تتواصل حكايات المعذبين من أهالي المفقودين منذ ثورة يناير وحتى مذبحة رابعة العدوية وما بعده، فهو الملف الأكثر حزنا في جبين الثورة المصرية، والذي ما زال يراوح مكانه، في ظل عدم الحصول على معلومة موثقة، ودولة لا تسعى للملمة جراح المكلومين من أهالي. جثة بلا رأس ولا يد مأساة جديدة لوالدة المختطف حسن سطوحي، قصص مفقودي ثورة يناير تمثل لدي البعض مثالا للأمل المنشود ونموذجا من الإصرار على الحق حتي النهاية، من جانبها الحاجة "زكية حسن" والدة المتغيب "حسن يوسف سطوحي" 37 عاما، متزوج وله ثلاثة بنات، أكبرهن في الصف الثاني الابتدائي، أما الصغرى فقد ولدت بعد اختفاء والدها بخمسة أشهر، أي أنه لم يرها وهي لا تعرفه حتى الآن. تقول "الحاجة زكية": "في يوم 29 يناير 2011 اتجه "حسن" إلى ورشة الحدادة التي يعمل بها "صنايعي" بسيط، ذهب مضطرا ليتقاضى أجره عن بعض أعماله كان في حاجة شديدة إلى أن يأتي بها، تقع الورشة عند منطقة المريوطية، أي تبعد كثيرا عن منطقة التحرير؛ حيث الأحداث والمظاهرات، وبعد خروجه بقليل قالوا إن السجون قد فٌتحت وإن الشوارع مليئة بالبلطجية والمجرمين، هرعنا خلفه لنلحق به فلم نجده..". تسترسل الحاجة "زكية" وتحكي عن قصة بحثها التي أكدت أنها شملت الكثير من المستشفيات والسجون وكافة المناطق التي ظنتها تابعة للشرطة؛ حيث رأت بفهمها أن قوات الشرطة هي التي قد ألقت القبض على ابنها عن طريق الخطأ، ومع ذلك فقد أحالتها قوات الشرطة إلى قوات الجيش، ونصحوها بأن تذهب للبحث في أماكن المخابرات الحربية والسجون العسكرية. تتابع الحاجة "زكية" حكايتها، وتقول: "ذهبت وأعطيت اسم ابني للرجل الذي يعتلي الدبابة في مدينة نصر، وطلبت منه أن يبحث لي عنه، لكنه لم يجده بالداخل". تضيف: "ذهبت إلى كوبري القبة، العباسية، وزارة الدفاع، أبو زعبل المدني، أبو زعبل الحربي، طره، الوادي الجديد، أسيوط، السويس، الحربي في طريق الإسماعيلة، لم أترك أي مكان.. ومع ذلك لم أجده.. اتجهت بعد هذا إلى عمل محاضر في الأقسام والنيابات وفي وزارة الداخلية ومجلس الوزراء وعند النائب العام، وفي كل مرة يقولون لي: "ربنا يعترك فيه!!". تتجلى مأساة الحاجة زكية بعد أن يأتيها نبأ عن العثور على جثمان ربما يكون لابنها، وبين قلق وترقب وخوف وألم، تؤكد الحاجة "زكية" لمن أبلغها أن ابنها له علامات مميزة في يده ورأسه، فتأتيها الإجابة بأن الجثمان بلا يد ولا رأس بل أكلته الذئاب، وهنا تنفي زوجته أن يكون الجثمان لزوجها، خاصة أن ملابس الجثمان تختلف عن الملابس التي خرج بها زوجها عند تغيبه. وعن مطالبها تضيف: "أريد من كل مسئول أيا ما كان أن يتحرك ليدلني علي مكان ابني، فإذا كان متوفي لن نعترض علي قضاء الله، وإذا كان مسجونا نعرف أين هو سجنه لنطمئن عليه، فزوجة ابني المتغيب تجلس معي الآن لأن أبيها وأمها متوفيين، وهي لا تعمل بل أجلس أنا وهي في محل صغير نبيع فيه بعض