أكد المفكر والباحث السياسي د. رفيق حبيب أنه مع عملية تفكك الكتل المؤيدة للنظام السابق، وانتهاء الخصومة بين كتل في المجتمع والقوى الإسلامية، تبدأ مرحلة توسع مهمة للتيار السائد، صاحب التوجه الإسلامي، حيث يتمدد هذا التيار إلى نسبة تصل إلى 75%، بسبب تفكك الكتل المؤيدة للنظام السابق، وإعادة توزيعها حسب التيارات الاجتماعية السياسية التي تنتمي لها. ومع توسع التيار السائد تتعدد القوى المعبرة عنه، وتتعدد أيضا الأحزاب السياسية المعبرة عنه، حتى تشمل كل مساحة التيار السائد. مع تفكك تأثيرات النظام السابق، وتفكك أيضا تأثيرات التغريب والعلمنة والهيمنة الخارجية، تعود الخريطة المعرفية الحضارية إلى مسارها الطبيعي، وتنتج تيارات اجتماعية سياسية معبرة عن طبيعة وتركيب الموروث الحضاري الإسلامي. وبهذا تستقيم مسارات المجتمع مرة أخرى، وينضح تشكل التيار السائد. وفي تلك اللحظة تصبح الكتلة المؤيدة للهوية والمرجعية ظاهرة وحاضرة ومؤثرة، ويكتمل تشكلها لتمثل 85% من المجتمع. وبهذا تظهر الكتلة المؤيدة للمرجعية الإسلامية، ككتلة أغلبية كاسحة، واضحة ومؤثرة وحاسمة. تحديات التيار السائد وبين "حبيب" أنه لم يكن من المتوقع أن يستمر مسار تشكل التيار السائد دون عقبات أو حروب، لأن تشكل التيار السائد يعني اكتمال تطور المجتمع، بالصورة التي لا تنجح فقط الربيع العربي، بل تحقق النهوض الحضاري في المنطقة العربية والإسلامية، وهو ما يستتبعه تغييرات واسعة في المنظومة الحضارية العالمية. مما يعني أن استعادة الأمة لهويتها، وظهور التيار السائد فيها، باعتباره التيار القائد، يؤدي إلى تغييرات لا تمس المنطقة العربية والإسلامية فقط، بل تؤثر على الأوضاع الدولية أيضا، مما يجعل الحروب التي يواجها التيار السائد، مثل الحروب التي يواجها الربيع العربي، معارك حاسمة وعميقة. * بروز التيار السائد من أسباب الانقلاب وعمل على تفكيكه ومنع ظهوره ومنع وصوله إلى النسبة الحاسمة فإن صعود التيار السائد، مما يجعله التيار الحاكم، هو مشهد رئيس من مشاهد انتصار ثورات الربيع العربي. فالثورة المضادة، تستهدف تفكيك التيار السائد، ولكن الحراك الثوري يستعيد تماسك التيار السائد، ويصبح واقعيا، ثورة التيار السائد، التي تنجح الربيع العربي. وذلك في دراسة حديثه له عنوانها: "ثورة التيار السائد.. مسار الحركية السياسية الإسلامية" وتتكون الدراسة من فصلين في 67 صفحة، الفصل الأول: "الخريطة المعرفية الإسلامية" وتناقش محاور رئيسية "إخوان وإسلاميون. . خصائص الحركية الإسلامية" و"مصير العلمانية في مجتمع إسلامي" "هل يصبح الأقباط أقلية؟" والفصل الثاني: "صعود التيار السائد" ويناقش محاور "بروز التيار الإسلامي" و"تصحيح الخريطة السياسية " و"تحديات التيار السائد" والخاتمة: "استقرار التيار السائد". وفيما يلي رصد لأهم القضايا التي تناولتها الدراسة: صعود التيار السائد تدور أسئلة الدراسة عن واحدة من أهم تجليات مرحلة التحول الديمقراطي وتحقيق التحرر الكامل والشامل بعد الربيع العربي. فكل مجتمع يتحرر، يظهر فيه تيار سائد، وتتحدد هوية المجتمع،والمرجعية العامة السائدة فيه، ومن ثم يتشكل النظام العام. ومن خلال بروز هوية ومرجعية