تواصلت ردود الفعل على المستوى العربي والعالمي على اتفاق الهدنة بين حركات المقاومة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني، بعد 47 يوما من حرب الإبادة الجماعية التي تشنها دولة الاحتلال على قطاع غزة، والتي تستهدف تدمير القطاع بالكامل وتهجير سكانه إلى مصر والأردن . وأكد الخبراء أن اتفاق الهدنة يشير إلى قدرة المقاومة على الثبات والصمود أمام العدو الصهيوني، موضحين أن دولة الاحتلال فشلت في تحقيق أهدافها من الحرب، حيث فشلت في تحرير الأسرى وفي نفس الوقت لم تستطع القضاء على حركة حماس . واعتبروا الهدنة بمثابة استراحة محارب، متوقعين نشوب الحرب من جديد واختراق دولة الاحتلال للهدنة. وقال الخبراء: إنه "رغم توغل الاحتلال الإسرائيلي في شمال قطاع غزة، إلا أنه لم يحقق أي مكاسب تذكر على الأرض خاصة في بحثه عن الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية". إنجاز عسكري من جانبه أكد الدكتور خليل العناني أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الأمريكية أن الاحتلال الصهيوني فشل فشلا ذريعا في تحقيق أي إنجاز عسكري على الأرض خلال 6 أسابيع من الحرب، موضحا أن التوصل إلى اتفاق كهذا يمثل اختراقا مهما للتصعيد الإسرائيلي عقب عملية طوفان الأقصى. وقال العناني في تصريحات صحفية: إن "الهدنة من الناحية السياسية تمثل أول اتفاق يتم التوصل إليه من أجل وقف الحرب -ولو مؤقتا مؤكدا أن الهدنة ثمرة سياسية لأمرين أساسيين، أولهما ثبات المقاومة الفلسطينية وصمودها في مواجهة الجيش الإسرائيلي المدعوم أمريكيا بشكل غير مسبوق، والذي فشل فشلا ذريعا في تحقيق أي إنجاز عسكري على الأرض خلال 6 أسابيع من الحرب". وثانيهما الضغوط الداخلية والخارجية على حكومة نتنياهو التي اضطر معها للقبول على مضض بصفقة التبادل والهدنة. وأشار إلى أن الهدنة من الجانب العسكري تمثل أول اعتراف إسرائيلي غير مباشر بفشل العملية العسكرية البرية التي كانت تهدف إلى محاولة تخليص الرهائن بالقوة العسكرية، وهي أيضا فشل ذريع لحكومة الحرب التي كانت ترفع شعار لا لوقف الحرب، ولا لصفقة الرهائن، والآن تم وقف الحرب وتم إبرام صفقة الرهائن. ترتيب الأوراق وكشف العناني أن من نتائج الاتفاق مساعدة الطرفين على إعادة ترتيب صفوفهما، من أجل الاستعداد عسكريا للجولة القادمة من الصراع، مؤكدا أنه لا توجد ضمانات واضحة بعدم حدوث اختراق لاتفاق الهدنة، والعنوان الأساسي لهذه الضمانة تتمثل في حرض الأطراف جميعها على تحقيق المصالح الخاصة المترتبة عليه . وأشار إلى أن جميع الأطراف حريصة على الالتزام بالاتفاق، نظرا لتعثر العملية العسكرية الإسرائيلية، وحجم الدمار وعدد الضحايا، لذلك هناك حاجة لاستراحة محارب لكلا الطرفين، من أجل التقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الأوراق تحسبا للجولة المقبلة من الصراع. ولفت العناني إلى 3 أمور، أولها مدى القدرة على تنفيذ بنود الاتفاق، سواء المتعلقة بعدد الأسرى أو نوعيتهم، الذين سيتم إطلاق سراحهم من الجانبين، وإدخال الوقود والمساعدات لقطاع غزة، والأهم وقف إطلاق النار خاصة من الجانب الإسرائيلي. ثانيها هو استمرار الضغوط الداخلية على حكومة نتنياهو، من أجل إطلاق سراح بقية الرهائن ورضوخه لذلك. ثالثا الضغط الأميركي على نتنياهو، من أجل الالتزام بما جاء في الاتفاق. وقال العناني: إن "الاتفاق يمكن أن يُقرأ باعتباره انتصارا ومكسبا سياسيا للمقاومة الفلسطينية، حيث إنه يحقق أحد أهداف العملية العسكرية التي قامت بها في السابع من أكتوبر الماضي، وهو الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وإن كان الثمن الإنساني الذي تم دفعه لذلك باهظا وغير مسبوق في جولات الصراع السابقة بين إسرائيل والفلسطينيين". وأضاف، لا أعتقد أن حكومة نتنياهو ستصمد بل ستنهار وبشكل كبير إذا توقف العدوان، نتنياهو