تجسدت قلة حيلة دولة السيسي فى تلك الفرحة العارمة التى سيطرت على الأذرع الإعلامية مع تناول أخبار مظاهرات سكان منطقة أورمويا ضد ممارسات أديس أبابا، التى اعتبارها أنصار البيادة بمثابة انتصار مِصْري فى موقعة سد النهضة، فيما زاد الخبراء من الشعب بيتا وألمحوا إلى وضوح أيادي المخابرات فى تلك التحركات الشعبية. ودون الدخول فى تفصيلات الحراك الشعبي المطالب برحيل النظام أو دغدغة من اعتبرهم الإعلام معارضيين إثيوبيين لمشاعر الانقلاب بالحديث عن توقف بناء سد النهضة فورا حال نجاح المظاهرات فى الإطاحة بنظام هيلي ماريام ديسالين، والتهديد بالتصعيد لثورة مسلحة لمواجهة وحشية الشرطة المحلية فى مواجهة الغضب الشعبي. الاهتمام العسكري المبالغ فيه بتلك التحركات الشعبية فى بلد منابع النيل، وحفاوة أذرع السيسي بفتح الاتصالات على مدار الساعة مع متظاهري الأورمو، يفضح عجز الدبلوماسية المِصْرية عن الخروج من المربع صفر على مائدة التفاوض بعدما فرط قائد الانقلاب فى حق مِصْر فى مياه النيل، وأهدر حصتها التاريخية المقررة رسميا مطلع القرن الماضي بعد توقيع وثيقة الخراب. إلا أن المشاهد التى احتفت بها شاشات العسكر باعتبارها انتصارًا مِصْريًّا على أرض "العدو الأثيوبي"، جاءت لتفضح –بدورها- مستنقع الأكاذيب الذى تتغذى منه دولة الشئون المعنوية، بعد أن روجوا للشعب فنكوشًا جديدًا على أنه عبقرية مِصْرية فى إدارة المشهد مخابراتيا لتحقيق مكسب انقلابي فى مواجهة تلاعب أديس أبابا واقتراب البناء القابع على منبع النيل من الانتهاء. فنكوش الملايين وحاول الإعلام أن يجسد مظاهرات سكان المنطقة الأكثر كثافة سكانية من خلال تحليل رقمي متضارب، فتوالت أرقام الخبراء والمحليين على مختلف شاشات العسكر، لتزعم تارة أن شعب الأورمو يمثل 30% من سكان إثيوبيا قبل أن يزيد الرقم فى مزاد الشئون المعنوية إلى 45% ليصل فى النهاية إلى 60%. وعلى ضوء تلك النسبة جرى تحديد تعداد السكان بأنهم قرابة 45 مليون نسمة، ليدخل الإعلامي المقرب من الأجهزة الأمنية أحمد موسى على الخط جازمًا بأنهم 30 مليون، ثم توالى التخبط بين الأذرع حول تعداد سكان الشعب الإثيوبي، وكأن اختراع البحث على مواقع الإنترنت لم يصل بعد دولة الفهلولة والاستثمار فى سذاجة الشعب، ليصبح تارة 80 مليون ويقفز فى برنامج آخر إلى 90 مليون. فنكوش علم مصر الإعلامي الساخر أحمد الشيخ تهكم على دقة الأرقام فى شاشات الانقلاب، واعتبر أن العزاء الوحيد فيما جرى من إسهال إعلامي حول المظاهرات فى إثيوبيا هو ما رصدته العدسات من لقطات حية، تؤكد أن الثوار يحملون العلم المِصْري إلى جوار أعلام الإقليم المطالب الانفصال. ورصد الإعلام المِصْري صورًا لمتظاهرين يحملون بالفعل العلم المِصْري إلى جوار علم الأورمو، إلى أن فتح عدسات الكاميرات لكادر أوسع لم يكشف عن تلك الملايين التى ادعاها إعلام العار، فضلا عن أن وجود العلم المِصْري لم يكن فى إثيوبيا من الأساس وإنما فى قلب القاهرة وأمام مفوضية اللاجئين. وقبل أن يتباهى المنبطحون بأن رفع العلم حتى ولو من قلب القاهرة دلالة على توجهات متظاهرة الأورمو ودعمهم للموقف المِصْري فى سد النهضة، جاء توقيت تلك التظاهرات قبل عامين من الآن، وتحديدا فى يونيو 2013، قبيل انقلاب السيسي على السلطة المنتخبة، وقبل دخول دبلوماسية الفشل العسكرية وأبطال موقعة الميكرفون على خط التخبط وحصيلة الفشل، التى بدأها محلب باعتبار أن السد يحمل الخير لمِصْر، قبل أن يعترف خلفه شريف إسماعيل بأنه كارثة مائية على مِصْر. فنكوش الثورة المظاهرات التى ضربت شوارع إثيوبيا مؤخرًا وحالة الغضب المستعر هناك التى تشبه كثيرًا تلك التى تعتمل فى الداخل المِصْري قبيل ذكرى ثورة يناير، تمثل حلقة جديدة من سلسلة سجالات بين البلد الإفريقي والمتمردين أو الانفصاليين منذ سبعينيات القرن الماضي. وعلى طريقة أحمد موسي فى استعراض قوة العمليات العسكرية الروسية فى سوريا عبر لعبة فيديو جيم، استعانت نشرات الأخبار فى مختلف قنوات العسكر بلقطات حية لتلك الثورة العارمة التى قابلها النظام الإثيوبي بوحشية مفرطة وإطلاق رصاص عشوائي أودى بحياة قرابة 79 مواطنًا، وتركتهم لفترات طويلة فى الشوارع، واللافت أن السلطات التى ارتكتب فى مِصْر مجازر رابعة والنهضة والحرس وسموحة والعباسية، طالبت أديس أبابا بضبط النفس وعدم استخدام العنف. وعلى خلفية التعليق على البث الحي من مشاهد القتل فى إثيوبيا، إلا أن المشاهد لم تكن حية ولم تنقل عن تلك الثورة التى شغلت مساحات واسعة فى شاشات العسكر، وإنما جاءت لمظاهرات سابقة فى أديس أبابا تعود إلى إبريل الماضي، نقلها إعلام السيسي دون تدقيق. ثورة الأورمو التى تفجرت فى إثيوبيا لا تمثل انتصارًا مِصْريًّا بقدر ما تجسد عجزًا انقلابيًّا، يتبارك تظاهرات فى أقصى الجنوب ليداري على الفشل المتوالي فى معركة التفاوض، ويتاجر فى الأكاذيب لتسكين الشعب، وتبقى المظاهرات الإثيوبية شأن داخلي يتعلق بسحب الأراضي من سكان تلك المناطق الذين يمثلون 35% من الشعب لأغراض استثمارية، ويبقى سد النهضة دلالة على فشل العسكر، وتبقى الثورة الحقيقية على الأبواب لا لتطيح ب ديسالين ولكن لتقصي قائد الانقلاب الفاشي وعصابة العسكر.