المجتمع، تتشكل هوية ومرجعية الدولة. وبقدر ما تكون الدولة معبرة عن هوية المجتمع، بقدر ما تبنى الدولة الجديدة التي تقوم على الاختيار الحر للمجتمع. ومع إعادة إحياء المجتمع وتحقيقه لتماسكه الداخلي، يبني مستقبلا يعبر عنه وباختياره الحر. وعندما تكتمل منظومة بناء التيار السائد يتمكن المجتمع من تحقيق النهوض الحضاري، القائم على هويته الثقافية والحضارية. وبهذا تعبر المجتمعات العربية والإسلامية بحسب "حبيب" من مرحلة التحرر الناقص، والتي أدت إلى سقوط الدول في التبعية للغرب من جديد، بعد التحرر من الاستعمار العسكري المباشر، إلى مرحلة التحرر الكامل والتي تؤمّن استقلال المجتمع، وبالتالي تتيح له تحقيق التقدم والنهوض. لذا فإن الثورة المضادة بكل أشكالها، هي في مضمونها الجوهري، محاولة لمنع وصول المجتمعات لمرحلة التحرر الكامل، ومنع بروز التيار السائد، حتى تبقى دول الربيع العربي وغيرها من الدول العربية والإسلامية داخل منظومة التبعية للغرب، والتي لم تتمكن من الخروج منها، بعد التحرر من الاستعمار العسكري الأجنبي. فالانقلاب العسكري في مصر، هو محاولة لإعادة مصر إلى منظومة الهيمنة الغربية، والمنظومة الإقليمية التابعة لها، حتى تجهض عملية التحرر الوطني الكامل، التي بشر بها الربيع العربي. * حركة مناهضة الانقلاب هي حركة صعود التيار السائد بل وهي ثورة التيار السائد لذا تعد عملية صعود التيار السائد برأيه من العلميات الضرورية لتحقيق التحول الديمقراطي، ولاستكمال مسار الثورة، وتحويل الثورة إلى واقع جديد، يبني بالفعل مستقبلا جديدا. فظهور وصعود التيار السائد هو العملية المركزية، التي تحول الثورة إلى صحوة ونهوض شامل، لأن المستقبل يبنى أساسا على وجود أمة قوية ومتماسكة وفاعلة، تستطيع تحديد مسار حركتها المستقبلية، وتحديد خياراتها الاجتماعية والسياسية،وأيضا تحديد تحيزاتها الثقافية والحضارية، مما يمكنها من بناء المستقبل المعبر عنها. لهذا، فإن متابعة مسار تشكل التيار السائد، وبروزه وتحقيقه للأغلبية الواضحة والحاسمة، يعد تتبعا لمسار استكمال الثورة، وتتبعا لمسار تحول الثورة إلى واقع جديد. لذا يمكن رصد بروز التيار السائد بعد ثورة يناير، والتحديات التي واجهها تيار الموروث الثقافي والحضاري، والتي تهدف إلى تفكيكه وتغييبه، خاصة بعد الانقلاب العسكري، مما جعل الحراك الثوري بعد الانقلاب، يعد استكمالا للثورة ولصعود التيار السائد، الذي بدأ ظهوره واضحا بعد ثورة يناير، ومع بداية التحول الديمقراطي. وأكد "حبيب" أن الانقلاب العسكري، والذي استهدف جماعة الإخوان المسلمين والعديد من القوى الإسلامية الأخرى، عمل على شيطنة جماعة الإخوان المسلمين، ليفقدها شعبيتها، ولكن كل تغير في شعبية الإخوان المسلمين، ليس تغيرا في الوزن النسبي لتيار الموروث الثقافي والحضاري، أي التيار السائد، بل هو تغير في الوزن النسبي لأحد مكونات هذا التيار. تفكيك التيار السائد وكشف "حبيب" أن بروز التيار السائد في مصر في مرحلة التحول الديمقراطي، كان من ضمن أسباب حدوث الانقلاب العسكري، حيث عملت سلطة الانقلاب على تفكيك التيار السائد، ومنع ظهوره ومنع وصوله إلى النسبة الحاسمة. ولكن حدوث الانقلاب