لم يكن التقرير الذي نشرته جريدة "المصري اليوم" الموالية للانقلاب -أمس، تحت عنوان (الشرطة شهداء وخطايا.. ثقوب في بدلة الميري)، والذي أثار غضب داخلية الانقلاب، ودفعها لنشر بيان عبر صفحتها عبر فيس بوك، تشكك فيه في مصداقية الصحيفة التي لم تتوانَ يوما عن مساندة الانقلاب وتبرير جرائمه- إلا نموذجًا جديدًا يكشف حجم الصراع بين أجنجة سلطة الانقلاب، والتي تعددت صوره في الشهور الأخيرة بصورة كشفت أمام الجميع مدى ارتباك النظام الانقلابي، وعجزه عن لملمة الوضع المتفاقم سوءا، رغم الدعم الغربي والعربي الهائل الذي يحظى به على الصعيدين السياسي والاقتصادي. وسبق تقرير جريدة المصري اليوم ملف أوسع لجريدة الشروق الموالية للانقلاب، يكشف في طياته بعض ملامح هذا الصراع؛ حيث نشرت الجريدة ملفًا على ثلاث صفحات منتقدة سياسية داخلية الانقلاب، كاشفة عن حجم انتهاكات وتجاوزات الشرطة في السجون". فيما كشفت مصادر صحفية من داخل الجريدة، عن سر هجوم صحيفة الدستور على وزارة الداخلية، وتغيير السياسية التحريرية للجريدة في يوم وليلة. وقالت المصادر إن جورج نجل رضا إدوارد رئيس مجلس إدارة جريدة الدستور أوقفته أحد الأكمنة الأمنية بمصر الجديدة، وحدثت مشادة بينه وبين ضابط الكمين، فصفع نجل رضا إدوارد ضابط الكمين على وجهه. وقامت الشرطة بحبسه، وخرج جورج بعد اتصالات والده من قسم الشرطة ب4 ساعات، وطالب إدوارد وزير داخلية الانقلاب بتقديم الاعتذار هاتفيا، وإلا سينشر كل ما لديه من ملفات تجاوزاتهم وانتهاكاتهم وفسادهم، لكن الوزير لم يعتذر. التسريبات كانت التسريبات المتعددة التي نشرتها قناة مكملين الفضائية وغيرها من الفضائيات الداعمة للشرعية أكثر الضربات الموجعة التي زادت من حدة الانقسام والصراع داخل أروقة الانقلاب العسكري، فقد خلصت تحليلات الخبراء إلى أن اختراق الدائرة المقربة من عبد الفتاح السيسي، وتسريب بعض المقاطع الصوتية المسجلة لحديث دار بينه وبين بعض معاونيه، يمثل في حد ذاته دليلًا كاشفًا على التذمر الذي بدأ يتسع في صفوف المؤسستين العسكرية والأمنية بسبب ضبابية المشهد السياسي في البلاد، الأمر الذي ولد صراعات قوية داخل أجنحة السلطة، وظهور أطراف ترغب في إضعاف موقف السيسي وتسديد ضربات قوية له عن طريق نشر تلك التسجيلات. كما كانت الإطاحة برئيس المخابرات العامة اللواء محمد التهامي وإعفاؤه من منصبه، أحد القرائن القوية على احتدام هذا الصراع داخل أروقة الانقلاب. صراع الانقلاب والفلول بجانب صراع المنقلبيين على الانقلاب بدا صراع آخر، وهو صراع رموز نظام مبارك أحد الدعائم الرئيسية التى اعتمد عليها السيسي وبين نظام قائد الانقلاب نفسه، وتمثلت أكبر مظاهر هذا الصراع في الإعداد لهزلية انتخابات البرلمان القادمة، والتي يخشى فيها جناح السيسي من تسرب عناصر لا تدعمه فيها، ومن ثم بدأت تتعالى الأصوات التي تطالب بتعديل دستور 2014 الانقلابي لكي يعطوا السيسي المزيد من الصلاحيات بما يضمن له عدم انقلاب فلول مبارك عليه؛ لأنه يعرف أنهم أيدوه، لكن ولاءهم ليس له وإنما لمصالحهم ولمصالح شبكة علاقات السلطة والثروة والفساد التي يمثلونها. فى هذا السياق، كتب الدكتور محمد محسوب -وزير الدولة للشئون القانونية في حكومة الدكتور هشام قنديل- تغريدة مؤخرًا عبر صفحته على فيس بوك قائلاً: "يبدو أن الواقع أثبت أن بين الجناح العسكري والجناح المدبج بالمال والمصالح خلافات جذرية.. وأن كافة محاولاتهم لاقتسام السلطة والثروة لم تُفلح حتى الآن، لحجم الجشع الذي يتسم به الفريقان.. الانقلاب يُراوغ لتأخير الانتخابات البرلمانية التي ستتنافس فيها أجنحته فقط، أما غيرهم فسيكونون كالإطار الملون الفارغ لتزيين الحفل لكن في النهاية عليه أن يُجريها، لاستحقاقات دولية وداخلية تتعلق بضرورة توفير شكل ديمقراطي أجوف لجوهر دكتاتوري دموي.. ليس أمامه سوى طريقين: الأول: هزلي، لكنه الأكثر أمانا للجناح العسكري الذي قتل آلافا من أبناء شعبه، وذلك بأن يدفع حزب المؤسسة العسكرية لينزل بثقله في الانتخابات ليشغل غالبية مقاعده، فهذا هو التيار الوحيد الذي يأمن له ويأنس به.. ومن ثم نكون أمام مجلس نواب بالرتب العسكرية.. والثاني: هو ما يفكر فيه ودعاه له عرّاب انقلابه بأن يقوم بانقلاب جديد على نظام مبارك.. وهذه المرة هو لا يحتاج إلى دباباته وإنما لبعض أبواقه لتزيين الذهاب لاقتراع على الدستور تحت أي دعاوى يليها بعدئذ الذهاب لانتخابات برلمان يضمن أنه منزوع القدرة على منافسته في التفرد باستنزاف الضحية.. وهي الوطن وشعبه.. ومن ثم يكون الجناح العسكري قد حسم نزاعه مع جناح المال والأعمال.