غامر سياسيا وقفز للأمام كالعادة عندما شن حربا من دون رؤية أو أفق سياسي، مؤكدا أن نتنياهو فشل فشلا ذريعا في تحقيق أي من أهداف الحرب التي أعلنها، سواء بالتخلص من حركة حماس أو تدميرها أو إعادة المحتجزين أو تهجير سكان القطاع إلى خارجه؛ لذلك فإنه ينتظر مصيرا أسود سوف يختم به سجله السياسي الممتد منذ أكثر ربع قرن . استراحة محارب وقال الباحث في الشؤون العربية عصام سلامة: إن "التوصل لاتفاق تهدئة في قطاع غزة، مع العمل على إتمام صفقة لتبادل الأسرى، تتويج لثبات الشعب الفلسطيني وعدم استجابته لمساعي الاحتلال في تهجيره، رغم الهجمة المسعورة التي شنها جيش الاحتلال". واعتبر سلامة في تصريحات صحفية، أن الهدنة ليست إلا بمثابة استراحة محارب بالنسبة للمقاومة التي حافظت على ثباتها على الأرض، وكبدت قوات العدو المترجلة خسائر فادحة، موضحا أن الهدنة بالنسبة للاحتلال فتعكس فشله على الأرض . وأضاف : نعم جيش الاحتلال توغل نسبيا في شمال القطاع، لكنه لم يحقق أي مكاسب على الأرض تذكر، خاصة في بحثه عن الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، إلى جانب تنفيذ المقاومة عمليات نوعية من المسافة صفر ضد قوات العدو، كما ظهر في المقاطع المصورة التي بثتها المقاومة. وأشار سلامة إلى أن جيش الاحتلال اعترف أنه يواجه صعوبات، وبالتالي نتنياهو لا يريد تعقيد الأمور أكثر من ذلك، خاصة في ظل المظاهرات التي تطالبه بإعادة الأسرى لدى المقاومة، فضلا عن عمليات النزوح الكبيرة من مستوطنات غلاف غزة. وأوضح أنه على الرغم من نحو 45 يوما من العدوان الهمجي الإسرائيلي، إلا أن المقاومة تمكنت من الحفاظ على مخازن ومستودعات الذخيرة لديها ولم يتمكن الاحتلال من الوصول إليها، بدلالة تمكن حماس من توجيه أكبر ضربة صاروخية ضد الاحتلال بنحو 2000 صاروخ شملت تل أبيب الكبرى ومستوطنات غلاف غزة. ورجح سلامة انسحاب الاحتلال من شمال غزة، لكون وجوده في تلك المنطقة سيجعل منه فريسة سهلة لرجال المقاومة. جنوبلبنان وقال الكاتب والباحث السياسي اللبناني، وسيم بزي: إن "الاتفاق بين حركة حماس والاحتلال الصهيونى، هو أول اختبار لمساحة الثقة، التي تستطيع أن توفرها الأطراف، لافتا إلى أن هناك تنسيقا دقيقا للخطوات بين حماس وحزب الله في جبهتي غزةوجنوبلبنان". وأضاف بزي في تصريحات صحفية أن الاختبار الثاني هو القدرة على توفير الضمانات وإمكانية إلزام الصهاينة بما يفترض أنهم التزموا به بسياق الوصول إلى الاتفاق، وإن كانت هذه الهدنة مقدمة لهدن أخرى تنهي العملية العسكرية بالمعنى الكبير لها، خاصة أنها ستُفقد إسرائيل آلية دفع جوهرية . وحول إمكانية مساندة حركة حماس لحزب الله، في حال بقيت جبهة جنوبلبنان مفتوحة واستمرت الهدنة في غزة مع إسرائيل، شدد على ضرورة أن يكون موقف المقاومة موحدا، وما يدل على ذلك استقبال أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، قيادات من المقاومة الإسلامية حماس (خليل الحية، وأسامة حمدان)، فور إعلان الموافقة على الهدنة، وهذا يعني أن هناك تنسيقا دقيقا للخطوات وتعاطي مع المشهد بمعناه الكلي ولا افتراق بين جبهة وأخرى، وما تتطلبه فلسطين سيكون على جبهة جنوبلبنان إما بالتهدئة أو باستمرار المواجهة، هذا الأمر تحدده قواعد التعاطي المشتركة بين قوى المقاومة. وأوضح بزي أن هذه الصفقة جزئية ومن الممكن أن تشكل صفقة نهائية، وبالتالي الجيش الإسرائيلي فشل بتحقيق الأهداف العالية التي رفعها، وبذلك تكون المقاومة نجحت بفرض شروطها بالاتفاق إلى حد كبير . وتساءل حول ما إذا كان إعلان اتفاق الهدنة في غزة، سينسحب تلقائيا بتأثيراته المباشرة على جنوبلبنان، أم أن لجنوبلبنان مجموعة من الخصوصيات المعينة التي تتعلق به، مرجحا أن التهدئة هنا يجب أن تنعكس كتهدئة هناك، لأن جبهة جنوبلبنان مفتوحة بالأساس لدعم وإسناد الشعب الفلسطيني والمقاومة في فلسطين.