العسكري لم يغير الوزن النسبي للتيار السائد، وإن غيب حضوره الظاهر، حيث أدى إلى إقصاء جزء كبير منه حتى يتم تغييب التيار السائد. ولكن أغلب كتل التيار السائد، عادت سريعا داخل الحراك الثوري بعد الانقلاب. مما يجعل حركة مناهضة الانقلاب هي حركة صعود التيار السائد، بل وهي ثورة التيار السائد التي تؤدي إلى تحقيق حضوره المؤثر، وتستكمل تشكله. وكل ما يحدث من محاولات إفشال الربيع العربي، تهدف إلى منع تبلور التيار السائد، مما يجعل مقاومة الثورة المضادة استكمالا للثورة، وفي الوقت ذاته ثورة التيار السائد، التي تهدف لإحياء الموروث الثقافي والحضاري، وتحقيق حضوره وفاعليته. الدولة العميقة ملاذ آمن للعلمانية * ثورة التيار السائد تهدف لإحياء الموروث الثقافي والحضاري وتحقيق حضوره وفاعليته قال "حبيب" إنه كان أول خيارات النخب العلمانية بعد الثورة، هو البحث عن غطاء جديد يوفر لها حماية من الخيارات الحرة للمجتمع، مما جعل بعض النخب العلمانية يتجه للبحث عن الدعم الخارجي، والبعض الآخر يلجأ لتوظيف القوة الإعلامية والمالية لتوفير الدعم للخيار العلماني، والبعض يعمل على بناء تحالف واسع مع قوى نظام ما قبل الثورة، حتى يعيد توفير الحماية للخيار العلماني. وكل هذه المحاولات تمثل مرحلة رفض للواقع الجديد، تحاول فيها نخب علمانية بناء أوضاع جديدة توفر لها حماية من الخيارات الشعبية الحرة، والتي حررتها ثورات الربيع العربي. وهو ما يفسر لماذا حاولت نخب علمانية بناء تحالف عسكري مع القوات المسلحة، أو بناء تحالف مع مؤسسات قضائية، لأنها كلها في الواقع محاولات للتحالف مع دولة النظام السابق، التي أسقطتها الثورة؛ لأن دولة النظام السابق تمثل أفضل حامٍ للتوجهات العلمانية. لهذا أصبحت أغلب القوى العلمانية، مع الثورة المضادة وضد الثورة، وأصبحت أغلبها مؤيدة للانقلاب العسكري وعودة الدولة المستبدة، فقد اتضح بعد الربيع العربي أن العلمانية لن تعيش إلا في ظل دولة الاستبداد، وأن الثورة والتحرر الكامل يؤديان إلى انحسار العلمانية. الربيع العربي عودة للحياة ويرى "حبيب" أنه ولأن موجة الربيع العربي تمثل موجة تاريخية ومرحلة تاريخية فاصلة، أي تفصل ما بين ما قبلها وما بعدها، لذا فإن كل محاولات حصار نتائج ثورات الربيع العربي، وإن نجحت أحيانا ومرحليا وجزئيا، لا تمثل أي حل نهائي، لأنها تفشل في النهاية. فالانقلاب العسكري في مصر والحرب الأهلية في سوريا ضمن مخططات الثورة المضادة في بقية دول الربيع العربي، تمثل مرحلة انكسار مؤقتة، ضمن المسار الشاق لثورات الربيع العربي، والمسار النضالي لتحرير الأمة. وفي لحظة مقاومة الموت الحضاري، تظل القوى التي استفادت من دولة الاستبداد تقاوم أي صحوة حقيقية، كما أن الصحوة الحقيقية تتأخر بسبب حالة الضعف المجتمعي، مما يجعل مسار الربيع العربي متعرج، فتنتصر الثورة المضادة في مرات، حتى يستكمل مسار الثورة والصحوة معا. وفي ظل هذا الخروج الكبير من مرحلة الموت إلى الحياة مرة أخرى، فإن كل محاولات إعادة بناء أو حماية أو تحصين العلمانية، بنفس الطرق القديمة، وبنفس القوى القديمة التي حمت العلمانية، لن تنجح في النهاية، وإن نجحت مؤقتا. فثورات الربيع العربي