الأجواء الاحتفالية الكبيرة التي تشهدها مصر، الخميس المقبل، بافتتاح التفريعة الجديدة لقناة السويس، تثير مزيدا من الجدل حول استراتيجية النظام السياسي في الاعتماد على شرعية الاحتفالات، التي يظن الحاكم بها أنها تمنحه شرعية وقبولا شعبيا، فيما لا يرى جدواها وخطورتها الاقتصادية والاجتماعية إلا المراقب للشأن المصري، الذي يشهد أزمات مالية متعاظمة كفيلة بالإطاحة بحكومات وأنظمة؛ لما ترتكبه من حماقات تصل درجة الخيانة العظمى لمقدرات الشعب. في هذا الإطار، قدر مدير مركز الدراسات الاقتصادية الدكتور صلاح جودة خسائر مصر من تعطيل العمل، الخميس المقبل، بالتزامن مع افتتاح التفريعة الجديدة لقناة السويس، بأكثر من ملياري جنيه. وأكد جودة أن السماح للمواطنين بالتنقل بقطارات السكة الحديد ومترو الأنفاق ودخول عدد من الحدائق والمتنزهات مجانا، طوال هذا اليوم، سيكبد البلاد خسائر مالية تقدر بملايين الجنيهات. وأضاف- في تصريحات صحفية اليوم الثلاثاء- أن أكثر من 5 ملايين مواطن يستقلون المترو يوميا، بالإضافة إلى عدد كبير يستقلون قطارات السكة الحديد ذهابا وإيابا بين المحافظات. واعتبر موافقة مجلس الوزراء المصري على طلب وزير المالية إصدارَ صك تذكاري على شكل قطع نقدية ذهبية عيار 21، بأوزان مختلفة، تحمل شعار قناة السويس، لإهدائها لضيوف حفل افتتاح التفريعة الجديدة "إهدارا للمال العام"؛ لأن تكلفة هذه العملية تصل إلى 32 مليون دولار في دولة تعاني من عجز كبير في الموازنة، ونقص في المستشفيات والمدارس، ونسبة عالية من الفقر وتردي الأوضاع المعيشية للمواطنين. وأشار مدير مركز الدراسات الاقتصادية إلى أن ما تقوم به المحافظات حاليا من مظاهر بذخ وتكاليف من ميزانية المحافظة على حساب المواطن الفقير، تعد جريمة في حق مصر. ونبه إلى تقديم كم هائل من البلاغات، تتهم عددا من المحافظين والوزراء ب"إهدار مال الدولة بالبذخ في أفراح، نحن في غنى عنها في ظل ظروف اقتصادية صعبة تعاني منها خزينة الدولة والمواطن أيضا". وأوضح أن "تلك البلاغات لو تم الأخذ بها لكانت كفيلة بحبس أمثال هؤلاء والزجّ بهم فى غياهب السجون". ومن مظاهر إهدار المال العام، قيام وزيرة القوى العاملة ناهد عشري بالتصرف في أموال صندوق العمالة غير المنتظمة بالوزارة، لتنظيم قوافل لمشروع محور قناة السويس بملايين الجنيهات بشكل يخالف قانون العمل. تلك المظاهر من البذخ تتفاقم خطورتها في ضوء الإحصاءات الرسمية التي تشير إلى تراجع عائدات قناة السويس، بنسبة 1.3% خلال النصف الأول من العام الجاري، رغم زيادة حمولات وأعداد السفن المارة بها بحدود 6%، وذلك لانخفاض قيمة وحدة حقوق السحب الخاصة "SDR"، التي يتم بها حساب الإيرادات، والتي يعتمدها صندوق النقد الدولي. وبلغت عائدات الممر الملاحي العالمي، خلال النصف الأول من 2015 نحو 2.538 مليار دولار، بتراجع 1.3% عن عائدات القناة خلال الفترة ذاتها من 2014، والتي بلغت 2.572 مليار دولار. وقالت إحصائية الملاحة الرسمية الصادرة عن هيئة قناة السويس، إن أعداد السفن التي مرت بقناة السويس خلال الفترة من أول يناير وحتى نهاية يونيو 2015 بلغت 8.556 سفينة بزيادة 5.2% عن نفس الفترة من العام الماضي، والتي بلغت 8.133 سفينة، فيما بلغت حمولات السفن المارة نحو 488.27 مليون طن بزيادة 6.3% عن حمولات السفن المارة بالقناة بالنصف الأول من 2014. ويتضمن العمل بوحدة حقوق السحب الخاصة "SDR" أن تأخذ مصر عائداتها