"إن زمن بيع الوهم للعالم حول أكذوبة الجيش الذي لا يقهر، والميركافا الخارقة، والاستخبارات المتفوقة، كل هذا انتهى زمنه، وقد كسرناه وحطمناه أمام العالم في غلاف غزة وفي كل فلسطين"، هكذا أعلنها الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة، مقبلا غير مدبر واثقا غير مرتجف، وكأن النيران التي تسكبها أمريكا وإسرائيل وباقي دول أوروبا فوق غزة، تنزل بردا وسلاما على أرواح الشهداء والمقاومين. فبعد ليلة ويوم قاسٍ من انقطاع الاتصالات والإنترنت، ظهر الناطق باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، ليوجه رسائل حاسمة بقوة المقاومة واستعدادها لمعركة التوغل البري وصولا إلى الانتصار وتحرير الأسرى. وأكد أبو عبيدة في كلمته التي جاءت بعد غيابه عدة أيام أيضا، مساء السبت، أن مجاهدي المقاومة لا يزالون بانتظار جيش الاحتلال، مؤكدا أن ثمن تحرير الأسرى هو تبييض سجون الاحتلال من كافة الأسرى الفلسطينيين. وحدد القيادي في حماس محمود مرداوي، 8 دلائل مهمة في خطاب أبو عبيدة، مبينا أنه جاء بعد فشل العدو في محاولة استكشاف جهوزية المقاومة، ليحاول أبو عبيدة استكشاف جهوزية نتنياهو في ملف الأسرى أمام ذويهم في المؤتمر الصحفي هذه الليلة. وفي حين ظهر أبو عبيدة واثقا بلغة جسد صادقة وصارمة، ظهر نتنياهو في مؤتمره الصحفي اللاحق، مهتزا مرتبكا ومهزوزا هو وزير جيشه، وفشل في إقناع الصهاينة في قدرته على استرجاع أسراه، أو كيف يمكن أن يحقق هدفه في القضاء على حماس. وقال مرداوي: إن "لغة الجسد والنفس وروح الخطاب ومضمونه صلّبت البناء المرصوص معنويا في نفوس الحاضنة الشعبية وزعزع الروح المعنوية في نفوس الصهاينة المهزوزين". كما أشار إلى أن أبو عبيدة أرسل للشعوب العربية والإسلامية رسالة أن المجد والعزة لا تُمنح، بل تُنتزع والدور في المحطات التاريخية الفارقة إرادة وقرار. وأشار إلى تأكيد أبو عبيدة على الثقة بالله بالنصر المؤزر، وأن النصر صبر ساعة، وأن زمن الردع ولي وأن لا أحد يخشى الجيش المقهور. وفي اليومين الماضيين، قصفت كتائب القسام مدينة إيلات على البحر الأحمر بصاروخ عياش 250، ومدينة حيفا بصاروخ "آر 160″، وفي إطار معركة طوفان الأقصى التي بدأت في 7 أكتوبر الجاري، أطلقت المقاومة الفلسطينية آلاف الصواريخ على إسرائيل. وقد جاءت معركة طوفان الأقصى بالتوازي مع الذكرى الخمسين لحرب أكتوبر 1973، وكأن النصر نصران، ولكن مع بدء المقارنات، بدأت بعض الأصوات الإعلامية داخل الانقلاب بمصر تتجه إلى نقد المقاومة تمهيدا لشيطنتها، فبدأ الحديث على استحياء إن حرب أكتوبر كانت لها رؤية وخطة سياسية، فيما الذي أقدمت عليه المقاومة الفلسطينية من دون رؤية سياسية، ثم بدأ الهجوم الأوسع على المقاومة، وحركة حماس تحديدا، مع اشتداد القصف الإسرائيلي. وبينما كان الإعلام والصحافة العبريان يحملان نتنياهو مسؤولية الفشل الاستخباري وانفجار الأوضاع في قطاع غزة، كان قصفٌ على حماس يجري على الناحية الأخرى بكتيبة إعلامية، في مقدمتها إبراهيم عيسى، الذي شنّ هجوما