في وقت كان فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن، يكثف تحركاته لتلميع صورته قبل الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2024، جاءت عملية طوفان الأقصى لتخلط الأوراق عليه من جديد وتمرغ صورته في التراب. ولم يكن بايدن البالغ من العمر 80 عاما والذي أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية عن الحزب الديمقراطي، ذا شعبية قوية فقد تراجع قبوله بين الأمريكيين أخيرا بفعل عوامل اقتصادية ضربت البلاد. لكن عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في عمق مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر 2023، كبدت بايدن خسائر في توقيت حساس بمسيرته السياسية. ويرجع ذلك إلى دعم بايدن غير المحدود لشن إسرائيل حرب إبادة شاملة على أهالي قطاع غزة المحاصر أساسا منذ 17 عاما، ما أدى لارتقاء أكثر من 14,128 شهيدا، بينهم أكثر من (5,840) طفلا، و(3,920) امرأة، ما زاد الغضب الشعبي في أمريكا والعالم ضد حكومته. ولطالما استخدم مصطلح "الطفل المدلل" في الصحافة العربية كإشارة إلى إسرائيل التي تحصل على الدعم الكامل والحماية المطلقة من الولاياتالمتحدة الأميركية. ظهر هذا بوضوح في أعقاب عملية طوفان الأقصى التي شنتها فصائل المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023، ضد المستوطنات الصهيونية في غلاف قطاع غزة المحاصر. زلزال حماس في غزة تردد صداه سريعا في البيت الأبيض بواشنطن، فسريعا تحركت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لإنقاذ وإسناد كيان الاحتلال عسكريا وماديا ومعنويا. وكان المدد الأميركي في سياق دبلوماسية حاسمة أظهرها وزير الخارجية أنتوني بلينكن، بالانحياز الشديد للعدوان الإسرائيلي على المدنيين في غزة. وحرصت واشنطن على عدم إدانة حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة التي فجرت الوضع الراهن، بل أيدت استمرار العدوان وعدم وقف إطلاق النار رغم الدعوات الدولية المتواصلة. وهذا الموقف المستفز أثار من جديد موجة كراهية لدى الشعوب العربية والإسلامية، التي رأت أن أمريكا شريكة في العدوان وتتحمل دماء أهل غزة. وقد تعالت الأصوات داخل الولاياتالمتحدة المنتقدة لبايدن في تعاطيه مع ما تتعرض له غزة من قتل لسكانها، بدل العمل على الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار. وأظهر استطلاع للرأي أجرته رويترز في 7 نوفمبر 2023 أن شعبية بايدن تراجعت في نوفمبر 2023 إلى أدنى مستوياتها منذ أبريل من العام ذاته. إذ ارتفعت نسبة المشاركين في الاستطلاع الذين قالوا: إن "الحرب والصراعات الخارجية هي المشكلة الأولى إلى 8 بالمئة في نوفمبر من 4 بالمئة في أكتوبر 2023، في إشارة إلى عدم الارتياح بشأن الدعم الأمريكي للعدوان الإسرائيلي على غزة. ووفقا للاستطلاع، كان هذا أعلى معدل للقلق من الحرب منذ إبريل 2022 حين أشار 9 بالمئة من المشاركين إلى أنها مصدر قلقهم الأكبر خلال الأشهر الأولى من الحرب الروسية الأوكرانية وقالت نسبة أعلى بلغت 20 بالمئة إن الاقتصاد مصدر القلق الأكبر، وفي المقابل، أشار 9 بالمئة إلى الجريمة وسبعة بالمئة إلى البيئة بوصفها مصدر قلقهم الأبرز". وأثار دعم بايدن لإسرائيل، التي تتلقى بالفعل 3.8 مليارات دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية سنويا، انتقادات دولية عريضة وسط مناشدات لحماية المدنيين في غزة. وهذه البيانات تثير مخاوف بايدن الذي يحاول الفوز في السباق الانتخابي حيث يتوقع على نطاق واسع أن ينافسه مرة أخرى في نوفمبر 2024، الرئيس السابق دونالد ترامب، المرشح الأوفر حظا في الفوز بترشيح الحزب الجمهوري لرئاسيات الولاياتالمتحدة. لا سيما أن استطلاعات رأي أخرى أجريت في الآونة الأخيرة، أشارت إلى احتمال وجود سباق متقارب بين بايدن وترامب. ولا يزال الرأي العام الأمريكي تجاه القضية الإسرائيلية الفلسطينية منقسما على أسس حزبية، وفق مراقبين، حيث ترغب أغلبية متزايدة من الجمهوريين في أن تميل واشنطن نحو إسرائيل، في حين تريد أغلبية متضائلة من الديمقراطيين ألا تميل أمريكا نحو أي من الجانبين. وكان للمساعدات الأميركية لإسرائيل دور كبير في إذكاء نيران الغضب، ففي 8 أكتوبر تم إرسال حاملة الطائرات العملاقة "يو إس إس جيرالد فورد"، إلى منطقة الشرق الأوسط، لإظهار الدعم للإسرائيليين، ولردع أي قوة تفكر في مهاجمتها. وفي 17 أكتوبر نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، عن مصادر وصفتها بالمسؤولة، أن تل أبيب طلبت من واشنطن مساعدات طارئة بقيمة 10 مليارات دولار، لمساعدتها في الحرب التي تشنها على قطاع غزة. وتعد دولة الاحتلال أكبر متلق للمساعدات الخارجية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، ووفقا لتقرير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، في يناير 2023، بلغت المساعدات الإجمالية المقدمة من الولاياتالمتحدة لإسرائيل بين 1946 و2023 نحو 158.6 مليار دولار. ومعظم هذه المساعدات تذهب إلى القطاع العسكري والاقتصادي، وتزداد بشكل مطرد في حالة وجود تهديدات أمنية، كما حدث بعد عملية طوفان الأقصى، أو مع وجود أزمات اقتصادية وسياسية.