أفرزت مرحلة جديدة لا يمكن معها إعادة إنتاج الماضي أو أساليب الماضي، أو حتى أدوات الماضي، ولو بانقلاب عسكري دموي. معركة التيار السائد * صعود التيار السائد ما يجعله التيار الحاكم هو مشهد رئيس من مشاهد انتصار ثورات الربيع العربي ونبه "حبيب" إلى استمرارية معركة التيار السائد، أو الخيارات المجتمعية الغالبة مع القوى التي قامت بتنحية هذا التيار قبل ثورات الربيع العربي، مما يجعل المعركة بين الثورة والثورة المضادة هي في حقيقتها معركة بين التيار السائد والقوى المعادية له، وهي معركة بين خيارات أغلبية المجتمع، والخيارات التي تحاول العديد من القوى، فرضها على المجتمع، كما حدث في كل أزمان الاستعمار، سواءً المحلي أو الخارجي. ولكن بروز التيار السائد، يتحول بفعل التحول الديمقراطي، إلى واقع يصعب تجاوزه، فتبدأ محاولات الحد من صعود التيار السائد، ومحاولات إضعاف التيار السائد وتفكيكه، وإضعاف إرادته، وتشويه وعيه، حتى لا يتشكل تيار سائد قوي، وحتى لا يتشكل وعي عام ورأي عام، قادر على تحديد خيارات المستقبل. ولم يكن الانقلاب العسكري في مضمونه التاريخي، إلا محاولة لتفكيك التيار السائد، ولكنها محاولة جاءت بعد مرحلة الربيع العربي، فكان الرد عليها بثورة التيار السائد، لاستكمال مسار الثورة والتحرر وإجهاض الانقلاب العسكري، وكل أشكال الثورة المضادة. ورصد "حبيب" أنه بفعل الممارسة الحرة للمجتمع، خاصة في الانتخابات والاستفتاءات، تعود الفاعلية من جديد للموروث الحضاري، ويتم إحياء القواعد المعرفية الحضارية من جديد، وتبدأ خيارات عامة الناس في التحول من كونها خيارات ساكنة، لتصبح خيارات فاعلة. ومع تفعيل التوجهات والاختيارات العامة، تبدأ حركية المجتمع في الظهور، ومعها تبدأ حركية الموروث الحضاري الإسلامي في الظهور أيضا. ومع تحريك الفعل النشط للمجتمع، خاصة في صندوق الاقتراع، تتراكم خيارات عامة الناس، لتظهر حقيقة توجهاتهم الثقافية والحضارية. قاعدة الحد الأدنى وقال حبيب: "ربما تصور البعض بسبب عمليات التغريب والعلمنة، أن الموروث الحضاري قد توارى بالفعل، وأنه أصبح حالة نادرة أو شاذة أو غير شائعة. ولكن البعض الآخر، كان لديه توقع بأن الموروث الحضاري يظل قابعا في الوعي الجمعي ولا يختفي، حتى وإن أصبح غير فاعل. وهو ما كشفت عنه عملية التحول الديمقراطي في دول الربيع العربي، حيث أظهرت حضورا واضحا للتوجه الإسلامي، وكشفت عن أن الهوية الإسلامية، وإن غابت عن الدولة والنظام السياسي، فهي لم تغب كوعي جمعي موروث ينتقل من جيل إلى آخر. وأول ما يظهر في عملية التحول الديمقراطي، هو بروز القاعدة الاجتماعية المؤيدة للهوية والمرجعية الإسلامية، والمدافعة عنها، والمتمسكة بها. وتلك القاعدة تمثل ما يمكن تسميته بقاعدة الحد الأدنى، أي الحد الأدنى من التأييد الذي تحظى به المرجعية والهوية الإسلامية، والذي ظل حاضرا، وإن لم يكن نشطا. وفي الانتخابات والاستفتاءات التي جرت في مصر، وأيضا الدراسات العلمية واستطلاعات الرأي، ظهر أن هناك حدا أدنى لتأييد الحركات الإسلامية، يصل إلى 65%. وهو ما يوضح أن الحد الأدنى لمؤيدي الهوية والمرجعية الإسلامية، حقق أغلبية منذ اللحظة الأولى، مما يوضح أن