الحلوي للأطفال ونعيش على ما تيسر أنا وهي وبنات ابني الصغيرات". تتابع: "لا أتمنى من الله سوى أن يعود لي ابني، وأراه يدخل ويخرج أمامي، ويربي هو بناته الأطفال وينفق عليهن، فقد بت أفتح الباب ليلا وأظن ابني عاد أمامي، في حين أني كنت أحتضن الهواء لا أكثر حتى ذهبوا بي إلى طبيب أعصاب، فقد كدت أٌجن مما يحدث، من المؤكد أن المسئولين إذا غاب عنهم أحد أطفالهم ولو ساعتين فإنهم سيقلبون الدنيا ولا يقعدوها، فلهم أن يضعوا أنفسهم مكاني، وأنا لا أعرف شيئا عن ابني منذ أربعة سنوات، فماذا أفعل..!!". أربع سنوات من البحث دون جدوى وفي إطار البحث مفقودي ثورة يناير أيضا، تذكر الحاجة "صباح عبد الفتاح" قصة بحثها عن نجلها فتقول:" ابني المفقود هو "محمد صديق توفيق-27 عاما" تخرج في كلية التجارة الخارجية، خرج مثل غيره من شباب ثورة يناير، وفي يوم جمعة الغضب انقطع الاتصال به تماما، وظننت هذا في البداية، لأعطال التليفونات التي عانى منها الجميع في هذا اليوم، وظللت أنتظره كي يعود ولكنه لم يعد". وتضيف "في اليوم التالي بدأت رحلة البحث عنه في كل مكان، أخذت صورته معي وذهبت للميدان، ومنه إلى كافة المستشفيات التي أرشدوني لها، كنت أبحث بنفسي ولا أكتفي بسجلات ودفاتر، وكنت أبحث بين الجثامين والمتوفيين، وفي الرعاية المركزة، وبين كافة أسرة المرضي أنظر لكل الوجوه فربما أري أنا ابني الذي يدّعون أنه مفقود!!، اتجهت بعد ذلك إلي السجون سواء المدنية أو العسكرية والنتيجة واحدة "غير موجود". ثم حدثت مفاجأة في يوم التنحي حيث جربت الاتصال برقم هاتف ابني فوجدته يعطي رنينا، وفي المرة الثالثة تقريبا أجاب "محمد"، وقال لي:"أيوة يا أمي أنا محمد"، ويبدو أنه كان في سيارة مزدحمة بشدة، ثم فوجئت بمن أخذ منه الهاتف وصار يقذفني بألفاظ نابية.. بعدها بأشهر أيضا اتصلت برقم ابني نفسه فرد شخص وادعى أنه اشتري الخط، فذهبت إلى شركة التليفونات لأن الخط باسمي، فوجدت الخط كما كان ما زال باسمي، فاتصلت به ثانية وأقسمت عليه أن يقول لي أين وجد الخط، فقال أنه وجده في الجبل الأحمر ولكن دون الجهاز. وبالفعل ذهبت إلى الجبل الأحمر ووجدت هناك معسكرا للأمن المركزي، وأخذت في التقصي والسؤال فأخبرني البعض أنه بالفعل كان هناك معتقلون كثيرون من أحداث الثورة، لكن تم ترحيلهم ولا يعرفون إلي أين!!". تتابع: "بعد أن كان الأمل قد تجدد إلا أن "محمد" لم يعد، وبدأت رحلة البحث مرة أخرى في المعتقلات والسجون، وقد أكد لي أحد الأشخاص بشكل ودي من داخل الجهات الأمنية أن اسم ابني موجود لديهم بالفعل، وأنه قد تم تسليمه في السجن الحربي، ومع ذلك نذهب إلى هناك نريد فقط أن نتأكد من وجود الاسم، في حين أنهم ينفون تماما وجوده. اتجهت بعدها إلى البحث في سجون الشرطة، فأخبروني أن مثل تلك الحالات لا بد أن تكون موجودة في سجن "الوادي الجديد"، وبالفعل ذهبت إلي هناك رغم مشقة السفر، وهناك رفعوا