ليس من قبيل المبالغة الحديث عن قرع طبول الحرب بين الجارين التركي والروسي، على وقع إسقاط طائرة العمليات الخاطفة "سوخوي 24" على الحدود السورية بعد تحذيرات متتالية من المقاتلات التركية، إلا أنه ورغم مساعي إزالة التوتر بين الحليفين السابقين تسارعت لهجة التصعيد من الجانبين على نحو يوحي بقادم لا تحمد عقباه. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رفض تقديم الاعتذار المشروط من فلاديمير بوتين، والذي يعتبره الأخير بمثابة الحجر الذي يحرك المياه الراكدة قبل التواصل المباشر بين الطرفين وربما يعتبره حفظًا لماء الوجه أمام الرأي العام العالمي، غير أن السلطان القابع في أنقرة دعا إلى لقاء مع نظيره الروسي على هامش قمة المناخ المقررة في باريس، من أجل إذابة الجليد الذي بدأ في التراكم على نحو متسارع في العلاقات بين البلدين. وفى الوقت الذي بدا الارتباك والتخبط هو السمة المسيطرة على صناع القرار فس موسكو بداية من نشر منظومة الدفاع الصاروخية "S 400" فس سوريا، إلى الحديث الساذج عن مزاعم التعاون الاستراتيجي بين أنقرة وتنظيم الدولة والمتمثل في صفقات نفطية، قبل التطرق الشاذ إلى مساعي النظام التركي إلى أسلمة الدولة ذات الأغلبية المسلمة، إلا أن الجانب الروسي لم يمنع الخبراء العسكريين من الحديث عن التأهب لحرب مكثفة وسريعة مع الجار قد تطور إلى معركة نووية تحول دون دعم حلف الناتو والولايات المتحدة للأتراك. أردوغان الذي بدا هادئًا على نحو مثير، حذر نظيره الروسي من "اللعب بالنار"، غير أن اللافت أنه لم يكن يهتم كثيرًا لتلك الدعاوى الروسية المتعلقة بالحرب، وإنما كان الشأن السوري هو الأصل في حواراته الأخيرة؛ حيث حذر بوتين من إبادة المعارضة المسلحة المعترف بها دوليًا تحت غطاء الرد على سقوط الطائرة أو حتى الحرب على الإرهاب، كما تهكم من موقف موسكو المفضوح لدعم بشار الأسد وإنقاذ رقبته بتجاهل ضرب "داعش" وتكثيف الهجمات في مناطق المعارضة والتركمان، وأخيرًا وبثقة أكد قدرة بلاده الرد على أي انتهاك حدودها. الروس أعلنوا ولو بشكل غير رسمي على تفاصيل معركة محتملة تتعلق بهجوم نووي محدود واحتلال للمضايق وتأليب الأكراد والأرمن، مع التهديد الفاشي بإبادة عرقية للتركمان في سوريا، غير أن أردوغان يدرك جيدًا أن التهديدات الروسية لم تعد لتخيف بعوضة، فلا بوتين هو بيرجنيف ولا روسيا الاتحادية هي ذاتها الاتحاد السوفيتي، وهو ما يمكن اكتشافه بالعين المجردة في أوكرانيا والشيشان وأذربيجان، كما أن حرب "القرم" تغيرت فيها أطراف المعادلة بدخول حلف الناتو طرفًا فاعلاً بحكم عضوية أنقرة، وهو ما يزيد من العساكر على رقعة الشطرنج. وفي الوقت الذي تسير فيه الدبلوماسية التركية على نحو واثق بتصريحات داوود أوغلو التي تدعو إلى التهدئة مع من وصفه بالحليف الروسي، وطلب أردوغان لقمة في باريس، إلا أنه يبدو أكثر ثقة في جيشه المتطور وتحالفاته الدولية، ولم يعد يبقى سوى تحديد الموقف العربي في تلك المعركة المرتقبة وإلى أي طرف ينحاز. وللحق فإن بوتين يضع يده في فم كل الأنظمة القمعية، إلا أن شعبيًا استبق الجمهور العربي الجميع لإعلان موقف كاشف، عبر هاشتاج #أنا_عربي_وأتضامن_مع_تركيا ، الذي ما لبث أن انتشر كالنار في الهشيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليصعد سريعًا إلى صدارة ال"تريندات"، ليعلن عن موقف عربي لا يقبل المساومة أو يشوبه اللبس من مساندة لا محدودة ل"السلطان العثماني الجديد". وعلى وقع مقاطع الفيديو الهادرة لمآثر الرئيس التركي منذ اعتلى كرسي الحكم في بلاده، جاء الدعم الشعبي العربي، مؤكدًا أنه كان من الأولى أن يأتي الوسم ليشمل المسلمين في شتى بقاع الدنيا؛ من أجل تأييد الرجل المتربع على قلوب الجميع لمواقفه الحاسمة التي لا تخطئها عين، فضلاً عن قيادته الحكيمة لبلده المسلم ليصبح أحد أهم أطراف معادلة القوي على الساحة العالمية. وتوالت تعليقات النشطاء على الهاشتاج الداعم؛ حيث علقت نجلاء جمال: " كل حر مع تركيا ورئيسها أردوغان"، وكتب فهد العوهلي: ضد بشار وبوتين ومن يقف خلفه إيرانيين ومتأيرنيين". وغرد حميد النعيمي: " #أنا_عربي_وأتضامن_مع_تركيا ضد روسيا التي قتلت أطفال سوريا وما زالت تفتك بالأبرياء!"، فيما علقت صاحبة حساب أم عبدالله: "#أنا_عربي_وأتضامن_مع_تركيا.. مع أهلنا في سوريا ومع أخوة الدين والإسلام في تركيا" التعليقات تطابقت في المضمون وإن اختلفت في البناء، لتنطلق حملة شعبية صريحة، مؤكدةً أن "كل المسلمين في قاطبة الأرض مع تركيا الإسلامية" يصطفون جندًا في جيش أردوغان ودون انتظار لمواقف طواغيت يرون في روسيا الحليف وفي بوتين المخلّص، ولم تنس أن توجه رسالة إلى الرئيس الروسي المرتبك: " من السلطان التركي #أردوغان إلى القيصر #بوتين كلب الروم "لا تلعب بالنار".