من قناة السويس بواقع 41.9% من عملة الدولار، و37.4% من عملة اليورو، 11.3% بالجنيه الإسترليني و9.4% بعملة الين الياباني. ومن ثم، فإن تراجع سلة العملات أمام الدولار خلال النصف الأول من العام الجاري، أدى إلى تراجع قيمة عائدات مصر من القناة، إذ تحصل مصر على 58.1% من عائدات بعملات غير الدولار. فيما تعول مصر على تفريعة قناة السويس الجديدة، المقرر افتتاحها الخميس المقبل، على مضاعفة إيرادات قناة السويس مرتين عن مستواها الحالي بحلول عام 2023، لكنَّ مراقبين يشككون في الجدوى الاقتصادية للتفريعة الجديدة؛ كون أهميتها لا تتعدى توفير ساعتين إلى ثلاث لسفن تستغرق رحلاتها في حدود 76 ساعة على الأقل. وتراجعت الحكومة المصرية عن تقديراتها بشأن إيرادات قناة السويس بعد افتتاح التفريعة الجديدة، على الرغم من أنها تتحدث عن زيادة متوقعة في الإيرادات تناهز 144%، قياسا بالعام الماضي، فإن هذه التوقعات لا تتجاوز 1.9% في موازنة البلاد للعام المالي الحالي. وبحسب خطة التنمية الاقتصادية للعام المالي الحالي، المعلن عنها منذ يومين، تستهدف الحكومة ارتفاع إيرادات قناة السويس بقيمة لا تزيد على 100 مليون دولار فقط في 2015- 2016 (عام افتتاح المشروع الجديد)، لتصل إلى 5.5 مليارات دولار، مقابل 5.4 مليارات متوقع تحقيقها بنهاية العام المالي الماضي، الذي لم تعلن بياناته النهائية بعد. واعتبرت نهال المغربل، مستشارة وزير التخطيط المصري، أن زيادة إيرادات قناة السويس بنحو 1.9% فقط أمر طبيعي، وقالت "أثر قناة السويس الجديدة سيظهر بشكل تدريجي على إيرادات القناة، كما أن الأمر يتوقف على حركة التجارة العالمية". كما تقدر الحكومة انخفاض عدد السفن العابرة من الممر الملاحي للقناة إلى 16.961 ألف سفينة خلال العام المالي الحالي، مقارنة بنحو 17.9 ألف سفينة العام الماضي، بانخفاض 939 سفينة. لكن رئيس هيئة قناة السويس مهاب مميش، قال: إن الإيرادات ستفوق 13 مليار دولار بحلول عام 2023، وذلك بعد تداول تصريحات سابقة لمسؤولين مصريين، توقعوا بأن تدر القناة على خزينة مصر 100 مليار دولار سنويا. ولعل المحدد الخارجي يبقى الأكثر تأثيرا في توقعات القناة بعد افتتاح تفريعتها الجديدة، في ضوء استمرار تراجع أسعار البترول، وتباطؤ الاقتصاد العالمي، وانخفاض حركة التجارة الدولية.. وهي العوامل التي لا تسمح بنمو كبير في إيرادات القناة، في ظل ظروف الاقتصاد العالمي المتباطئ، خاصة في آسيا وأوروبا، "وهما طرفا التجارة التي تعبر في الأساس من قناة السويس، مما سينعكس سلبا على حركة المرور في القناة. وكانت إيرادات قناة السويس سجلت نحو 47 مليار دولار خلال 10 سنوات سابقة تمتد ما بين الأعوام المالية 2004/2005 – 2013/2014، بمتوسط بلغ 4.7 مليار دولار سنويًا، بحسب ما أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، اليوم الثلاثاء. وأضاف الجهاز، في بيان أصدره، أن إيرادات قناة السويس سجلت أدنى مستوياتها للعام المالي 2004/2005 بنحو 3.3 مليار دولار، بينما سجلت أعلى مستوياتها في العام المالي 2009/2010 بنحو 5.5 مليار دولار.
وبلغ إجمالي عدد السفن العابرة لقناة السويس نحو 182.3 ألف سفينة خلال العشر سنوات المذكورة، مِنها نحو 16.7 ألف سفينة خلال عام 2013/2014، حسب بيان الجهاز المركزي. وسجلت الحمولة الصافية للسفن العابرة لقناة السويس نحو 8.3 مليار طن خلال السنوات العشر، مِنها نحو 931 مليون طن خلال عام 2013/2014.