقل خطورة، ومؤخرا كشف تحقيق استقصائي لوكالة "أسوشييتد برس"، أن الإمارات وقوات يمنية متحالفة معها أقاموا عددًا من السجون السرية في مناطق مختلفة من جنوب اليمن، حيث تم إخفاء المئات من الأشخاص وتعذيبهم، ومنهم من تم توقيفه خلال محاولات تعقب مسلحي تنظيم القاعدة، كما أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، أن الإمارات احتجزت تعسفًا وأخفت قسرًا عشرات الأشخاص خلال عمليات أمنية، لافتة إلى أنها تمول وتسلح وتدرب هذه القوات التي تحارب في الظاهر الفروع اليمنية لتنظيم القاعدة أو تنظيم «داعش».
ولفتت المنظمة إلى أن الإمارات تدير مركزَي احتجازٍ غير رسميين على الأقل، ويبدو أن مسؤوليها أمروا بالاستمرار في احتجاز الأشخاص رغم صدور أوامر بإطلاق سراحهم، وأخفوا أشخاصًا قسرًا، وأفادت تقارير بأنهم نقلوا محتجزين مهمين خارج البلاد.
ووثقت المنظمة حالات 49 شخصًا، من بينهم 4 أطفال، تعرضوا للاحتجاز التعسفي أو الإخفاء القسري في محافظتي عدنوحضرموت العام الماضي. يبدو أن قوات أمنية مدعومة من الإمارات اعتقلت أو احتجزت 38 منهم على الأقل.
ووصف سجناء سابقون، تم احتجازهم في مجمع رئيسي في مطار ريان بمدينة المكلا جنوبي اليمن، مشاهد التعذيب، مشيرين إلى أنهم كانوا يُحاصرون معصوبي العينين، بأعداد مكتظة، في حاويات شحن تم تلطيخ جدرانها بالبراز، على مدى أسابيع.
وقال هؤلاء السجناء، إنهم تعرضوا للضرب، وكانوا يُربطون على ما يشبه آلة الشواء، وعانوا حالات من الاعتداء الجنسي.
وبحسب أحد أفراد «قوات النخبة» في حضرموت، وهي قوة أمن يمنية أحدثتها دولة الإمارات، فإن القوات الأمريكية كانت، في بعض الأحيان، على بعد بضعة أمتار فقط، من أماكن الاحتجاز التي تشهد حالات التعذيب.
وقال مسؤولون بارزون في وزارة الدفاع الأمريكية، إن محققين أمريكيين متورطون في استجواب بعض المحتجزين، وهو دور لم يُعترف به سابقًا في اليمن، غير أن البنتاغون، قال إن الأميركيين غير متورطين في أي اعتداءات.
اختفاء بسجون سرية
وقد وثق التحقيق ما لا يقل عن 18 عملية احتجاز سرية في جنوب اليمن، تديرها الإمارات أو قوات يمنية أنشأتها وتدربها الدولة الخليجية، وذلك استنادًا إلى روايات محتجزين سابقين وأسر سجناء، ومحامين في مجال الحقوق المدنية، ومسؤولين يمنيين عسكريين. هذه السجون السرية، تم إنشاؤها داخل قواعد عسكرية وموانئ ومطار، وفلل خاصة وحتى داخل ملهى ليلي، بحسب التحقيق، وقال وزير الداخلية اليمني، حسين عرب، إن بعض المعتقلين نقلوا إلى قاعدة إماراتية عبر البحر الأحمر في إريتريا.
وأقر العديد من مسؤولي الدفاع الأميركيين، الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم، بأن القوات الأمريكية تشارك في استجواب المعتقلين في مواقع في اليمن، وتقترح أسئلة كي يسألها آخرون، وتتلقى محاضر استجواب من حلفاء إماراتيين.
ورغم النفي الاماراتي، فإن محامين وعائلات في اليمن التي مزقتها الحرب، يقولون إن ما يقرب من ألفي رجل قد اختفوا في السجون السرية، وهو عدد مرتفع جدًا أدى إلى احتجاجات شبه أسبوعية، من قبل عائلات تسعى إلى الحصول على معلومات عن أبناء وأخوة وآباء مفقودين.