أحدث الأداء البطولي للمقاومة الفلسطينية خلال العدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزة تغييرا كبيرا في معادلة الصراع مع الاحتلال، خاصة في ظل التغيير النوعي لقدرات المقاومة والتي استطاعت إحداث حالة نزوح جماعي لآلاف المستوطنين الصهاينة، وفرض حصار على الأماكن الحيوية في الكيان لاسيما "مطار بن غوريون"، في المقابل تشهد حالة الاستيطان تمددا في الضفة الغربية في ظل النهج التفاوضي للسلطة. تمثلت حالة التغيير في معادلة الصراع في حالة الهجرة الجماعية لسكان مستوطنات جنوب الأراضي المحتلة، والمعروفة بغلاف غزة، هربا من صواريخ المقاومة التي حولت مستوطناتهم لأشباح طيلة خمسين يوما خلال معركة "العصف المأكول".
وسائل الإعلام العبرية كشفت عن قيام عائلات كاملة بالبدء هجرة فعلية من غلاف غزة، حيث أفاد موقع "واللا" الإخباري، أن سبع عائلات على الأقل تستوطن في "كيبوتس" ناحل عوز المحاذي لقطاع غزة، قررت بشكل نهائي مغادرة المنطقة بلا رجعة والانتقال للعيش في مناطق أكثر بعداً عن تهديد صواريخ المقاومة الفلسطينية.
مغادرة بلا عودة
وأوضح الموقع العبري، أن العائلات المغادرة بشكل نهائي تعتبر من أقدم العائلات التي تقطن الكيبوتس، وهم يشعرون أن كل الخيارات قد أغلقت في وجوههم، ويقولون أنهم صمدوا لسنوات طويلة تحت تهديد الصواريخ إلا أن الخوف من تجدد القتال ومقتل الفتى الصهيوني في الكيبوتس خلال الحرب على غزة بقذيفة هاون دفعنا إلى اتخاذ قرار المغادرة.
وقال أحد سكان الكيبوتس: إن "الساحات الخضراء وجمال المنطقة هي من دفعتنا للعودة، ومع ذلك نحن حقائبنا مجهزة للمغادرة في أي لحظة في حال تجدد القتال وإطلاق قذائف الهاون على الكيبوتس".
وأضاف: "لقد هربنا من الكيبوتس لمدة 50 يوما، وتنقلنا من مكان إلى آخر هرباً من حالة الجحيم التي مرت علينا، ولقد فكرت أنا والكثير بالعودة إلى الكيبوتس خلال الحرب، ولكن مقتل الفتى الصهيوني قلب كل الأوراق".
وقال مستوطن آخر يقطن الكيبوتس: إن "الخوف من تجدد القتال لم يغب عنا وهو يلازمنا طيلة الوقت، ومن المؤكد لدينا أننا ننتظر للمغادرة مجدداً. لكن السؤال هو متى؟ ونحن لا نشعر أنه تم إنجاز شيء ما لفترة طويلة جداً، ما تم هو فقط الوصول إلى اتفاق وقف لإطلاق النار، وهذا ليس أمراً يمكن أن يضمن بقاء الهدوء لفترة طويلة".
حالة الرعب من تطور المقاومة الفلسطينية، أظهرها استطلاع للرأي أجرته القناة العبرية الثانية والذي أظهر أن (30%) من الصهاينة يدرسون بجدية الهجرة من "إسرائيل" حال أتيحت لهم الفرصة ذلك في أعقاب الحرب على غزة.
وقالت القناة إنها بادرت لإجراء هذا الاستطلاع بعد أكثر من 10 أيام على انتهاء الحرب لتعرف تداعياتها على قدرة تحمل الجمهور، حيث بدت الصورة قاتمة فلم يعد ترك "إسرائيل" خيانة وطنية كما كانت توصف سابقاً بل فرصة أخرى للحياة.
وأجرت القناة لقاءات مع صهاينة هاجروا إلى دول أوروبية أعربوا فيها عن سعادتهم بهجرتهم من "إسرائيل" وأنه لا يمكن أن يكون الخوف والتوتر والضيق الاقتصادي قدرهم إلى الأبد، فيما سعى بعضهم لتنظيم حملات هجرة جماعية.
وتطرقت القناة لأغنية عبرية جديدة بعنوان "برلين" والتي يدعو أصحابها إلى الهجرة من "إسرائيل" إلى برلين في العام 2014 بدل الهجرة المعاكسة التي شهدتها برلين إبان الحرب العالمية الثانية.
وجاء في كلمات الأغنية أن أجداد اليهود قدموا ل"إسرائيل" ليس حباً للصهيونية بل خوفاً من الموت على يد النازية في حين انعكست الآية اليوم فالهجرة من "إسرائيل" لبرلين تأتي خوفاً من الموت أيضاً.
كما أظهر الاستطلاع أن (64%) من الصهاينة غيروا نظرتهم لمن يرغب في الهجرة، فلم تعد تلك النظرة سلبية كما كانت في الماضي في حين بقيت هذه النظرة لدى (36%) فقط من الصهاينة.
