جاء تصدي المقاومة الفلسطينية في مخيم جنين في الضفة الغربية، لقوات الاحتلال وتفجيرهم عبوات ناسفة في مدرعاتهم وتفجيرها وإصابة 7 جنود صهاينة ليغير قواعد الاشتباك مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، بعدما تحولت المقاومة من حالة الدفاع ضد مدرعات الاحتلال إلى الهجوم عليه. حيث لم ينجح الجنود باقتحام المخيم، وبقيت المعركة على أطرافه مستمرة نحو 12 ساعة، استغرق الاحتلال منها ثماني ساعات لإخلاء جنوده المصابين ومصفحاته وآلياته، التي أعطبتها العبوات المتفجرة تحت رصاص المقاومة. ولأول مرة منذ 23 عاما منذ الانتفاضة الثانية، تتدخل طائرات الاحتلال المروحية المقاتلة من طراز أباتشي الأمريكية التابعة لسلاح جو العدو الإسرائيلي، وتشن هجوما جويا على مدينة جنين ويقصفها المقاومون ويطلقون عليها الرصاص فتهرب مطلقة بالونات حرارية لمنع إصابتها بطلقات المجاهدين. وخلال الانتفاضة الثانية، التي سميت أيضا "انتفاضة الأقصى"، التي اندلعت في 28 سبتمبر 2000 عقب اقتحام إسحاق شارون للمسجد الأقصى، وتوقفت فعليا في 8 فبراير 2005، استخدمت قوات الاحتلال أيضا الطائرات الحربية لقصف من في الضفة الغربية، حيث استخدمت طائرات مقاتلة إف-16 و50 مروحية أباتشي. وقامت مروحيات العدو بإطلاق البالونات الحرارية في سماء جنين، وهو ما قال نشطاء إنه بسبب إطلاق النار عليها، لكن مراسل إذاعة الجيش الإسرائيلي قال: "قد يكون السبب رصد صواريخ مضادة للطائرات من طراز ستريلا أو سام 7، قد تكون مهربة من الأردن". عملية غير عادية التطور الجديد جاء بعد عملية تفجير نوعية قامت بها كتائب القسام (حماس) وكتائب القدس (الجهاد) ضد مدرعات الاحتلال التي تعربد في الضفة وتقتحمهما كل فترة وتشكل تحولا هاما، سيدفع قوات الاحتلال للتفكير إما في وقت الاقتحامات أو شن حرب قاسية ستزيد من إلقاء الزيت على النار المشتعلة. وأكدت مصادر إسرائيلية وفلسطينية أن هناك 7 إصابات في صفوف القوات الخاصة التابعة لجيش العدو الإسرائيلي (الدفدفان: المستعربون)، وتم نقلهم بمروحيات عسكرية إسرائيلية. وقالت كتائب القسام في مخيم جنين: "تمكن مجاهدونا الأبطال من إيقاع قوة للاحتلال بكمين محكم في مخيم جنين، حيث تم إمطارها بوابل من العبوات المتفجرة ثم زخات الرصاص، ونتحدى الاحتلال أن يكشف عن خسائره الحقيقة". وقالت كتيبة جنين التابعة ل "سرايا القدس" الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي: "تمكنا من تنفيذ عمليات وضربات نوعية ضد قوات الاحتلال وآلياته وفجرنا عبوة من نوع تامر في ناقلة جند النمر وإعطابها وقتل وإصابة من فيها". ويعد تصدي المقاومة الفلسطينية البطولي للقوات الصهيونية التي اقتحمت جنين اليوم، وتكبيدها خسائر لم تكن بالحسبان، تطورا قد يصعد الانتفاضة الحالية المستعمرة حسبما يتوقع محللون فلسطينيون. وقد يخرج القيادة الإسرائيلية عن طورها مما جعلها تشن عملية عسكرية أوسع من الحالية وتعيد أجواء انتفاضة فلسطين الثانية، مع أن هذه العملية تتواصل بالفعل منذ أكثر من عام ونصف. ويقول المحلل الفلسطيني الدكتور صالح النعامي: إن "هناك خلافات داخل إسرائيل من مسألة شن عملية عسكرية واسعة شمال الضفة الغربية بعد الأداء البطولي لجنين اليوم". المتحمسون للعملية هم قادة المستوطنين في الضفة وممثلوهم في الحكومة، سموتريتش وبن غفير، كما يبدي