أغلقت لجان الاقتراع أبوابها أمس السبت 17 ديسمبر 2022 في مسرحية الانتخابات البرلمانية في تونس وسط مقاطعة غالبية الأحزاب السياسية في تونس وفي مقدمتها حزب النهضة ذو المرجعية الإسلامية، والذي كان مسيطرًا على البرلمان منذ 2011 بإرادة الشعب الحرة، وكذلك الاتحاد العام التونسي للشغل، أحد أهم المكونات السياسية التي بقيت على الدوام مقربة من السلطة منذ عقود. وأعتبر الأخير أن الهدف من البرلمان الجديد هو «إعادة تشكيل نظام سياسي أحادي، لا يشرك فيه الاتحاد العام التونسي للشغل ولا المجتمع المدني ولا حتى الأحزاب». ويتكوّن البرلمان الجديد( برلمان قيس سعيد) من 161 نائبًا بعد أن تقلص عدده من 217. وسيحل محل البرلمان الشرعي الذي جمّد سعيّد أعماله بانقلابه على الدستور في 25 يوليو 2021 وحلّه لاحقًا. وتجري الانتخابات الحالية بنظام الفردي بعد إلغاء نظام القائمة. وترشح للانتخابات 1085 شخصًا غالبيتهم غير معروفين. وذكر «المرصد التونسي للانتقال الديمقراطي»، أن نصف المرشحين أساتذة (نحو 26%) وموظفون حكوميون بمستوى متوسط (نحو 22%). انتخابات صورية من جانبها، وصفت صحيفة "الفايننشال تايمز" البريطانية، الانتخابات التشريعية التونسية بأنها "صورية"، بعد أن علق الرئيس قيس سعيد أعمال البرلمان السابق، واستولى على جميع السلطات في البلاد. ونقلت الصحيفة عن محللين وسياسيين، أن البرلمان الجديد ستكون مهمته التصديق على قرارات الرئيس، ولن يمارس وظائف البرلمانات التي سبقته. وقالت إن تونس التي ينظر إليها كديمقراطية عربية نادرة، غرقت الآن في الاستبداد منذ استيلاء سعيد على السلطة. وحسب الصحيفة البريطانية فقد استخدم قيس سعيد الدبابات لوقف عمل البرلمان السابق، في عام 2021، وعلق العمل بالدستور، وبدأ يعمل على إعادة تشكيل النظام السياسي في البلاد. ونوهت إلى أنه كرر مرارا أن تحركاته "قانونية وضرورية"، وأنقذت البلاد من حرب أهلية.
8.8% فقط يشاركون في السياق ذاته، أعلنت الهيئة العليا (المستقلة) للانتخابات بتونس، السبت، أن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية بلغت 8.8 بالمئة إلى حدود انتهاء عملية التصويت. وهي النسبة الأضعف من حيث المشاركة الشعبية بعد ثورة 2011؛ حيث سجلت انتخابات المجلس التأسيسي سنة 2011 نسبة مشاركة 52%، وفي انتخابات البرلمان سنة 2014 كانت نسبة المشاركة هي الأعلى ب69%، أما في سنة 2019 كانت في حدود 41,3%، لتكون انتخابات سنة 2022 هي الأضعف على الإطلاق ب 8,8% فقط. ورغم أن هذه النسبة ضعيفة للغاية فإن مراقبين يشيرون إلى أن النسبة الحقيقية لا تتجاوز 2.5 % فقط. وقال رئيس الهيئة فاروق بوعسكر خلال مؤتمر صحفي، إن "8.8 بالمئة شاركوا في عملية التصويت في الانتخابات التشريعية وذلك بمشاركة 803 آلاف و638 ناخبا إلى حدود إغلاق مراكز الاقتراع عند الساعة السادسة بالتوقيت المحلي". وأوضح أن "هذه النسبة تقريبية والرقم مرشح للارتفاع بشكل طفيف". وكانت تُنتظر مشاركة نحو 9 ملايين و339 ألفاً و756 ناخباً مسجلين في لوائح الانتخابات، لاختيار 151 نائباً بالمجلس، منهم 10 مرشحين في الخارج. وأشار بو عسكر، إلى أن "نسبة النساء المشاركات في التصويت بلغت 34 بالمئة في مقابل 66 بالمئة للمشاركين الرجال". وذكر أن "5.8 بالمئة من المصوتين كانوا من الفئة العمرية من 18 إلى 25 عاما، و26.7 بالمئة من فئة 26 إلى 45 عاما، و32.7 بالمئة من فئة 46 إلى 60 عاما، و34.8 بالمئة الفئة التي تتجاوز 60 عاما". فيما اعتبرت هذه الأرقام دليلا على أن قيس سعيد يحظى بشعبية متدنية ومعظمها من العواجيز الذين تجاوزوا الستين من أعمارهم. واعتبرت جبهة "الخلاص" المعارضة في تونس، السبت، أن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية المبكرة أثبتت "إخفاقا كبيرا" لرئيس البلاد. وقال رئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي، خلال مؤتمر صحفي عقده في العاصمة تونس، إن "نتائج المشاركة في الانتخابات التشريعية تؤكد أن الشعب خاب أمله من سعيّد، ذلك أنها أسفرت عن عزوف 92 بالمئة من الناخبين عن المشاركة في التصويت".