حرب بطبيعة مختلفة
يقول الدكتور عصام عدوان, رئيس دائرة شؤون اللاجئين في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في مقال له اليوم: "إن الحرب على غزة في عام 2014م كانت ذات طبيعة مختلفة؛ حيث طالت صواريخ المقاومة معظم المدن الإسرائيلية وبعض مستوطنات الضفة الغربية أيضاً، وقد تعرَّض مستوطنو غلاف غزة لعملية نزوح طوعي إلى مناطق بعيدة نسبياً داخل إسرائيل أملاً في النجاة من صواريخ المقاومة، ومن الأنفاق الهجومية التي قدّروا إمكانية تسلل المقاومين إليهم عبرها، لكنهم فوجئوا بأن صواريخ المقاومة لحقت بهم إلى أبعد مدى في إسرائيل، لم تعد حياة المستوطنين في إسرائيل آمنة، سواء استوطنوا جنوبها أو شمالها أو أي منطقة فيها".
وأوضح أن تداعيات ذلك سوف تكشف عنها الشهور القادمة، وستسفر عن تراجع أعداد المستوطنين في غلاف غزة، ليس فقط لأن بعضهم سيقرر الانتقال إلى مناطق بعيدة عن غزة، بل ولأن بعضهم سيقرر الهجرة التامة من "إسرائيل" إلى موطنه الأصلي خارجها، لافتا إلى أن الحرب " أقنعت كثيراً من المستثمرين اليهود بألا مستقبل اقتصادي لاستثمارهم في فلسطين، ومع رحيل هؤلاء وسحب استثماراتهم، ستتأثر الأوضاع الاقتصادية للعدو، الأمر الذي ينعكس على تراجع الاستيطان وتراجع الهجرة معاً". استيطان يتمدد بالضفة
في المقابل، أثبت النهج التفاوضي للسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس فشله في تحقيق أي انتصار للشعب الفلسطيني، خاصة في ظل التمدد والتغول الاستيطاني الذي يمارسه الاحتلال بشكل غير مسبوق في الضفة الغربيةالمحتلةوالقدس، حيث ذكر المكتب الوطني في تقريره الأسبوعي الصادر اليوم السبت (6-9)، إنه في أكبر عملية سطو وسرقة لأراضي الفلسطينيين منذ أكثر من (20عاما)، أعلن الكيان الصهيوني عن مصادرة نحو (4000) دونم من أراضي حوسان ونحالين ووادي فوكين وصوريف الواقعة غربي كتلة مستوطنات "غوش عتصيون" قرب بيت لحم، باعتبارها "أملاكا عامة" بناء على أمر أصدرته الإدارة المدنية التي يديرها جيش الاحتلال، والهدف هو تحويل المنطقة إلى مستوطنة دائمة، وتغيير لواقع المنطقة. واعتبر التقرير أن قرار المصادرة هو ترجمة عملية لسياسات حكومة اليمين المتطرفة التي يتزعمها بنيامين نتنياهو، والمتمثلة في نهب الأراضي وتوسيع المستوطنات وفرض حلول ورسم حدود وفقا لمخططاتها الاستيطانية الاستعمارية.
ولم تكتف الحكومة الصهيونية بذلك، فأعلنت ايضا عن مصادرة أراضي مواطنين فلسطينيين من أراضي قريتي الشيوخ وسعير قضاء الخليل، وإعطاء بلدية الاحتلال الضوء الأخضر لبناء 2200 مسكن في حي الصواري في مدينة القدس، ومصادقة لجنة التخطيط والبناء على عطاء لبناء 283 وحدة استيطانية في مستوطنة "القنا" المقامة على أراضي أهالي قرية مسحة بمحافظة قلقيلية، وتدشين حي استيطاني جديد وسط مستوطنة "هار براخا" المقامة على اراضي محافظة نابلس.
ارتفاع ميزانية الاستيطان 600 %
يتزامن ذلك مع ارتفاع ميزانية دائرة الاستيطان الحكومية الصهيونية بنسبة 600% خلال شهور قليلة هذا العام، حيث تم رصد الغالبية الساحقة من هذه الميزانية للمستوطنات في الضفة الغربية.
وقد أثار هذا الأمر غضب سكان منطقة جنوب الكيان الصهيوني التي تماطل الحكومة الصهيونية في الاستجابة إلى مطالبهم بالتعويض على الأضرار التي لحقت بهم خلال الحرب العدوانية على قطاع غزة.
وذكر تقرير لصحيفة "كلكليست" الاقتصادية التابعة لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية اليوم الجمعة أن ميزانية دائرة الاستيطان في العام الحالي بدأت بمبلغ 58 مليون شيقل، وارتفعت ليصبح حجمها الآن 404 ملايين شيقل.
وقالت الصحيفة إن ارتفاع حجم هذه الميزانية تم على مرحلتين ومن خلال قرارات اتخذتها لجنة المالية في الكنيست، التي يرأسها عضو الكنيست نيسان سلوميانسكي، وهو أحد أبرز قادة المستوطنين.
وتبين من تحقيق أجرته "كلكليست" أن لجنة المالية صادقت في مارس الماضي على تحويل مبلغ 177 مليون شيقل إلى دائرة الاستيطان، وبعد ذلك في شهر يونيو صادقت اللجنة على تحويل مبلغ 169 مليون شيقل إلى الدائرة.
وأوضحت الصحيفة أن مصدر معظم الأموال التي يجري تحويلها إلى دائرة الاستيطان وزارتا الأمن والإسكان، وأن ميزانيات المستوطنات "مخبأة في ميزانيتي الوزارتين". ويرى المراقبون أن النهج التفاوضي للسلطة والتنسيق الأمني المستمر مع الاحتلال الصهيوني في الضفة هو السبب الرئيس للتغول الاستيطاني في الضفة في ظل ضرب إسرائيل بكافة القوانين الدولية عرض الحائط، مطالبين السلطة بتغيير استراتيجيتها في التعامل مع الاحتلال.