جهاز "الشاباك" تأييدا حذرا لشن العملية، حيث يدعي أن خطر العبوات الناسفة المتعاظم يستدعي مواجهة عاجلة، فضلا عن تخوف الجهاز من انتقال الشرارة من جنين إلى بقية مناطق الضفة. وفي المقابل المتحفظون على العملية، هم وزراء داخل المجلس الوزاري المصغر والجيش، الذين يرون أنه لا يوجد ما يدفع لشنها، فضلا عن أنها يمكن أن تفضي إلى تدهور الأوضاع أكثر، ناهيك أن هناك من يحاجج أن حملة "كاسر الأمواج" التي شنت قبل حوالي عامين، لازالت تتواصل، إلى جانب ذلك فإن الأمريكيين يضغطون لعدم شن العملية خوفا من أن تفضي إلى المس باستقرار السلطة. تحد خطير للاحتلال ويؤكد الخبير والمحلل العسكري اللبناني أمين حطيط، أن ما شهدته مدينة جنين ومخيمها من تصد بطولي لاقتحامات قوات الاحتلال، ستُجبره على إعادة النظر واتخاذ قرارات جديدة في الاقتحامات المقبلة لمدن الضفة الغربية. وقال حطيط لوكالة "شهاب" للأنباء 19 يونيو 2023، إن "تصدي المقاومة الباسلة لعدوان جيش الاحتلال الغاشم على مدينة جنين، ستجعله يُفكر ألف مرة قبل أي اقتحام جديد، لا سيما بعد الخسائر التي تكبدها صباح اليوم، مُشيرا إلى أن "دائرة الاقتحامات ستتقلص وسيكون الجيش أكثر حذرا في المرات القادمة" وأضاف أن ما شهده الميدان في شوارع جنين تُثبت بشكل قاطع أن الاحتلال يعيش حالة كبيرة من الإرباك والانهيار المعنوي والخوف من الخسائر المادية والبشرية، كما شاهدنا اليوم عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية. وتابع حطيط، رغم استقدام الاحتلال لأعداد كبيرة من قواته المقتحمة لمخيم جنين، إلا أنه فشل فشلا ذريعا في تحقيق أي من أهدافه العسكرية خلال الاقتحام. ووفقا للعميد حطيط، فإن المقاومة الفلسطينية التي تنوعت وسائلها القتالية وأدارت المعركة بشكل سليم، أبدعت اليوم في المواجهة والثبات أمام عنجهية جيش الاحتلال. ويقول المحلل الفلسطيني عدنان أبو عامر أن كمين جنين شكّل بعبواته الناسفة تحديا جديدا أمام الاحتلال، وتحولا خطيرا من وجهة نظره، وقد ينبئ بأن القادم في الضفة الغربية سيكون أسوأ وأخطر وأشد تعقيدا، ولم يخفي تخوّفه بأنه يحمل إشارات سلبية بأنه لم يفقد السيطرة على جنين فحسب، بل فقد الثقة بقدرته على دخولها، والخروج منها. قال: "رغم أن العبوات الناسفة قد تندرج ضمن إطلاق النار والاشتباكات المسلحة، بحكم أن العديد منها تشهد في طياتها تفجيرا لعبوات ناسفة، لكن هذه المرة الأمر مختلفة حيث برعت المقاومة باستخدامها لتنفيذ عملياتها، وحققت إنجازات هامة في سياق المواجهة مع المحتل، أدت لإلحاق أفدح الخسائر في صفوفه". أضاف: طورت المقاومة من تصنيع العبوات شديدة الانفجار، واستخدام مواد جديدة بتركيبها، وصناعة أنواع جديدة، مكّنها من تدمير الآليات المحصنة، وصولا لإسقاط حصن من حصون الاحتلال التي يعتقد أنها تحميه من ضربات المقاومين، لكن كمين جنين صدمه، وباتت حماية مركباته بشوارع الضفة مسألة فيها نظر. أهمية تصاعد عمليات المقاومة وخاصة حماس في الضفة وتفجير مدرعات العدو، في الوقت الذي تشبث السلطة بطابع وظيفتها الأمنية بالتعاون مع الاحتلال وتزيد الأعباء على كاهل المقاومين عبر خطة تجفيف بيئة المقاومة في الضفة. كما أنها تطرح تساؤلات، من أين يحصل المقاومون على المتفجرات والذخائر؟ وما دلالات استخدام الطائرات لقصف جنين بعد 23 من انتفاضة الأقصى؟