في ظل انتهاكات متواصلة للسيادة المصرية، منذ اعتلاء المنقلب الخائن السيسي سدة الحكم بالدبابة، وانتفش الصلف الإسرائيلي على حساب مصر، سواء بتنفيذ طلعات عسكرية بطيرانها من خلف خطوط الجيش المصري، بعضها بدون علمه أساسا في سيناء، أو برسم سياسات مصر العسكرية في سيناء ، لدرجة اعتماد الجيش المصري في عملياته بمكافحة الجماعات المسلحة على إحداثيات وتقارير وبيانات إسرائيلية، وصولا إلى ضرب معبر رفح بقذائف الدبابات والمدفعية، وتوجيه ضربات عسكرية على موظفي معبر رفح وإصابة وقتل العديد منهم، وإسقاط أجسام متفجرة وطائرات مسيرة على الأراضي المصرية في دهب وطابا ونويبع، وانتهاء باتهام مصر بإغلاق المعبر وحصار الفلسطينيين، خلال جلسة محكمة العدل الدولية بلاهاي الخميس الماضي، وتنوعت التحرشات الإسرائيلية بمصر، الخانعة التي لا تحرك ساكنا، حيث اتهمت السلطات الصهيونية مصر بتسهيل تهريب الأسلحة إلى غزة، ودعم المقاومة الفلسطينية على الرغم من عداء نظام السيسي الكبير للحركات الفلسطينية المسلحة. تلك الاتهامات لا تنم عن وطنية يحاول السيسي إخفائها، بقدر من أنها تحرشات وهجوم مضاد واستباقي من إسرائيل، للضغط على مصر وصولا لهدفه الأخطر، وهو احتلال محور فلادليفيا الحدودي بين غزة ومصر، بالمخالفة لاتفاقية السلام بين الجانبين في سبعينيات القرن الماضي. وقد كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، أن إسرائيل أبلغت مصر باعتزامها الاستيلاء على المنطقة العازلة على الحدود بين مصر وقطاع غزة، المعروفة بطريق صلاح الدين (محور فيلادلفيا)، وهي المنطقة الحدودية الفلسطينية الوحيدة التي لا تسيطر عليها إسرائيل. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين ومسؤولين مصريين قولهم: إن "مسؤولين إسرائيليين أبلغوا مصر أن تل أبيب تخطط لشن عملية عسكرية على طول الحدود المصرية مع غزة والتي يبلغ طولها 13 كيلومترا مع غزة". وبحسب المصادر ذاتها، فإن العملية الإسرائيلية ستشمل على الأرجح طرد العناصر الفلسطينية من المعابر الحدودية بين غزة ومصر، وستحل محلها القوات الإسرائيلية. وذكرت الصحيفة أن القادة الإسرائيليون بمن فيهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، يقولون علنا: إن "إسرائيل يجب أن تسيطر على محور فيلادلفيا لمنع حماس من تهريب الأسلحة إلى القطاع". ولفتت الصحيفة أن هذه المزاعم هي جزء من استراتيجية إسرائيلية لهزيمة الحركة الفلسطينية المسلحة ومنع تكرار هجومها الذي شنته على جنوب دولة الاحتلال في 7 أكتوبر المنصرم. وفي أواخر العام الماضي، قال نتنياهو: إن "محور فيلادلفيا يجب أن يكون بأيدينا وتحت سيطرتنا، وأي ترتيب غير ذلك لن تقبل به إسرائيل". وتناسى الصهاينة أن نظام السيسي سبق وأن أغرق جميع الأنفاق بمياه البحر وقام ببناء جدار فولاذي ومنطقة عازلة على الحدود مع غزة، وأغلق معبر رفح لسنوات ومنح إسرائيل حق الإشراف على مرور المساعدات والنازحين من على المعبر، لدرجة منع مصريين مقيمين بغزة من المرور إلى بلادهم. ويمثل احتلال محور صلاح الدين، انتقاصا