خريطة الولاءات وفي الداخل، يتنافس 1052 مرشحاً على 151 مقعداً، موزعة على 151 دائرة انتخابية. وتشهد الانتخابات مقاطعة من أحزاب سياسية عدة، بينها حركة "النهضة"، "قلب تونس"، "ائتلاف الكرامة"، "التيار الديمقراطي"، "الدستوري الحر"، وغيرها، فيما تشارك فيها قوى سياسية أخرى صغيرة مؤيدة للرئيس قيس سعيّد، مثل ائتلاف "لينتصر الشعب". في المقابل، يشارك "المساندون لمسار انقلاب 25 يوليو" في الاستحقاق. وهؤلاء يتوزعون على الأحزاب القومية والعروبية، وأبرزها حزب حركة الشعب والتيار الشعبي وحزب تونس إلى الأمام، وعدد من الحركات السياسية الجديدة المساندة لسعيّد، وحزب التحالف من أجل تونس، وبعض أعضاء الأحزاب التي حكمت خلال العشرية الماضية، أبرزها حزب نداء تونس، ومستقيلون من قلب تونس. وانتخابات السبت الصورية أحدث حلقة في سلسلة إجراءات انقلاب الرئيس سعيّد فرضها في 25 يوليو 2021، وسبقها حل مجلس القضاء والبرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء في 25 يوليو 2022. وتعتبر قوى تونسية هذه الإجراءات "تكريساً لحكم فردي مطلق" وتصفها ب"انقلاب على الدستور".
سعيد يدافع عن دكتاتوريته وتعرض قيس سعيد للتوبيخ من جانب الرئيس الأمريكي جو بايدن اثناء مشاركة الأول في القمة الأمريكية الإفريقية في العاصمة واشنطن، وحسب تقرير نشرته صحيفة "الواشنطن بوست" الأربعاء 14 ديسمبر 2022، فإن الرئيس التونسي رفض الانتقادات الأمريكية لتوطيد سلطته، ودافع عن سياساته الاستبدادية ملقيا باللوم على "الأخبار الكاذبة" في الانتقادات الغربية الواسعة لخطواته لتعزيز سلطاته الرئاسية، وندد ب"قوى أجنبية" غير محددة قال إنها تحاول إثارة المعارضة لإسقاطه. وقال قيس سعيد في اجتماع مع هيئة تحرير "واشنطن بوست" والمراسلين إن "هناك الكثير من أعداء الديمقراطية في تونس يريدون بذل كل ما في وسعهم لنسف الحياة الديمقراطية والاجتماعية للبلاد من الداخل". في نقاشه الذي استمر لمدة ساعة مع صحيفة "ذا بوست"، رفض سعيد الاعتراف بأي نقد شرعي، وحدد حملة غامضة لتقويض حكمه، وقال "إنها حركة منسقة بالكامل يقودها أعداء الديمقراطية هؤلاء الذين أرادوا نهب الناس، الذين أرادوا سلب الشعب، والذين أرادوا تفجير الدولة من الداخل". ودافع عن انقلابه في يوليو 2021 بتعليق عمل البرلمان، مدعيا أن المقاعد كانت "تُباع وتُشترى" في البرلمان السابق، زاعما أن دستور 2022 الذي لم يشارك التونسيون في سنه وإقراره وفر للتونسيين حقوقا وحماية أكبر من الدستور السابق للبلاد.