منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية عام 1979 ومصر تعانى فراغا أمنيا غير مسبوق فى شبه جزيرة سيناء، أدى لتكرار الحوادث والهجمات الإرهابية، بسبب انتشار البؤر الإجرامية، وسيطرة العناصر المتطرفة على بعض المناطق الحيوية، وقيامها بشن هجمات متفرقة وزعزعة الأمن والاستقرار فى سيناء، واستخدام الفراغ الأمنى وسيلة للاتجار فى المخدرات والسلاح، بشكل أضر بشكل الدولة المصرية، وأظهرها بمظهر العاجز عن بسط سيادتها وهيمنتها على منطقة حيوية من أرض الوطن، لدرجة وصلت لتمكن الكيان الصهيونى من معرفة مواعيد الهجمات الإرهابية فى سيناء قبل جهاز المخابرات العامة المصرية، مما حدا برئيس الجمهورية الجديد الدكتور محمد مرسى، إلى أن يدفع بالجيش المصرى لإعادة الانتشار الأمنى فى سيناء عقب هجمات رفح الإرهابية التى راح ضحيتها 16 جنديا وضابطا مصريا، لاستعادة الأمن المفقود، والقضاء على مكامن الخطر والإرهاب المنتشرة فى شبه الجزيرة. وقد أدت عملية الانتشار الجديدة للجيش المصرى فى سيناء، لإثارة الذعر الصهيونى، ودفعه لمطالبة الولاياتالمتحدةالأمريكية بالضغط على الدكتور مرسى، لسحب الجيش المصرى من المنطقتين "ج" و"د"، والالتزام ببنود اتفاقية كامب ديفيد معاهدة السلام الموقعة من قبل الطرفين، والتنسيق مع الحكومة الصهيونية، إذا أصر الجيش المصرى على البقاء لمدة معينة فى سيناء حتى ينتهى من عمليته العسكرية الحالية التى تستهدف استعادة الكرامة المصرية، والثأر لجنود وضباط مصر البواسل الذين قتلتهم يد الغدر. وتأتى تلك المطالب على الرغم من قيام الحكومة الصهيونية عقب نجاح الدكتور مرسى فى الانتخابات الرئاسية بالتساؤل المستمر عن مدى إستطاعة الرئيس الجديد ضبط الحدود المصرية الإسرائيلية، والقضاء على الهجرة غير الشرعية التى تتم عبر الحدود، ومنع عمليات التهريب المستمرة من وإلى إسرائيل وقطاع غزة، غير أنه بعد نجاح الدكتور مرسى فى استعادة السيطرة على شبه جزيرة سيناء، واقترابه من تحقيق الأمن بشكل كامل، تخشى الحكومة الصهيونية من خسارة المسرح الكبير الذى كان يتركه لها النظام السابق لتعيث فيه فسادا، وتستخدمه بمنتهى السهولة لتوتير الأمن القومى المصرى، والضغط على النظام فى القاهرة لتحقيق أهدافهم الخاصة فى مصر وفلسطين. وتمثل عملية الانتشار الأمنى الجديد فى سيناء مسألة فى غاية الأهمية؛ لأنها لا تسهم فقط فى تحقيق الأمن القومى المصرى، واستعادة السيطرة على شبه جزيرة سيناء، وإنما تحقق كذلك المصلحة الصهيونية؛ لأنها تساعد مصر فى ضبط الحدود المشتركة، ومنع حدوث أى تهديدات للكيان الصهيونى انطلاقا من مصر، ليس هذا فقط، بل تساعد فى فك الحصار الغاشم المفروض على قطاع غزة، من خلال فتح معبر رفح بشكل دائم على الجانبين، وقيام حركة المقاومة الإسلامية حماس بغلق الأنفاق ومنع عمليات التهريب غير الشرعية من وإلى مصر، وهذا ما عجز عنه النظام السابق، والكيان الصهيونى الذى كان يقوم بعمل جدار حديدى يفصل بين مصر وغزة. ولا يتعارض ذلك مع اتفاقية كامب ديفيد، إذ نصت الاتفاقية على أن من حق مصر بسط سيادتها على كامل حدودها فى شبه جزيرة سيناء، ولم تمثل عملية إعادة الانتشار المحدودة أى تهديد للكيان الصهيونى، خاصة أن ما تقوم به القوات المصرية الآن تقوم به القوات الصهيونية بشكل مستمر، وهذا ما مكّنها من قنص الإرهابيين الذين قاموا بهجمات رفح بمجرد اقترابهم من الحدود، من خلال طائرات المراقبة والطائرات الحربية والدبابات والآليات العسكرية المختلفة المنتشرة على الحدود الإسرائيلية المصرية. لذلك ليس من مصلحة مصر ولا إسرائيل فى هذا الوقت العصيب الذى تمر به المنطقة، سحب القوات المصرية من شبه جزيرة سيناء، وتركها مرتعا للإرهابيين والعناصر الإجرامية التى تتحين الفرصة لاستعادة مواقعها المختلفة فى سيناء من جديد، والعودة لإثارة الرعب وتهديد أمن واستقرار الوطن، والإضرار بمصالحه الاقتصادية والاجتماعية فى تلك المنطقة من جديد. وبذلك يكون ما قام به الجيش المصرى كأن لم يكن، إذ لن نبقى طويلا حتى نسمع مرة أخرى عن هجمات جديدة فى رفح وغيرها من الأماكن الحساسة فى شبه جزيرة سيناء، وتحميل مسئولية ذلك للرئيس المنتخب، الذى يتحمل عبء توفير الأمن والأمان لمواطنيه فى مناطق الجمهورية المختلفة. لذلك يتعين على الدكتور محمد مرسى والحكومة الجديدة التفاوض من جديد مع الحكومة الإسرائيلية لتعديل بعض بنود اتفاقية كامب ديفيد، بشكل يعطى لمصر الحق فى بسط سيادتها وسيطرتها على شبه جزيرة سيناء، بشكل يمكنها من تحقيق الأمن والقضاء على التهديدات المختلفة التى يسببها لها الإرهابيون والمتطرفون بين الحين والآخر، وفى ذلك مصلحة للجميع، ولن تمانع الحكومة الإسرائيلية فى ذلك، ما دمنا نضمن لها تحقيق الأمن على الحدود. [email protected]