حادا على حماس وشكك في نياتها، والدخول من مدخل المدنيين، فقد ناقش في برنامجه "حديث القاهرة" ما سماه إرهاب حماس باحتجاز الرهائن الإسرائيليين في عملية طوفان الأقصى. وبدأ الحديث عن توطين الفلسطينيين في سيناء وكأنه مخطط إخواني حمساوي سعى إليه الرئيس الشهيد محمد مرسي والإخوان المسلمون، في تفكير تآمري غريب، وسرعان ما أصبحت فقرة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو التوطين فقرة ثابتة في كل برامج التوك شو المصرية منذ التاسع من أكتوبر الحالي. رويدا رويدا، انسحبت رواية إدانة حركة حماس والمقاومة والهجوم عليها إعلاميا، وكأننا أمام إعلام صهيوني بامتياز، حيث ينتقل من تلبيس الحق بالباطل للدفاع عن الباطل، إذ انتقل من القول: إن "عملية طوفان الأقصى عمل نصفه مقاومة وعمل شرعي، والباقي من ترويع المدنيين الإسرائيليين وجلبهم إلى غزة عمل إرهابي، في تعزيز للرواية الإسرائيلية عن الحرب باعتبارها تحارب الإرهاب نيابة عن العالم". وتخدم مثل هذه الرسالة الإعلامية للانقلاب في مصر، مجهولة الهدف، إسرائيل وأهدافها الرامية إلى دعشنة حماس وتشبيه ما يجري بأحداث 11 سبتمبر 2001، وبأنها حرب المدنية والحضارة ضد الوحشية. ولا عجب، فإبراهيم عيسى وجل الأذرع الإعلامية في مصر هم من يشيطن الإخوان وحركات الإسلام السياسي العادية، فما بالنا إذا كانت حركات مقاومة، رغم أن نظام الانقلاب العسكري يتعامل معها وتتعامل معه، إلا أن لأجهزة السامسونج والأذرع الإعلامية، فيما يبدو، رأيا آخر أو أنها تريد ترويج هذه الأفكار تمهيدا لشيء ما لا نعلمه. واصل عيسى وغيره اتهام الرئيس الشهيد مرسي وجماعة الإخوان بمحاولات توطين الفلسطينيين في سيناء، وحماس بتسببها في حدوث كارثة في غزة، حتى لكأننا إزاء إعلام أفيخاي أدرعي الذي ينحني أمامه غوبلز من هول تزييفه الحقائق، وكأن الشهيد مرسي من تخلى عن جزيرتي تيران وصنافير، وبارك صفقة القرن منتظرا نصيبه منها، وكأنه هو من هدم الأنفاق مع قطاع غزة وأغرقها، كما أغرق البلاد بالديون التي تُستعمل حاليا للضغط على مصر بقوة، لفرض إرادة إسرائيل عليها بإحكام الحصار على غزة. ليستضيف أحدهم الأستاذ في جامعة الأزهر سعد الدين الهلالي للتشكيك بشرعية المقاومة، قائلا: إن "عملية طوفان الأقصى كان لا بد أن تجري بتوافق أهل فلسطين باعتبارهم شعبا واحدا، وأن مواجهة الاحتلال الإسرائيلي يجب أن تكون بالدبلوماسية العربية، وليس بالطريقة التي قامت بها حماس من دون وجود قرار توافقي بين الفلسطينيين لتحمل عواقب مثل تلك العمليات، في ترسيخ لإدمان ثقافة الانبطاح والانهزامية ولوم الضحايا بكل السبل". ومع الأسف، تعزز هذا الخطاب حتى بعد مجزرة مستشفى المعمداني، إذ استمر رموز هذا الإعلام بلوم حماس باعتبارها اختطفت القرار الفلسطيني، والشعب يدفع ثمن قراراتها، بل وامتد إلى نقد كل تظاهرة، سواء تلك التي خرجت في الأزهر أو في نقابة الصحفيين أو الجامعات، باعتبارها تظاهرات إخوانية، فمتى يتوب إعلام العسكر عن انبطاحه وهزيمته الفكرية وإدمان لوم الضحايا؟