من رمز السيادة الفلسطينية الوحيد على أراضيهم، وستكون الخطوة الإسرائيلية المحتملة بمثابة تراجع عن رمز السيادة الفلسطينية، كما يمكن أن يفتح الباب أمام إسرائيل للاحتفاظ بالسيطرة على الحدود على المدى الطويل بعد الحرب، مما يغير الترتيب الأمني مع غزة الذي كان قائما منذ ما يقرب من عقدين من الزمن. وقال مايكل ميلشتين، الرئيس السابق لقسم شؤون الفلسطينيين في المخابرات العسكرية الإسرائيلية: "لا توجد فرصة لأن نسمح لهذا المعبر (فيلادلفيا) بالعمل كما كان من قبل". ولكن ميلشتين عقب أن الوضع معقد للغاية، أكثر مما هو عليه في المواقع في شمال ووسط غزة، حيث تعمل القوات البرية الإسرائيلية حتى الآن. خنوع مصري من جانبها، تشعر مصر بالقلق من أن العملية الإسرائيلية يمكن أن تنتهك شروط معاهدة السلام الموقعة بين البلدين عام 1979، والتي تضع قيودا على عدد القوات التي يمكن لكلا البلدين نشرها بالقرب من الحدود في المنطقة، كما أن أي عملية عسكرية إسرائيلية تخاطر بإلحاق أضرار عرضية داخل الأراضي المصرية. ويقول المسؤولون الإسرائيليون: إنهم "يعملون على معالجة هذه المخاوف من خلال تنسيق خططهم للتوغل في جانب غزة مع مصر، بحسب وول ستريت جورنال". وخلال الأيام الأخيرة، رفضت مصر مقترحا إسرائيليا يتضمن تمركز أفراد أمن إسرائيليين على الجانب المصري من الحدود للقيام بدوريات مشتركة مع مصر، واعتبرت أن ذلك ينتهك السيادة المصرية. وقال مسؤولون مصريون: إن "القاهرة أبلغت تل أبيب بأنها تعزز الحواجز المادية على جانبها من الحدود وتقوم بتركيب المزيد من أبراج المراقبة وكاميرات المراقبة، لكنها لن تشارك بيانات المراقبة مع إسرائيل". وأوضحت الصحيفة أن أي هجوم عسكري إسرائيل على منطقة محور فيلادلفيا سيكون معقد بسبب وجود أكثر من مليون مدني فلسطيني فروا من بقية القطاع وتمركزوا في المنطقة. ويتجمع معظم الفارين الفلسطينيين في مدينة رفح المتاخمة للحدود أو يخيمون في مناطق على طول الحدود. وبحسب ستريت جورنال، فحتى القيام بعملية عسكرية محدودة لاحتلال مساحة من الأرض يبلغ عرضها بضع مئات من الياردات، ستتطلب من القوات الإسرائيلية التوغل عبر مدينة رفح، التي تمتد على الحدود، والمناطق التي يتجمع فيها النازحون في مخيمات، ويشعر المحللون الأمنيون بالقلق من أن تؤدي مثل هذه العملية إلى تفاقم الأزمة الإنسانية. دعوات اختلال سيناء وسبق مخططات الاستيلاء على فلادليفيا، دعوة رئيس الوزراء السابق ليبرمان، بضرورة اختلال سيناء والسيطرة عليها، كونها أرضا إسرائيلية متنازل عنها لمصر، ومن أجل تأمين إسرائيل، وهو ما تلاه من دعوات مماثلة من أحزاب يمينية إسرائيلية. فيما أجبرت إسرائيل مصر على تفريغ سيناء من سكانها، وحرمت الأمن القومي المصري من مقدراته بوجود سكان محليين. وأقام السيسي بعمليات تجريف لمدينة رفح المصرية وأخلاها من سكانها، فيما يرفض حاليا إعادتهم إلى البيوت والمزارع الخاصة بهم ، بعد انتهاء عمليات مكافحة ما أسماه الإرهاب. يشار إلى أنه في عام 2005 وقعت إسرائيل ومصر على "اتفاق فيلادلفيا" الذي