أكدت "منظمة العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش" في بيان مشترك تقاعس سلطات الانقلاب في مصرعن إجراء تحقيق مستقل وفعال وشفاف في الوفاة المشبوهة في الاحتجاز للباحث الاقتصادي أيمن هدهود. وقالت المنظمتان "لقد تجاهلت النيابة التي حققت في وفاته الأدلة المتزايدة على أن السلطات أخفته قسرا وعذبته وأساءت معاملته وحرمته من تلقي الرعاية الصحية الكافية في الوقت المناسب". كانت محكمة جنايات القاهرة قد رفضت في 23 يونيو 2022 طعن أسرة هدهود لإعادة التحقيق، والمطالبات بفحص الأدلة الجوهرية فيما يتعلق بملابسات وفاة هدهود. وفي 5 فبراير اختفى هدهود، وتوفي في الاحتجاز في ظروف مريبة في 5 مارس ، لكن سلطات الانقلاب أخفت نبأ وفاته حتى 9 أبريل، وأغلقت النيابة العامة للانقلاب تحقيقها في 18 أبريل ، بعد ستة أيام من إعلانها إجراء التحقيق، وخلُصت إلى أن وفاته نجمت عن حالة مرضية مزمنة بالقلب، وخلت من أي شبهة جنائية. وأكدت فيليب لوثر، مدير البحوث وكسب التأييد في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية أن التحقيق المعيب بشدة في أسباب وملابسات وفاة أيمن هدهود في الاحتجاز هو تذكير صارخ آخر بأزمة الإفلات من العقاب في مصر. وقال إن "عدم التحقيق بشكل كافٍ وغياب المساءلة عن وفاته المشبوهة ، إنما يشجع قوات الأمن على مواصلة انتهاك حق المحتجزين في الحياة من دون خوف من العواقب". وذكر البيان أن كل من هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية قد أجرت مقابلات مع عائلة هدهود ومحامييه، ومصادر في مستشفى العباسية للصحة النفسية بالقاهرة، حيث كان هدهود محتجزا، واطلعت على تسريبات سجلات الدخول إلى المستشفى والمراسلات والبيانات الرسمية. وتوصلت المنظمتان إلى أن سلطات نظام السيسي المنقلب تقاعست عن إجراء تحقيق شامل وفعال وشفاف ومستقل وحيادي في أسباب وملابسات وفاة هدهود، بما يتماشى مع متطلبات العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي تُعد مصر طرفا فيه، و"بروتوكول مينيسوتا" للأمم المتحدة المتعلق بالتحقيق في حالات الوفاة التي يحتمل أن تكون غير مشروعة. وطالبت المنظمتان سلطات الانقلاب في مصر بتوجيه دعوة على الفور إلى مقرري الأممالمتحدة الخاصين المعنيين بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفا، وبالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لزيارة مصر لدراسة حالات التعذيب وسوء المعاملة والوفيات أثناء الاحتجاز، بما في ذلك حالة هدهود. كما طالبت أن تتعهد سلطات نظام السيسي المنقلب بتوفير الحماية الكاملة للمحققين، والشهود والضحايا والنشطاء الذين يتعاونون معها وتسهيل عملهم. تقاعس نيابة الانقلاب تكشفه السجلات والحقائق وفيما يتعلق بالتقاعس عن إجراء تحقيق دقيق وفعال وشفاف قالت المنظمتان إن "تحقيق النيابة تقاعس عن الرد على الأسئلة الرئيسية والنظر في الأدلة الجوهرية، وتتضمن الأدلة التي رُفضت أو لم يتم النظر فيها إفادة شاهدَيْن لاحظا وجود إصابات على وجه ورأس هدهود في مشرحة المستشفى في 10 أبريل ، وذلك قبل تشريح جثته". واطلعت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش على السجلات الرسمية المسربة من مستشفى العباسية للصحة النفسية، حيث تم إدخال هدهود المستشفى في 14 فبراير ، وتظهر السجلات أنه أحيل في اليوم السابق إلى أخصائي العظام، وقال مصدر مطلع في المستشفى لمنظمة العفو الدولية إن "هذا يشير بقوة إلى أن هدهود إما أصيب بجروح ظاهرة أو اشتكى من إصابات". وأشارت المنظمتان إلى أن سلطات الانقلاب رفضت مرارا وتكرارا تقديم نسخة عن ملف القضية، وتقرير الطب الشرعي إلى عائلة هدهود ومحامييه، وسمحت للمحامية فقط بالاطلاع عليهما لفترة وجيزة من دون إعطاء نسخ، كما رفضت طلب الأسرة بحضور ممثل مستقل أثناء تشريح جثته في 11 أبريل ، أو باستخراج تسجيلات كاميرات المراقبة في الأماكن حيث يُحتمل أن هدهود اعتُقل واحتُجز، والاطلاع على محتواها. وشددت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش على ضرورة إجراء مراجعة مستقلة لتحليل تشريح الجثة والبيانات الأولية والأدلة الجوهرية الأخرى من قبل لجنة من خبراء الطب الشرعي، في إطار تحقيق مستقل أوسع.