علينا السلاح لأننا وصلنا إلى هناك فجرا، ومع كل تلك الصعوبات إلا أني لم أجده. ومن الوادي الجديد، إلي وادي النطرون، إلي برج العرب، المقطم، أبي زعبل، الفيوم، وهكذا استمر البحث في كافة السجون والمعتقلات، أتعلق بأي خيط للأمل وأطير سفرا أبحث خلفه، وأستمر في هذه الرحلة منذ 4 سنوات وحتى الآن..". ولأن الرحلة مستمرة منذ أربع سنوات فقد صادفت فيها الحاجة "صباح" الكثير من المفاجآت تقول: "بتاريخ 30 مايو 2011 استضافنا "عمرو أديب" في احدي الفضائيات، وكان معي أهالي لاثنين أيضا من المفقودين، وبعدها عثر هؤلاء الأهالي على أبناءهم، أحدهم وجد ابنه ملقى في منطقة "الدويقة"، ولكنه وجده فاقدا للذاكرة، ومن ثم لم يستطع أن يساعدني بأية معلومة توصلني إلي ابني، أما الثاني فقد ادعى أنه ابنه عقب خروجه سافر خارج مصر، ويخشى تماما التواصل معي أو إعطائي أية معلومات تفيدني". وتفجر "الحاجة صباح" ما تؤكد أنه رقم حقيقي للمفقودين في أحداث ثورة يناير وحدها وما تبعها من أحداث لأشهر عدة، فتؤكد أن رقم هؤلاء المفقودين هو 3400 شخص بينهم 400 فتاة وسيدة، وتشدد على أن هذا الرقم قد أبلغها به أكثر من جهة -وبالتحديد ثلاثة مسئولين من الداخلية- ممن تواصلت معها في رحلة بحثها عن ابنها. وتؤكد أن المرة الأخيرة التي ذُكر أمامها هذا الرقم كان في شهر يونيو 2014 الماضي أي منذ ثلاثة أشهر فقط. وتضيف: "في رحلة البحث تلك تواصلت مع العديد من الأسر حالهم مثلي تماما، لهم أبناء أو أهل مختفيين منذ ثورة يناير، ولأشد ما أفجعني أني أجد من بين هؤلاء المفقودين فتيات، وقد رأيت بعيني في مكتب النائب العام أما تبحث عن ابنتها الطالبة الجامعية التي خرجت منذ أربعة سنوات ولم تعد إلي الآن، وللأسف رأيت مثلها ثلاث حالات تبحث أيضا عن فتيات في السجن الحربي". وتتابع "منذ عام ونصف علمنا أن أحد الجيران عاد له ابنه المفقود أيضا منذ ثورة يناير، في حين أنه عاد وكأنه مريض نفسي لا يطيق الكلام مع أحد ولا يريد أن يرى أحدا، وهناك آخر أيضا ممن كانوا يبحثون وبعد فقدهم الأمل حتى أنهم نصبوا صوانا وتقبلوا العزاء في ابنهم إلا أنه عاد لهم بعد عامين أي في رمضان قبل الماضي، ومع هذا فأمثال هؤلاء يرفضون الحديث ولا يريدون أن يوقفونا على أية معلومات تفيدنا خشية على أبنائهم. في حين أن أحد الشباب الذين خرجوا تحدث مع أمه وأبلغتني على لسانه أنه أقسم لها بالله أنه لم يكن يعلم أين هو، فالمكان مظلم تماما، من تحته طابق به معتقلين، وفوقه طابق كذلك، حينما كانوا يحضرون لهم الطعام كانوا يلبسونهم أكياسا سوداء على وجوههم، وأكد أنه عند خروجه تقريبا كانت المسافة بينه وبين قسم أول مدينة نصر ساعة ونصف". وتتابع: "من بين الحالات التي تابعت أيضا خروجها كانت أربعة فتيات كان اختطافهم في مكان ما في أسيوط". وتختتم الحاجة صباح حديثها، وتسأل:"هل لديكم علم بأية أماكن أخرى حتى أذهب أبحث فيها؟؟".