قال الكاتب الصحفي وائل قنديل: إن الأبصار والقلوب بتونس تعلقت في انتخاباتها الرئاسية نوفمبر 2014، كفرصة أخيرة للاحتفاظ بالربيع العربي على قيد الحياة، وحلمت الجماهير بميلاد أمل جديد، في بلاد ثورة الياسمين الملهمة، وإذا كانت النتائج قد جاءت ضد الحلم العربي، ولم ينجح المنصف المرزوقي، ليذهب مقعد الرئاسة إلى الباجي السبسي، المنتمي لزمن ما قبل ثورات التغيير، فإن معسكر المؤمنين بالقيم الديمقراطية احترم ما جاءت به الصناديق. وأضاف قنديل -خلال مقاله بصحيفة "العربي الجديد" اليوم الجمعة- أن التجربة التونسية بقيت أقل جراحًا مما أصاب ثورات العرب في المشرق، موضحًا أن الربيع العربي ولد في تونس، واغتيل في مِصْر، واشتعلت به النار في اليمن وليبيا، وتعرّض للإبادة في سورية. ولفت قنديل إلى أن تونس انفردت بمسار ثوري واضح ومستقيم، فيما تعثّرت خطى الثورات في باقي دول الربيع، بعضها ضاع تحت سنابك خيول الانقلابات، وأخرى تعرّضت للوأد في المهد ولا تزال، كما هو الحال في سورية، موضحًا أن القوة الممثلة للربيع لم تُسلم الراية، وأبقت على حصةٍ معقولة لها، أو بالأحرى حصة جيدة لأحلامنا في التغيير والديمقراطية والانعتاق من الماضي، خاصة مع اندلاع الربيع في تونس مجددًا، على نحو يحمل كثيرًا من ملامح ما جرى قبل خمس سنوات، ويزدهر الغضب في شوارع المدن التونسية، بإصرارٍ على استكمال حلم التغيير، بعدما تبين للجميع أن ما طالبت به ثورة الياسمين لم يتحقق، وأن ما حصل كان إجهاضاً لأحلام الربيع، وإن كان ذلك قد تم في إطار ديمقراطي. وتابع: "يعطي الدرس التونسي الجديد إشارات ملهمة بأنه مهما بلغ الإنهاك بجمهور الثورات العربية، فإنه يبقى وفيًّا للقيم التي ثار من أجلها، وذاكرًا للتضحيات والأثمان التي دفعها، وماضيًا على طريق النضال، من أجل انتزاعها كاملة، والأهم من ذلك أن الحراك التونسي المتجدد يصفع مقاولي الانقلابات، والوكلاء الحصريين لتجارة الثورات المضادة، وكارهي الربيع العربي الذين نزلوا، بكل ثقلهم، لساحة الانتخابات الرئاسية التونسية، وفي مخيلتهم أن إسقاط المنصف المرزوقي يعني الإجهاز على الربيع العربي بشكل كامل، حيث لا تقوم له قائمة، لا في تونس، ولا في غيرها". واستدرك: "سارع الرئيس التونسي المنتخب الباجي السبسي للتعبير عن "تفهمه" الاحتجاجات المتنامية في مدن تونسية عديدة، مقرًّا بعدالة الأسباب الدافعة للغضب ومشروعيتها، وهذا جيد على مستوى الشعار، لكنه يبقى في حاجة ملحة إلى التطبيق، من خلال طريق وحيد، هو العودة الجادة، غير المراوغة، إلى مبادئ ثورة الياسمين وغاياتها، والإعلان الصريح عن كونها الإطار السياسي والأخلاقي الذي تتحرك داخله مؤسسة الحكم". واختتم مقاله: "تقول تونس، الآن، بوضوح إن الشعب لا يقبل بنصف ثورة، أو نصف ربيع، وتقدّم المثل والقدوة، مجددًا، لمن يريد تعلم درس الثورات، وهي أنها مهما تعرّضت للضربات تبقى عصية على الترويض، أو العبث بجوهرها الإنساني، وكما علّمتنا تونس الدرس الأول في الثورة، ها هي تقدم لنا الدرس الثاني في: كيف تدافع الثورات عن ذاتها ضد محاولات إغراقها في أوهام الاستقرار الكاذب".