التقاعس عن توفير الرعاية الطبية الضرورية
وذكرت المنظمتان أن تحقيق النيابة العامة لم يتطرق إلى تقاعس سلطات الانقلاب عن توفير الرعاية الطبية الكافية في الوقت المناسب عندما تدهورت صحة هدهود. حيث تكشف نسخ عن المراسلات المسربة بين مدير مستشفى الطب النفسي ورئيس وحدة الطب الشرعي بها والعاملين الطبيين الآخرين، بتاريخ 18 أبريل ، أن صحة هدهود قد تدهورت بشدة في الساعة 3:30 مساء يوم 5 مارس ، لكن لم يتم نقله على الفور إلى مستشفى خارجي مجهز لعلاجه، رغم الخطر الوشيك على حياته. كما تظهر الوثائق أنه عندما تدهورت صحة هدهود، اتصل الطبيب المناوب بأخصائي أمراض باطنية، ووصف هذا الأخير الدواء عن بعد من دون فحص المريض. أيضا تظهر الوثائق أنه تحتم على طاقم المستشفى النفسي، على ما يبدو، الاتصال بضابط في وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب ومسؤول في المستشفى لإخطارهما بحالة هدهود قبل نقله، بانتظار سيارة إسعاف، بينما وصلت سيارة الإسعاف، كان الوقت قد فات وتوفي هدهود حوالي الساعة الثامنة والنصف مساء.
تورط النيابة في الانتهاكات وأكدت المنظمتان على تورط نيابة الانقلاب العامة في الانتهاكات حيث لم يتطرق تحقيق النيابة إلى الاختفاء القسري لهدهود منذ 5 فبراير ، عندما رأته عائلته للمرة الأخيرة، بما في ذلك تقاعس السلطات عن تزويد أسرته بمعلومات حول مصيره ومكان وجوده حتى 9 أبريل أو بعد 35 يوما على وفاته. وكان ضابط شرطة قد اتصل في 8 فبراير بأحد أشقاء هدهود، وتم استدعاؤه إلى قسم شرطة الأميرية في القاهرة ، وهناك استجوبه ضباط قطاع الأمن الوطني حول أنشطة أيمن هدهود السياسية وآرائه، وزعموا أنه في عهدة الشرطة. ومع ذلك، أبلغت النيابة في 18 فبراير ، الأسرة أنه لا توجد قضية جنائية ضده ومنعتهم من الحصول على أي معلومات عن مصيره ومكان وجوده. وتتأكد بواعث القلق بشأن دور النيابة العامة في التحقيق في وفاة هدهود من خلال نمط موثق جيدا على مدى سنوات يظهر ضلوع النيابة العامة في الانتهاكات التي ترتكبها قوات أمن الانقلاب، ولا سيما قطاع الأمن الوطني ، و تجاهلت النيابة بشكل منهجي التحقيق في مزاعم الاختفاء القسري والتعذيب، وقبلت الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب كدليل في المحاكمات. ودعت المنظمتان المجتمع الدولي أن يدعم الجهود الرامية إلى إنشاء آلية لرصد حقوق الإنسان في مصر والإبلاغ عنها لدى مجلس حقوق الإنسان نظرا إلى مناخ الإفلات من العقاب السائد في مصر . وقالت بلقيس جراح، المديرة المؤقتة بالإنابة في برنامج العدالة الدولية في هيومن رايتس ووتش "أثبتت السلطات المصرية مرة أخرى أن العدالة شبه غائبة لضحايا انتهاكات قوات الأمن، ويمكن للسلطات القضائية والنيابة العامة في البلدان الأخرى المساعدة في وضع حد للإفلات من العقاب من خلال إجراء التحقيق، وعند الاقتضاء بموجب قوانينها المحلية، وبناء على الأدلة المتاحة مقاضاة ضباط الأمن المصريين المتورطين في ارتكاب الانتهاكات الجسيمة، فضلا عن المسؤولين المشرفين عليهم". وأشارت المنظمتان إلى أنه منذ انقلاب السيسي في الثالث من يوليو 2013 والتحكم بمقاليد البلاد وتوثق التقارير مصرع عشرات الاشخاص داخل مقار الاحتجاز نتيجة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة أو الحرمان من تلقي الرعاية الصحية الملائمة وفي الوقت المناسب. ووجدت منظمة العفو الدولية أنه في عام 2021 وحده، توفي 52 معتقلا في الاحتجاز على الأقل إثر مضاعفات طبية، وما لا يقل عن 4 معتقلين إثر تقارير عن وقوع تعذيب. وفي معظم الحالات، تقاعست النيابة عن إجراء تحقيقات مستقلة وفعالة في أسباب وملابسات وفاتهم.
وأكدت المنظمتان على أن التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة يُستخدم بشكل خاص، خلال مرحلة التحقيق وفي الفترة الأولى من الاحتجاز لانتزاع الاعترافات، ومعاقبة المعارضين. كما وجدت "هيومن رايتس ووتش" وتحقيق عام أجرته "لجنة الأممالمتحدة لمناهضة التعذيب" في إطار تحقيقات منفصلة، أن التعذيب في مصر منهجي ومستشرٍ.