مداهمة الشرطة التونسية منزل رئيس مجلس النواب الشرعي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، مساء الإثنين 17 إبريل 2023م، قبل أن تقتاده لجهة غير معلومة، ثم اقتحام مقر حركة النهضة الإسلامية في العاصمة تونس، إجراء مليشياوي بامتياز لا يمكن أن تقوم به دولة تحكم بالقانون وأدوات الديمقراطية وإرادة الشعب. ونشر وزير الخارجية التونسي سابق رفيق عبد السلام، تغريدة عبر "فيسبوك"، معلنا أنه تم اقتياد الغنوشي إلى ثكنة العوينة بالعاصمة للتحقيق معه. وحين استفسر محامو الغنوشي عنه في ثكنة العوينة أبلغوا بعدم وجوده ما يعني أنه تم اختطافه وليس اعتقاله. وهو ما أكدت عليه المحامية فوزية خضري التي صرحت بأنه "لا يمكن الحديث مطلقا عن إيقاف أو اعتقال للغنوشي بل هي عملية اختطاف"، مضيفة أنه "لم يتم توجيه أي تهمة أو استعداء للتحقيق مع الغنوشي. وأضافت أنه تم منع المحامين من لقاء راشد الغنوشي، دون تحديد أسباب اقتياده لثكنة العوينة. وذكرت إذاعة "موزاييك إف إم" الخاصة أن النيابة العامة بالقطب القضائي لمكافحة الارهاب أذنت مساء الاثنين، لأعوان وحدة مكافحة الإرهاب ببوشوشة بإيقاف رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي. وجاء قرار إيقاف الغنوشي للتحقيق معه على خلفية مقطع فيديو لمحادثة جمعت بينه وبين قيادات من جبهة الخلاص الوطني، اعتبر خلالها أن "إبعاد الإسلام السياسي في تونس مشروع لحرب أهلية"، بحسب ما نقلته الإذاعة عن مصادر قضائية. ونقلت وكالة الأنباء التونسية الرسمية (وات) عن مصدر بوزارة الداخلية قوله إن الغنوشي سيبقى على ذمة الأبحاث في قضية تتعلق بتصريحات تحريضية كان أدلى بها، الى حين اتخاذ الاجراءات بخصوصه، على حد تعبيره. وحسب بيان حركة النهضة فقد تمت "مداهمة منزل الأستاذ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة واقتياده إلى جهة غير معلومة دون احترام لأبسط الإجراءات القانونية". وأعربت الحركة في بيان عن تنديدا بهذا "التطور الخطير جدا"، مطالبة ب"إطلاق سراح الغنوشي فورا، والكف عن استباحة النشطاء السياسيين المعارضين". كما دعت "كل الأحرار إلى الوقوف صفا واحدا في وجه هذه الممارسات القمعية المنتهكة للحقوق والحريات ولأعراض السياسيين المعارضين". واعتبر المستشار السياسي لحركة النهضة رياض الشعيبي اعتقال الغنوشي "خطوة خطيرة وتصعيدية من سلطة الأمر الواقع"، مضيفا إن ذلك لن يثني الحزب في المقاومة والإصرار على إسقاط الانقلاب". ونبه القيادي بالحزب بأن اعتقال الغنوشي سيزيد من تعقيد الوضع أكثر ولن تحل المشاكل". يشار إلى أنه تم التحقيق عديد المرات مع الغنوشي في ملفات "التسفير، الجهاز السري ، تبييض أموال"، كما تم تحجير السفر على الغنوشي وتجميد أمواله.