مشاريع التغريب والعلمنة قد فشلت بالفعل. لأن الحد الأدنى المتحقق لجماهير التيار الإسلامي، منذ اللحظة الأولى، كان مرتفعا بالفعل. التشويه المنظم * لأن ضرب الهوية والمرجعية الإسلامية غير ممكن ومعركة خاسرة أصبح ضرب الحركات الإسلامية هو المعركة المحورية لضرب التيار السائد الإسلامي ومنع صعوده وأوضح "حبيب" لأن الحركات الإسلامية تعرضت لحملات تشويه منظمة عبر عقود، فإن قدرتها على تحريك قاعدة جماهيرية، تمثل أغلبية، وتؤيد الهوية والمرجعية الإسلامية، منذ اللحظة الأولى بعد الثورة، يؤكد أن تلك القاعدة قابلة للتوسع، كما يؤكد أن عمليات التشويه المنظم، لا تغير الوعي الجمعي، والذي يظل محافظا على موروثه الثقافي والحضاري. فما ظهر بعد الثورة كشف أن الحركات الإسلامية، قادرة على تحريك الوعي الجمعي المؤيد للهوية والمرجعية الإسلامية، وأن القاعدة الشعبية المؤيدة لها، تمثل أكثر القواعد المتماسكة والمؤيدة للهوية والمرجعية الإسلامية، مما جعل دور الحركات الإسلامية يبرز، بوصفها طليعة فاعلة، وقادرة على حشد مؤيدي المرجعية الإسلامية، والحفاظ على القواعد المساندة للمشروع الإسلامي، وقادرة أيضا على توسيع هذه القاعدة. في مرمى المعركة ويرى "حبيب" أنه رغم أن الهوية والمرجعية الإسلامية، قابعة أصلا في الوعي الجمعي الموروث، إلا أن الواقع أثبت أن الحركات الإسلامية تقوم بدور مهم في الحفاظ على الوعي الجمعي الموروث، وفي تنشيط حركته، وبالتالي في صعود التيار السائد. لذا أصبحت الحركات الإسلامية في مرمى المعركة، لأن ضرب الحركات الإسلامية يؤدي إلى تعطيل صعود التيار الإسلامي، وضرب تماسك هذا التيار وتجانسه الداخلي والحد من فاعليته وقدرته على التأثير. ولأن ضرب الهوية والمرجعية الإسلامية غير ممكن، ويمثل معركة خاسرة أساسا، لذا أصبح ضرب الحركات الإسلامية هو المعركة المحورية لضرب التيار السائد الإسلامي ومنع صعوده السياسي بعد الربيع العربي. لذا توجهت معركة الثورة المضادة الأساسية، لضرب الصعود السياسي للقوى الإسلامية، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، وجاء الانقلاب العسكري كمحاولة دموية لإقصاء القوى الإسلامية، حتى يتم تفكيك التيار السائد الإسلامي ومنع ظهوره سياسيا. قصف الإقصاء الدموي وتحت قصف الإقصاء الدموي للانقلاب العسكري في مصر، تتقلص نسبيا درجة حضور وظهور النواة الصلبة للتيار السائد. وتشير بعض المؤشرات أن كتلة التيار السائد انخفض حضورها وظهورها من 65% إلى 50% أو 45%، وهو ما يعني أن الإقصاء الدموي للحكم العسكري استطاع تقليص ظهور تيار الأغلبية، وإن ظل تيار أغلبية ضمنية. ورغم دموية عملية الإقصاء فإن احتفاظ التيار الإسلامي بقاعدة ظاهرة تقترب من نصف المجتمع، يعد إنجازا واضحا، يشير إلى رسوخ هذا التيار. لذا فإن معركة الثورة تتحول ضمنا إلى معركة استعادة ظهور النواة الصلبة مرة أخرى، ثم توسيع التيار السائد، ليصبح أغلبية راسخة وظاهرة. الجمهور المنظم وأشار "حبيب" إلى أنه أتضح منذ بداية عملية التحول الديمقراطي، أهمية الجمهور المنظم، في تنسيق حركة عامة الناس، وإظهار خياراتهم السائدة. فالجمهور المنظم كان أكثر حسما لخياراته، وأكثر قدرة على الدفاع