حدد مهام كل طرف وأسلحته المسموح بها في المنطقة والتزاماته، وذلك بالتزامن مع الانسحاب الإسرائيلي من المحور وقطاع غزة ككل في العام ذاته، وفق خطة إعادة الانتشار التي وضعها رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت، أرئيل شارون. ويخضع الاتفاق لأحكام معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل الموقعة عام 1979، دون تعديل أو تنقيح، لكنه يتضمن، وفقا لمادته الرابعة، "تدابير أمنية إضافية، من أجل تعزيز الترتيبات الأمنية الواردة في الملحق الأمني"، بحسب معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. ويسمح الاتفاق بوجود قوة حرس حدود مصرية، بدلا من الشرطة قوامها 750 جنديا، تحمل أسلحة خفيفة على طول المحور، وتنتشر على طول المنطقة الحدودية، ومعها متخصصون في مكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود ومنع عمليات التهريب، ويتحمل الطرفان مسؤولية مكافحة أنشطة التهريب والتسلل والإرهاب من أراضي أي من الدولتين. وبالتزامن مع الاتفاق، انتقلت إلى السلطة الفلسطينية التي كانت لا تزال تسيطر على قطاع غزة، عملية الإشراف على معبر رفح البري الحدودي مع مصر، واشترطت إسرائيل حينها وجود مراقبين من الاتحاد الأوروبي. ولكن بعد نحو شهرين فقط من تطبيق "اتفاق فيلادلفيا"، تبدّل الوضع السياسي والأمني في قطاع غزة الذي سيطرت عليه حركة "حماس" عام 2006 بعد فوزها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وطردت حركة "فتح" من الحكم. ما يشجع إسرائيل ولعل أبرز ما يشجع إسرائيل في تجاوزاتها بحق السيادة المصرية، هو الحالة السياسة والاقتصادية المزرية التي تعيشها مصر، وعدم قدرة السيسي ونظامه العسكري على توفير مقومات الحياة لملايين المصريين، وحاجته للتسول من كفة الصناديق والمؤسسات الدولية، التي لإسرائيل كلمة مسموعة فيها، ولأمريكا أيضا، حيث يعاني الاقتصاد المصري من انهيار تام، قد لا يسمح لمصر بممارسة سيادتها على سيناء، أو وقف العدون على بعد أمتار من حدودها. كما فقدت مصر قدراتها على التأثير السياسي والعسكري، لانشغال قياداتها العسكرية في المشاريع الاقتصادية وتحصيل العمولات والبزنس، بعدما سيطر الجيش على أكثر من من 60% من الاقتصاد المصري، وهو ما يعرقل أي دور عسكري لمصر في القضية والحرب المستعرة ضد المدنييين الفلسطينيين. كما ينشغل أغلب المسئولين والسياسيين والدبلوماسيين بقضايا أخرى، شاهدها المصريون بلا حياء أو مراعاة للذوق العام والدين وقيم المجتمع المصري، الذي انتهكه السيسي وعساكره، حينما تباهى الدبلوماسي المصري رفعت الأنصاري بمغامراته الجنسية بإسرائيل، كما سربت المخابرات المصرية للبرلماني السابق والمخرج التلفزيوني خالد يوسف فيديوهات ممارسة جنسية كاملة مع فنانات وفتيات، وهو الأمر الذي يؤكد انغماس نظام السيسي بالفساد المالي والأخلاقي للدولة المصرية وفق قواعد الفساد والمحاباة والفضائح، وهو ما لا يقيم للدولة المصرية أي قيمة أو اعتبار أو حتى سيادة على أراضيها، أو في مواجهة عدوها الذي بات متحكما في قرارها.