إرهاب المعارضة ويجمع كثير من الساسة والخبراء على أن الهدف من التنكيل بحركة النهضة ورئيسها الشيخ راشد الغنوشي قبل أيام قليلة من عيد الفطر، هو التنكيل به وبالحركة، معتبرين أن السلطة، وفي ظل استفحال الأزمة التي تمر بها البلاد، مرت إلى السرعة القصوى في الاعتقالات، وفي استهداف قادة "حركة النهضة". وأجمع غالبية السياسيين مباشرة بعد اعتقال الغنوشي في وقت متأخر من مساء الإثنين، على أن السبب قد يكون، بحسب رأيهم، هو تصريح له في اعتصام ل"جبهة الخلاص"، مساء الأحد. وبالعودة إلى التصريح الذي يبدو أنه سبب إيقاف الغنوشي، فقد قال فيه إن "النهضة"، عندما كانت في السلطة، تكونت جبهة أيديولوجية ضدها، وهو ما أدى لاحقاً إلى الانقلاب، لافتاً إلى أن "عمل الجبهة الوطنية للخلاص كمشروع وطني، مثل تطويراً حقيقياً في عمل المعارضة"، مؤكداً أن "تونس دون هذا الطرف أو ذاك، أي دون يسار، أو دون نهضة، ودون إسلام سياسي، أو أي مكون من المكونات، هي تؤسس للحرب الأهلية". وبيّن أن "ما يجمع السياسيين المعتقلين اليوم هو الدفاع عن الحرية، ومحاكمتهم علامة انتصار، فقد تجاوزوا المعارك الأيديولوجية، وهم مجتمعون حول الحرية"، معتبراً أن "من يحاكمون من الثورة المضادة في دوائر العدالة الانتقالية جرائمهم ثابتة، ويحاكمون خارج السجن، بينما رموز الثورة يحاكمون داخل السجن". ترى الأمينة العامة لحزب "حراك تونس الإرادة"، المحامية لمياء الخميري، أن "هذا الإيقاف مواصلة للإيقافات التي سبق وشملت سياسيين ومحامين، وأغلبها على خلفية آراء وتصريحات وقراءات ورؤى"، مبينة أن "هذه الآراء تندرج ضمن تحذيرات من أوضاع قد تصل إليها البلاد في صورة تفاقم الأزمة". وأوضحت الخميري أن "أغلب المحامين ظلوا خارج ثكنة العوينة مباشرة بعد إيقاف الغنوشي، حيث لم يتم تحديد أسباب الإيقاف، ولكن أغلب الآراء ذهبت إلى التصريح الذي حذر فيه من الوصول إلى حرب أهلية إذا غابت الديمقراطية وعدم قبول الآخر، وهذا تحليل وقراءة للوضع". ولفتت إلى أن "إيقاف الغنوشي كان مفاجئاً، رغم أنه بعد إيقاف أمناء أحزاب وقادة سياسيين لم يعد الأمر مستغرباً، ولكن مداهمة بيت الغنوشي تمت مع أذان المغرب، وفي شهر فضيل وهو شهر رمضان، وقبيل مناسبة عيد الفطر، وهذا أمر غير مقبول لأنه حتى في القانون عادة لا يتم تنفيذ الأحكام في أعياد دينية، لا مسيحية، ولا يهودية، ولا إسلامية"، مشيرة إلى أن "اعتقال الغنوشي (80 عاماً)، غير مقبول، فهو مسنّ، ولا بد من مراعاة الظرف الصحي للرجل، وهو يُعتبر ظرف تخفيف"، وبينت أن "الأصل هو الحرية، ولكن للأسف، تم ترك القانون جانباً لأن الهدف هو التنكيل". وكتب الرئيس الأسبق منصف المرزوقي على صفحته في "فيسبوك": "من بين القواعد التي عبث بها المنقلب، قاعدة حفظ المقامات، هي تحفظ للصراع السياسي الحدّ الأدنى من التحضر، مانعة الانتقال من العنف الرمزي المتمثل في الصراع بالكلمات والأفكار، إلى العنف بكل تبعاته". وأضاف: "عودوا إلى رشدكم، فلو دامت لغيركم لما أتتكم. عاملوا راشد الغنوشي بما يتطلبه عمره ومكانته بكل احترام، وكفوا عن كل أشكال الهرسلة والشيطنة والتخوين. ما هكذا تساس المجتمعات المتحضرة والخلافات السياسية داخلها"، وأضاف: "أطلقوا سراح الشيخ هو وبقية الرهائن السياسيين، هذا إن أردتم الخير لأنفسكم وليس فقط لهذا الوطن المنكوب". وحسب الناشط السياسي وعضو "جبهة الخلاص الوطني" عز الدين الحزقي، فإن "هذا دليل على الفشل، فالبلاد للأسف في فوضى"، مبيناً أن "ما يحصل هوس، وما حصل في حق رئيس البرلمان الشرعي جريمة". وأوضح الحزقي أن "الإيقاف مع أذان المغرب يكشف عن حقد دفين وتشف، ومن الناحية السياسية والأخلاقية والإنسانية فهو جريمة"، مشيراً إلى أن "هذا يكشف الانقلاب أكثر فأكثر". وبيّن أن "الأوراق تسقط يوماً بعد يوم، وللأسف الفشل يجعل الانقلاب يمرّ إلى السرعة القصوى، واستهداف خصومه، فهو يخشى الكلمة، ويبدو أن الإيقاف أتى على خلفية تصريح للغنوشي"، معتبراً أن "الأجيال المقبلة ستبني مستقبلها على أنقاض هذه الأخطاء وهذه الفوضى".