عن هذه الخيارات، وأيضا أكثر قدرة على حماية وعيه من حملات التشويه المنظم. وهو ما أبرز دور الحركات الإسلامية وأوضح أهمية التنظيمات الإسلامية، بوصفها وعاءً ينظم حركة قطاعات من الجمهور، ويظهر قدرا معتبرا من الجماهير المنظمة والقادرة على الدفاع عن خياراتها، وصد الهجمات التي تتعرض لها الهوية الإسلامية، وأيضا صد الهجمات التي تتعرض لها الحركة الإسلامية. واتضحت الأهمية النسبية لجماعة الإخوان المسلمين، خاصة في مصر، حيث تأكد أن وجود تنظيم متجذر في المجتمع، وله حضور واسع، يؤدي إلى توسيع القاعدة الجماهيرية المنظمة، والتي تشكل حالة من الاستقرار النسبي لخيارات قطاعات من المجتمع، فتظهر عمليا وجود التيار السائد. ونظرا لوجود أكثر من حركة إسلامية في مصر، توسع الجمهور المنظم المؤيد للمرجعية الإسلامية، مما أظهر حجم تأييد واضح وكاف للقوى الإسلامية، وبالتالي للخيار الإسلامي. وبهذا تشكلت قاعدة الحد الأدنى المؤيدة للهوية والمرجعية الإسلامية. المعركة البديلة * استعادة الأمة لهويتها وظهور التيار السائد فيها باعتباره التيار القائد يؤدي إلى تغييرات لا تمس المنطقة العربية والإسلامية فقط بل تؤثر على الأوضاع الدولية ونبه "حبيب" إلى أن الحرب التي تشن على التيار الإسلامي، بل وعلى المشروع والهوية والمرجعية الإسلامية، لا تشن مباشرة على المضمون الإسلامي، لأن الفكرة الإسلامية متجذرة في الوعي الجمعي، وتمثل الموروث الحضاري الذي ينتقل من جيل إلى آخر. لذا نجد الحرب التي تشن على التيار الإسلامي، تتركز أساسا على الحركات الإسلامية، خاصة جماعة الإخوان المسلمين. ومن المفيد فهم تلك الحرب على جماعة الإخوان المسلمين، والتي تستمر بعد الثورة مثل قبلها، ثم تشتعل بعد الانقلاب العسكري. فهذه الحرب تركز على التنظيم، في محاولة لرسم صورة غير حقيقية لتنظيم الإخوان، وإثارة حالة من الرفض والكراهية له بين الناس. وكل أدوات الحرب على جماعة الإخوان، تستخدم أساليب الشائعات والمعلومات الكاذبة، في محاولة لتصوير الجماعة على غير حقيقتها. نتائج الانتخابات والاستفتاءات ورصد "حبيب" أنه ومن نتائج الانتخابات والاستفتاءات، يتضح أن الكتل التقليدية الإسلامية، والتي لا تؤيد القوى الإسلامية، تمثل 10%، والكتل العلمانية والكتل غير العلمانية المؤيدة للحل العلماني، تمثل 25%. وتلك النتيجة التي تكشف عنها نتائج الممارسة الديمقراطية الأولى في مصر، توضح حقيقة مهمة، بل وغاية في الأهمية، لأن الكتل صاحبة التوجه الإسلامية، والتي تلتزم بالهوية والمرجعية الإسلامية، والتي تلتزم أيضا بمرجعية الشريعة الإسلامية، تمثل 85% من المجتمع. وهي مجموع كتل التيار السائد الإسلامي، والكتلة التقليدية الإسلامية التوجه، والتي لم تلتحق بعد بالتيار السائد وتياراته الفرعية المتنوعة. وهذه النتيجة لا تظهر فقط من نتائج الاستفتاءات والانتخابات، بل أن أغلب الدراسات العلمية عن التوجهات الاجتماعية والسياسية، أظهرت تأييدا لمرجعية الشريعة الإسلامية، ولدور الإسلام في السياسة، تصل إلى نسبة 85% أيضا. وهي تشمل التوجهات المعتدلة والمتشددة معا. ومعنى هذا، أن تأثيرات الاستبداد والتغريب والعلمنة على المجتمع، كانت محدودة للغاية.